نشر بتاريخ: 16/11/2016 ( آخر تحديث: 16/11/2016 الساعة: 14:58 )
الكاتب: د. حسن عبد الله
في احتفال أقيم بحضور وزير التربية والتعليم العالي د.صبري صيدم، أُعلن رسمياً عن تسمية مدرسة بنات رافات باسم "مشهور حديثة الجازي" الذي ولد في العام 1928 وتوفى في العام 2001، وهو قائد عسكري أردني وصل إلى رتبة فريق ركن وتولى منصب قائد القوات الأردنية، وتعود أصوله إلى عشيرة الحويطات، وقد لعب دوراً مهماً في معركة الكرامة في 21-3-1968، وكان في ذلك الوقت برتبة عقيد.
"الجازي" قاد بشجاعة وحدات من الجيش الأردني، وقدم اسناداً حقيقياً للفدائيين الفلسطينين في معركة الكرامة، موجهاً نيران مدفعية وحداته بكثافة مستهدفاً قوات الاحتلال التي تغلغلت في الأراضي الأردنية، ليسجل التلاحم الفلسطيني – الأردني الميداني على الأرض صموداً لافتاً بعد ثمانية شهور من هزيمة حزيران 1967، فامتزجت دماء الفدائيين الفلسطينيين بدماء جنود وضباط الجيش الأردني في وحدة دم، أفضت إلى تحقيق أول نصر بعد الهزيمة.
تسمية المدرسة باسم هذا القائد ليست شكلية من حيث الأهمية والدلالة في هذه المرحلة، التي يتم فيها صب الزيت على نار الخلافات العربية – العربية، ضمن مخطط مُعادٍ، يهدف إلى تفكيك الدولة القُطرية وتقسيمها إلى دويلات متقاتلة متناحرة على أساس مذهبي طائفي، حيث تسود همجية الذبح وقطع الرؤوس والأوصال وامتهان إنسانية المواطن العربي.
اننا بحاجة ماسة اليوم وأكثر من أي وقت مضى في فلسطين والأقطار العربية الأخرى، للتركيز على الإيجابي المشترك في تاريخنا، باستدعائه وتوثيقه وتعميمه، لتفهم وتعي الأجيال الشابة، أن هناك بقع ضوء اخترقت السواد في تاريخنا، بدل الوقوع في أسر السوداوي والمحبط والمدمر.
كانت معركة الكرامة اسماً على مسمى، من حيث المعاني والدروس والعبر والنتائج، وكانت نتاج تلاحم شعبين وفصائل مقاومة ووحدات جيش عربي، ولولا ذلك لما تسنى تحقيق ما حققته على المستويين الميداني والمعنوي، وكانت بالنسبة إلى الفلسطينيين لا سيما حركة فتح، فاتحة استقطاب جماهيري غير مسبوق، فقد التحق بها عشرات آلاف المنتسبين والأنصار في ساحات تواجد الشعب الفلسطيني كافة.
لهذا، فإن تسمى مدرسة فلسطينية باسم القائد العسكري الأردني " مشهور حديثة الجازي"، يعني تجاوز الأقليمية والانشداد للذات وانفتاحاً على الآخر العربي، الذي ينبغي ان نتكامل معه في كل الظروف وعلى وجه الخصوص في مرحلة استهداف العرب كل العرب، بصرف النظر عن الموقع أو المسمى أو الدور.
ولعل هذه المناسبة تشكل دفعاً معنوياً لقرية فلسطينية صوردت معظم أراضيها بعد العام 67، ولم يبق لها سوى منفذ واحد يربطها بمدينة رام الله، علماً أن اهتمام المستوى الرسمي ومن خلال وزارة التربية والتعليم العالي، يعطي بعداً تحفيزياً تاريخياً مشرفاً للقرية المحاصرة المسلوبة الأراضي الزراعية التي أقيم عليها "معتقل عوفر"، وهذا بالطبع مختلف تماماً عن مخطط ما يسمى بالشارع الدائري الذي إذا ما تم تنفيذه، فإنه سيجهّز على ما تبقى من أراضيها، ويقطعها إلى أجزاء متناثرة، لتذهب القرية ضحية لمصادرة 60% من أراضيها الخصبة التي كانت سلة غذاء رام الله والبيرة من الخضار، وتدمير ما تبقى بالشارع الدائري، الذي أعدت مخططاته من قِبل جهات بلدية في انتظار التطبيق، مع أن لهذا الشارع المخطط بدائل، لو تم الأخذ بها، فإن ذلك سيجنب القرية المنكوبة مزيداً من الأضرار والخسائر.
وعودٌ إلى دلالات التسمية، عندما نجول في العاصمة الأردنية عمان، نجد انتشاراً لافتاً لمسميات القدس التي أطُلقت على محال وشوارع وميادين وأبنية، كما هو الحال في الجزائر وتونس والمغرب ومصر وسوريا ودول عربية أخرى، في حين نجد مدارس وشوارع ومساجد ومجمعات طبية في فلسطين تحمل أسماء جمال عبدالناصر وهواري بومدين والشيخ زايد، إضافة إلى أسماء مدن عربية أصبحت معالم فلسطينية تعرف بها كالقاهرة ودمشق وعمان وتونس.
ومن هنا نستطيع القول إن تسمية مدرسة بنات رافات، باسم قائد عسكري أردني هي حلقة أخرى في سلسلة تشبث الفلسطينيين بعمقهم العربي، فالتسميات ذات الدلالات تعكس خياراً، ولا خيار للفلسطينيين بمعزل عن العرب، ففلسطين هي جزء لا يتجزأ من الوطن العربي، الذي يجهل كثير من ساسته ومثقفيه وأكاديميه، أن سقوط أية دولة عربية وتفككها هو بداية السقوط للدول العربية إذا لم يتم استخلاص الدروس وتصويب المسار.
والحقيقة أنه بالرغم من التسميات وعلى أهميتها، يفترض الا نكتفي بها فقط، وإنما المطلوب أيضاً خطوات عملية أخرى، وأولها الوقوف صفاً قوياً واحداً ضد مخطط تفكيك الدولة القطرية العربية، بعد الذي جرى في العراق وليبيا، وبعد ما يجري الآن في سوريا واليمن، والرد على هذا المخطط بتكامل عربي على المستوى التعليمي بإنشاء جيل متنور عروبي منفتح واعطاء الأولوية في أسواقنا من المحيط إلى الخليج للمنتوج العربي، لدعم اقتصادياتنا، بينما يجدر بالمثقفين والأكاديمين العرب التحرك من على الرصيف والدخول إلى ساحة الفعل، لنشر ثقافة التسامح والتكامل والاعتراف بالآخر العربي كبديل مناهض لثقافة الشطب والاستئصال والتكفير وذبح الناس، في إطار التأسيس لثقافة التنمية البشرية التي تشمل الإنسان كحلقة رئيسة، كون الاستثمار في الإنسان، هو المدخل المناسب للتنمية الاقتصادية المستدامة.