الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

موسم المجازر في الضفة لم ينته، وأيضا ضحاياه

نشر بتاريخ: 16/11/2016 ( آخر تحديث: 16/11/2016 الساعة: 10:13 )

موسم المجازر في الضفة لم ينته، وأيضا ضحاياه
جدعون ليفي و اليكس ليبك
هآرتس 2016/11/11 ترجمة: أمين خير الدين
هاجمت، يوم السبت، مجموعة مُقنّعة من المستوطنين، بالهراوات والسكاكين خمسة فلاحين يقطفون أشجار زيتونهم، واحد. فقط استطاع الهرب، لكنّه جرح من الصخور خلال هروبه. حتى الآن لم يُعْتَقل أحد.
كانت مذبحة مُدبّرَة، والناجون هم خمسة فلاحين فلسطينيين، لطفاء جدا، يتكلمون لغة عبريّة ركيكة، يعملون بالبناء في إسرائيل بتصاريح – وفي نهاية الأسبوع يعملون فيما تبقّى لهم من أرضهم. بعد مصادرتها لصالح المستوطنات التي تخنق قراهم، مقتنعون بأنهم نجوا بحياتهم، يوم السبت الأخيرة، بأعجوبة، مذبحة. ليست هناك كلمة أكثر دقَّة في وصف ما مرّ عليهم، "سنذبحكم" هكذا كان يصرخ المعتدون الذين تفنّنوا بضربهم، ضربوهم على رؤوسهم، وعلى كلّ أعضائهم، بالعصيّ، والأنابيب المعدنية والسكاكين اليابانيّة، وهم يقطفون الزيتون، بلا ذنب اقترفوه، سوى أنهم فلسطينيون تجرؤوا على العمل في أرضهم.
لم تكن المذبحة الأولى، ولن تكون الأخيرة، لكنها كانت عنيفة، في آخر موسم قطف الزيتون، أو موسم المذابح في الضفة الغربيّة، لم يستنكر أحد في إسرائيل هذه المجزرة، ولم يتأثّر أحد، الآن يتواجد الناجون في قريتهم، واحد مع عشرين دَرْزَة برأسه، وآخر مع يد وكتف مكسورَيْن، والثالث يعْرج من رجله، والرابع فقد أسنانه الأماميّة، وفقط الخامس استطاع أن ينجو بنفسه، لكنه أصيب برجله من الصخور وهو يهرب، إنّه يمدّها الآن، كلهم في ذهول من الهجوم الحقير عليهم.

ظلّ حبُّ الزيتون مبعثرا على الأرض، بعد أن نُقِل الجرحى بواسطة سكان قريتهم الذين سارعوا لنجدتهم. الآن يخافون من العودة إلى الأرض، في نهاية هذا الأسبوع وعدوا أنهم سيرسلون شباب القرية لجمع المحصول الذي قطفوه، ولإكمال القطف، هم لا يستطيعون قطف حبّة واحدة، أجسامهم مهدودة.
كان المهاجمون 10 – 15 مستوطنا من الشباب، كلّهم مُقنَّعون يظهرون في شريط الفيديو الذي صوّره المواطن أحمد ال-مزليم، يظهرون وهم يتحركون على مهلهم، على ما يبدو في نهاية هجومهم، يتحركون باتجاه الأكواخ المنتشرة حولهم، تلمون الشمال، تحت مستوطنة نيريا، كان ذلك عُرْس سبتهم، سبت الملكة -- النزول إلى السهل. للاعتداء على الفلاحين، الضعفاء الأبرياء.وربّما لقتلهم، آخر الأسبوع ، هادئ. في طريقهم نحو الأكواخ المنتشرة حولهم بعض العُرْش المُقامة على سفح الجبل المبنيّة نيريا على قمّته، يتسلّقون ببطء، لا شيء يستعجلهم، يتكئ الواحد بيده على كتف رفيقه، فلن يقبض عليه أحد.
أخيرا يجلسون في شرفة حد الأكواخ، يُخْرِجون وعاء فيه مشروب، لم أر في حياتي مجرمين يغادرون مكان جريمتهم بمثل هذا الهدوء. ربما كانوا مُنْهَكين من عملهم اليومي – الاعتداء على العرب – مُنْهكون من السرور، يوتم برغر مراسل "هآرتس" كان أوّل مَنْ نشر الشريط، زار الأكواخ في اليوم التالي، ووجد أنهم يسكنون بها، مع أنها كانت فارغة حين زارها، حتّى الآن لم يُعْتَقل أحد، وبناءا على تجارب سابقة لن يُعْتَقل أحد، الشرطة تُحقِّق.

جانيه. قرية صغيرة تقع وسط الضفّة الغربيّة، في منطقة رام الله، حوالي 1400 نسمه، عاشوا في الماضي من أرضهم، حتّى نُهِب مُعْظمها لصالح المستوطنات المحيطة بها، لا توجد منطقة يكثر فيها المستوطنون كهذه المنطقة. وليس هناك قرية نُهِبت معظم أراضيها كقرية جانيه، من بين 50 – 60 ألف دونم بقي لها 7000 دونم فقط. والقرية مخنوقة، نطلّ من نقطة في آخر القرية على ساحة المذبحة وعلى المستوطنات، يقول إياد حدّاد محقق منظمة بتسيلم، وهو مرشد: أسفل المكان الذي نقف فيه تبتلع بيوت تلمون أ باقي أراضي جانيه، وعن اليمين تقع دوليب التي من أجلها قُطِعت الطريق الرئيسيّة إلى رام الله، على التّلة المقابلة تقع تلمون ب، وعلى التلة التي بجانبها تلمون ج، وفي الأفق تلمون د، وعلى قمّة الجبل البعيدة مُعسْكر لجيش الدفاع الإسرائيلي. وعلى كلّ رابية يكمن خطر يُهدّد القرية الهادئة.

