الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

نبض الحياة...عرفات الأكثر حضورا

نشر بتاريخ: 11/11/2016 ( آخر تحديث: 11/11/2016 الساعة: 15:16 )

الكاتب: عمر حلمي الغول

وثب مع نطفة الفكرة يشق طريق النفق الطويل. سار خلف اليقين باحثا عن الضوء والملحمة. لم ينم على وسائد المذبحة والبكاء على وحشة المرحلة. رفض إستضرار عطف من باعوا المرج والكرمل والسور العتيق وقلعة الضاهر وبشارة المسيح. كطائر الفينيق خرج من رماد النكبة. وهمس بين الافئدة، باعثا بريق الجلجلة . واطلق الصرخة الاولى مع طلعة الفجر الواعدة.

كانت الجراح ندية والأمهات الثكلى تئن من وجع النكبة. وإنكشاف الليل والنهار على العرايا وفتات خبز الشيوخ والأمراء الرزايا. حمل مشعل الرواية، وخط بالقلم اول وآخر الوصايا .. لا نوم ولا فرح إلآ باستكمال فصول الحكاية، وعودة الأحفاد إلى البيت العتيق من الإصبع حتى سعسع وإلى آخر الجنوب والصحراء.

إثنا عشر عاما مضت وكوفيته مع العلم ترفرف فوق جبين الوطن عالية. كل يوم تستحضره زوايا الغرف الكبيرة والصغيرة، وندماء وخصوم الأمس، والطفل الرضيع والشيخ وعجوز الدار، كل يتلو روايته. وكل يقرأ حكايته مع الرحيل القريب البعيد. يستنطقون فرادته وبسطاته وفروسيته وكرمه. كل يعرفه، ويعيش معه هواجسه. لا يهدأ ولا ينام حاضر في الهمسات والغمزات والحوارات وعلى الشاشات والأثير وفوق صفحات المواقع والجرائد والكتب وإستخلاص الدروس والعبر.

عرفات سيد الحكاية، وأول الرصاص وأول السلام ورسول الشهداء. تكالبوا عليه ذئاب الدار مع شارون والعم سام. قتلوه، لكنهم باؤوا بالفشل الذريع، وخاب ما ظنوا الوصول إليه، فمازال هو عنوان ورمز الحكاية. لا بل هو الشاهد كل يوم على الرسالة. يخشون التطاول على ثوابت نسجها وحاكها فوق أسوار القدس ومآذن المساجد وأجراس الكنائس وعلى جدران كل بيت ودار في الوطن المثخن بالإستعمار.

قالوا عنه ما قالوا، وكتبوا فيه وعنه البلايا، شيطنوه وكفروه ونبذوه وحتى خونوه، غير انه كان الأكثر أمانة، والأحرص على الرواية واٌلأقدر على حمل الراية، والدفاع عن ألأحلام والغاية، والاشجع في القبض على الجرح، والأكرم في العفو عن الأخ والرفيق وسد حاجة القريب والبعيد، والأكثر براعة في إلتقاط الخبايا من العدو والصديق.

ابو عمار مات الموت ولم يمت. نعم لم يمت وإن إغتالوه، وسجي رفات جسده في ضريحه المؤقت، لانه الأبقى والأكثر حضورا والأقوى سطوعا ووهجا. هو المنادي فينا كل يوم إلى النفير والدفاع عن الذات، وصيانة البيت والقرار، والحذر من العدو الغدار والعم سام، الذي لا يؤمن بالسلام، ورفض الفتنة من شيوخ الطريقة والجماعة، ووصد الباب في وجه إنقلاب العار، وإستعادة غزة كيفما كان، والكف عن إسترضاء أمراء الزندقة وحماة الإخوان حيثما كان، والإنتباه لمآرب الاخوة الاعدقاء، والتمييز بين الغث والسمين من الشعارات والغايات ورسائل مشاريع الأوصياء الجدد والقدماء، وصون عهد الاخوة والعروبة مع الانقياء والمخلصين من الأشقاء، وتوسيع دائرة الاصدقاء.