الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

قراءة في فوز دونالد ترامب

نشر بتاريخ: 11/11/2016 ( آخر تحديث: 11/11/2016 الساعة: 11:18 )

الكاتب: زهير الشاعر

مما لا شك فيه أن انتصار دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية الأخيرة وذلك على منافسته سيئة الحظ هيلاري كلينتون، والتي كانت تشير كل إستطلاعات الرأي إلى أنها ستفوز في هذه الانتخابات فوزاً كاسحاً وتاريخياً كأول إمرأة ترأس الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن الأمر جاء خارج التوقعات وعكسها بالمجمل!، خاصة أن دونالد ترامب حقق فوزاً قلب الطاولة وأربك حسابات العالم بأكمله.

لكن هناك من ينظر للأمر من زاوية مختلفة لربما تكون أكثر واقعية، ويتحدث عن وجود سياسة عامة تحكم دولة القانون ، لابد لأي شخص جاء ليتبوأ كرسي الرئاسة في الولايات المتحدة بأن يتقيد بها، خاصة أنها دولة مؤسسات يحكمها القانون والمصلحة العامة للبلاد وليس المزاج والفكر الشخصي ، وهذا تبين من اللهجة المختلفة تماماً عن اللهجة الصارمة أثناء الحملة الانتخابية التي تحدث بها دونالد ترامب خلال خطاب الإنتصار، حينما أشار بأنه سيسعى لتحقيق العدالة وسيعمل مع الجميع وسيكون رئيساً لجميع الأمريكيين ولن يجلب عداء أحد للولايات المتحدة الأمريكية ولن يسعى للتصادم مع أحد في إشارة منه لطمأنة الرأي العام الأمريكي من جهة ولطمأنة العالم من جهة أخرى.

لذلك فإنني أرى الأمر مغايراً عما شاهدناه من خيبات أمل إقليمية ودولية ومحلية على مستوى الشارع الأمريكي الذي لا زال يخرج بمظاهرات تعبر عن غضبه وخيبة أمله من النتائج التي أفرزتها عملية ديمقراطية بحتة في أشرس إنتخابات شهدها التاريخ الأمريكي.

فإن نظرنا إلى الأمر من عدة زوايا سنجد أولاً أن دونالد ترامب بدأ يحدد ملامح سياسته التي تتمثل بأنه سيسعى إلى تحديث البنية التحتية للولايات المتحدة الأمريكية التي تتمثل في الطرق والجسور وغيرها مما سيعمل على تعزيز إقتصاد بلاده، كما أنه بدأ بتحديد حلفائه للمرحلة القادمة وبشكل سريع حيث أشارت الأنباء بأنه قدم دعوة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لزيارة واشنطن وهذا يحمل إشارة قوية لمكانة إسرائيل بالنسبة له وأن العلاقة بين إدارته وبين الدولة العبرية سيكون لها خصوصية واضحة ولكنها مختلفة بمجملها عما سبق مع الإدارات السابقة، وهذا سينعكس بشكل كبير على طبيعة علاقة إدارته مع الدول العربية والإسلامية على وجه الخصوص.

كما أن روسيا سارعت للتعبير عن إرتياحها لفوز ترامب وذلك من خلال برقية بعث بها الرئيس بوتين لتهنئته بالفوز ودعوته لفتح حوار بناء بينهما يفضي إلى تحالف إستراتيجي يحفظ مصالح البلدين، وهذا يعني أن العلاقة ستأخذ أبعاداً إستراتيجية تخدم مصالح البلدين على كل المستويات وستنعكس بالإيجاب والسلب على باقي الأطراف حسب ما تتطلبه العلاقة بينهما.
بالنسبة للوضع في أوروبا، ففي تقديري أنه لم يكن مريحاً أو سعيداً بهذه النتيجة التي جاءت صادمة ، حيث عبرت ألمانيا على لسان وزير دفاعها عن خشيتها من قرارات مفاجئة لترامب خاصة فيما يتعلق بالموقف من حلف الناتو تنعكس بشكل سلبي على العلاقات الإستراتجية بين الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.

كما أن فرنسا لم تستطع أن تخفي خيبة أملها من النتيجة التي أفضت إلى فوز دونالد ترامب، حيث أنها ترى فرنسا على لسان رئيسها فونسوا هولاند بأنه مستقبل السلام ومحاربة الإرهاب والأوضاع في الشرق الأوسط والعلاقات الاقتصادية والمحافظة على بيئة الكرة الأرضية مما يعكس حالة القلق التي تعيشها فرنسا خاصة فيما يتعلق بجهودها التي بذلتها في عدة مسارات وأهمها فيما يتعلق بعملية السلام ما بين الإسرائيلين والفلسطينين التي تعتقد على ما يبدو بأن إيجاد حلاً لها يعتبر أساساً لمواجهة الإرهاب في المنطقة، لن تجد طريقها إلى النور أو حتى تحظى ببصيص من الأمل بالنجاح في المرحلة الحالية أو قبل نهاية العام كما كان مأمولاً منها ، خاصة فيما يتعلق بالمؤتمر الدولي للسلام الذي ترفضه إسرائيل جملة وتفصيلا وهي التي على تؤكد الشواهد بأنها ستحصل على حصة الأسد من الدلال عند دونالد ترامب!.