نيريا تطلّ على كرم الزيتون التابع لعائلة أبو فُخَيْده، وعلى المدرجات المبنيّة فيه تنتشر أكواخ بدائيّة لشباب الروابي في المنطقة، تحت كل التلمونيم، تبعد عن بعضها عشرات الأمتار، الهدوء يخيّم على السهل، بعض كروم الزيتون التابعة لقرية جانيه تقع داخل مناطق المستوطنات، ويتم قطف هذه الكروم بتنسيق مع ج.د.ا. وتحت حراسته، أشجار الزيتون داخل تلمون أ مثلا قُطِفَت الأسبوع الماضي، وكان قسم من هذه الكروم لا يحتاج إلى تنسيق، لأنها لا تقع داخل المستوطنة.

كان آخر موسم قطف الزيتون، في وادي نتاشات، صباح يوم السبت، يوم جميل، خمسة من أبناء عائلة أبو فخيذه سيّال، حسن، صابر، سعد ومحمد، أُخوة وأبناء عمومة، نزلوا إلى كرم الزيتون التابع للعائلة والمغروس بحوالي 70 شجرة زيتون، كانت الساعة الثامنة والنصف صباحا تقريبا، لم يكن في الجوار فلاحون آخرون، نزلوا إلى الأرض مع أكياس لفرشها على الأرض( يسارع أحدهم ليقول - بلا سكاكين) لتسقط عليها حبّات الزيتون، معهم زجاجات كولا، وطماطم، وخبز وباسطرما، هذه السنة موسم الزيتون قليل، قطفوا حتى الظُهْر، تناولوا طعامهم وعادوا بعد ذلك للسلالم، فكروا أنهم حتى ساعات المساء سينهون عملية القطف، فجأة هجم المُعْتدون، لم يشاهدوهم لأن رؤوسهم كان بين الأغصان. فقط سيّال إبن ال- 57 سنه، كبير الأخوة، استطاع الهرب، لأنه الوحيد الذي لم يكن على سلّم، لكنّه أصيب من الصخور خلال هروبه.

شباب أقوياء
حسب أقوال سيّال وحسن كان المعتدون 10 وربما 15، بدوا شبابا أقوياء، أحد الأربعة الذي هاجم حسن كان يضع نظارة على عينيه، شاهد عينيه وهو يضربه أكثر من كل المهاجمين، يقول أيضا جميعهم حملوا أنابيب معدنيّة، وعصيا، وهراوات، وسكاكين ياباني، وكان يقف واحد من بعيد على قمّة الجبل بالقرب من نيريا يحمل بندقيّة ويراقبهم، كانوا يصرخون "اقتلوا العرب، اقتلوا العرب"، "سنقتلكم يا شراميط"، "كانوا عدوانيين وعنيفين، لم أر بحياتي هجوما كهذا، جاؤوا ليقتلوا" يقول سيّال أسرع أبناء العائلة بالنزول عن السلالم، ليتلقوا الضرب، وقد امسك المعتدون بصابر، وبعده بحسن، أربعة أو خمسة هاجموا كل واحد، أولا صابر فقد وعيه، ويقول حسن إنه أيضا أُغْمي عليه، حاول المعتدون ضربهم على رؤوسهم، حاول حسن الذود عن رأسه بيديه، يده مُضَمّدة، ومُدْرَزَة ومعلّقة برقبته، وقد كُسِر أربعة من أسنانه ، وجُرِحَت شفته، ويتدبر أمره بصعوبة ، ونُطْقه ضعيف.

استمرّ الاعتداء بالضرب 5 – 10 دقائق، استطاع محمد، ابن عمّهم، بطريقة ما أن يهرب، بعد أن جُرِح جروحا طفيفة، وهو الذي استدعى أهل القرية للمساعدة، هرب المعتدون، وأُخِذ حسن وسعد ومحمد وصابر بسيارة إسعاف وبسيارات خاصّة إلى المستشفى الحكومي في رام الله، يقول حسن إنه استرد وعيه في بيت أخيه في القرية، حيث حمله أصدقاؤه بأيديهم إلى هناك، ومن هناك إلى المستشفى، عنده خمس دَرْزات بيده اليُمنى، وكسرت بعض أضلاعه، ويشعر بألم في كتفه وعندما يقف يشعر بوجع في رأسه ودوار، كان متأكّدا أنه سيموت، يعمل، عامل بناء في ريشون لصيون. (بتصريح مُنظّم).

يوم زرنا القرية، كان حسن وسيّال هناك، بينما سافر الآخرون إلى القيادة في بنيامين، ليدلوا بشهاداتهم في مركز الشرطة، كان بيتهم يعجّ بالزوار المهنئين على نجاتهم، قال ساهر، ابن عمهم إن الموضوع موضوع مجانين، " يكرهون العرب، ويكرهون رائحة العرب، عندما يرون عربيا يتمنون لو يدوسونه تحت أقدامهم، يريدون قتلنا، لا يريدون عربيا هنا، يفعلون ما يطيب لهم".
جلسنا في ظلّ البوغنفيلية* في باحة بيت العائلة، ابتسامة باهتة تلوح على شفتي حسن المجروحتين، عندما سألته ماذا يمكنه أن يقول عمّا جرى، أجاب "لا أعرف بماذا أقول" وأضاف " إنهم يأتون كل سنة".
2016/11/11

*البوغنفيلية نبات أمريكي معترش وهو للزينة - المترجم