بالمقابل يبدو بأن التحالف الروسي الأمريكي الجديد سيرسم خارطة مصالح العالم من جهة وخارطة الشرق الأوسط من جديد من جهة أخرى، حيث أنه من الواضح أن سوريا ستتنفس الصعداء ، والعراق سيدخل مرحلة جديدة من الحياة السياسة .
وبالنسبة لليبيا ، أعتقد أن الوضع فيها لن يستمر في حالة الصراع القائم خاصة أن تقسيمات جديدة في ظل فكر روسي أمريكي جديد الذي سيعمل على تقاسم الأدوار في التعاطي مع واقعه وسيفرض واقعاً جديداً يعمل على تهدئة الأمور وخلق حالة من إعادة البناء والتنمية الإقتصادية فيها تنعكس بالإيجاب بما يخدم مصالح البلدين الإقتصادية ولكن ذلك سيكون محفوفاً بالمخاطر التي لربما تنتج حالة من التصادم مع قوى إقليمية ذات نفوذ لها مصالحها في المنطقة .

أما بالنسبة لمصر ، فيبدو أن الأمور ستصب لصالح النظام الحاكم المتثمل في الرئيس عبد الفتاح السيسي ، والذي بدوره قد حافظ على علاقات طيبة مع روسيا، وهذا سيساعده على إستعادة علاقات بلاده مع الجانب الأمريكي من خلال إدارة دونالد ترامب كما كانت في سباق عهدها ، وذلك على حساب الإخوان المسلمين الذين يبدو بأنهم سيكونوا الخاسر الأساسي في هذه الحالة نتيجة فوز ترامب الذي لا يكن وداً على ما يبدو لأي حركات إسلامية.

بالنسبة للفلسطينين ، في تقديري أن فوز دونالد ترامب كما لو كان فوز هيلاري كلينتون، فإن النتجية ستكون واحدة وغير مختلفة ، وهي رسم نهاية المرحلة الحالية وذلك مع بداية عام 2017 ودعم فكرة صعود أخرين لتسلم القيادة الفلسطينية بدلاً من القيادة الحالية ، وهذا سيعتمد على مدى دفئ العلاقة ما بين روسيا والإدارة الأمريكية الجديدة من جهة ومن جهة أخرى بين هذه الإدارة الجديدة وبين الجانب العربي خاصة المصريين الذين على ما يبدو بأنهم وحلفائهم سيمثلون المحور العربي الرئيسي في المرحلة القادمة وذلك على حساب بعض دول الخليج التي يبدو بأنها لن تتمتع بالدلال عند هذه الإدراة كما تمتعت به طوال السنوات الماضية عند الإدارات الأمريكية السابقة، ، كما أن حركة حماس الفلسطينية ستجد نفسها في عزلة تامة إن لم تتعاطى بإيجابية وحنكة مع متطلبات الواقع الدولي الجديد!.

أخيراً ، الحقيقة الثابتة هي أنه دونالد ترامب قد فاز وأصبح الرئيس رقم 45 للولايات المتحدة الأمريكية بالفعل ، في عملية ديموقراطية لإنتخابات شرسة للغاية لا بل صنفت بأنها الأشرس في التاريخ الأمريكي، وهو من لديه رؤية تخدم مصالح بلاده التي ينوى إتباعها أثناء حكمه والتي لربما تصطدم بواقع السياسة الدولية المعقد الذي تحكمه المصالح المتبادلة بين الدول، والتي على ما يبدو بأنه يدركه محاذيرها ولكنه سيتبع فلسفة جديدة مبنية على المصالح المتبادلة وتقديم الخدمات مقابل دفع قيمتها حيث أنه يرى بأنه لم يعد هناك مجال لتقديم خدمات مجانية!.

دونالد ترامب كأمريكي يفكر بمصالح بلاده وهذا حقه ، والأخرين عليهم التفكير بمصالح بلادهم بدلاً من النواح والصراخ ، وذلك من أجل تحديد العلاقة مع دونالد ترامب على أساس تبادل المصالح التي يريدها هو بأن تعيد بناء أمريكا وتخدم شعبه وتنفذ أحلامها الكبيرة وهذا من حقه ايضاً ، ومن لا يريد أن يرى هذه الحقيقة عليه أن يتعلم منه كيف يفكر بطريقة سوية من أجل مصالح بلاده وبناءها !.

في النهاية ، لقد فاز ترامب وإرتبك العالم الذي لم ينتظر تحديد معالم سياساته الخارجية نتيجة ما تسببت به تصريحاته المثيرة اثناء حملته الإنتخابية، حيث أن المرحلة الجديدة لم تبدأ بعد، والتي لربما أنها تحمل الخير كله لعالم أصبح مهدد يعاني من مشاكل إقتصادية وأمنية تحتاج إلى رجل صارم للتعاطي مع متطلباتها ووضع حلول خلاقة لها خاصة عندما يدرك حجم المسؤولية الهائلة الملقاة على عاتقه إتجاه العالم بأكمله ، كمفاجأة خارج التوقعات كما كان فوزه خارج التوقعات!.