الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

تدريس مساق "صحافة البيانات" في الجامعات الفلسطينية

نشر بتاريخ: 18/11/2016 ( آخر تحديث: 18/11/2016 الساعة: 21:48 )

الكاتب: د. بسام عويضة

يعكف حاليا مركز التعليم المستمر التابع لجامعة بيرزيت على إعداد وتدريس مساق حول صحافة البيانات.
عدد كبير من الجامعات العريقة مثل جامعة "ميزوري" الأمريكية تدرس إمكانية تدريس هذا المساق العام المقبل، في حين ان هذا العلم ما يزال مغيبا في دوائر وأقسام الإعلام في الجامعات الفلسطينية.
وينظر معهد الصحافة في جامعة ميزوري (تأسس عام 1799 ) التي تقع في مدينة "كولومبيا" على بعد 400 ميل من مدينة "شيكاغو" في ولاية "ألينوي" إلى مستقبل مشرق لصحافة البيانات.
ويوجد في معهد الصحافة صحيفة يومية عريقة عمرها 108 سنوات ويحررها طلبة الإعلام وتوزع في ولاية ألينوي.
رئيسة كلية الاتصال البروفيسورة Elizabeth Behmmorawitz قالت "سوف نقوم ابتداء من العام المقبل بتدريس صحافة البيانات لأن لهذه الصحافة الأستقصائية مستقبل مشرق."
وأضافت "الفرق بين الصحافة التقليدية وصحافة البيانات أن الأولى عبارة عن كتلة نصية لا يفهم منها القارئ سوى النزر اليسير مقارنة بخبر فيه جداول بيانية ورسوم توضيحية وعرض بالوسائط."
هناك تنافس كبير بين مدينتي "شيكاغو" و"ميزوري" في العلوم، فمدينة شيكاغو تمتاز بجامعاتها العريقة مثل " نورث ويسترن " الذي كان الدكتور الراحل أبن مدينة يافا الفلسطينية إبراهيم أبو لغد رئيسا لقسم العلوم السياسية فيها والذي انتقل فيما بعد إلى جامعة بيرزيت، ومن الجامعات العريقة الأخرى في المدينة جامعة "شيكاغو" الذي درس فيها الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما والذي حصل من هذه الجامعة قرابة اربعين بروفيسورا على جائزة "نوبل" العريقة.
نعود إلى موضوعنا:
أول من أطلق مدونة بيانات كانت صحيفة " الغارديان " البريطانية عام 2009، في حين استخدمه موقع "ويكيلكس " عن طريق نشر 92201 جدولا من البيانات عن حرب افغانستان.
صحافة البيانات هي عبارة عن مجموعة من الأدوات لتأطير معلومات نستطيع من خلالها استكشاف القضايا التي تدور من حولنا وتنقيب الوثائق لتحويلها إلى تمثيل بصري ورسوم توضيحية مثل الاعمدة البيانية والخرائط التفاعلية والمخططات الدائرية ورسوم العلاقات الخطية.
هناك فروق كثيرة بين الصحافة التقليدية وصحافة البيانات أهمها الحصول على المعلومات والبيانات خلال وقت قصير جداً. يستطيع القارئ أن يطلع على البيانات خلال ثوان ويعرف ماذا يدور في المجتمع.
لصحافة البيانات أهمية خاصة أيضاً حيث يستطيع المواطن إتخاذ القرارات الصحيحة في حياته، فعن طريق البيانات يتكون لدى المواطن أداة تساعده على اتخاذ القرار عند شراء سيارة أو منزل أو الانتقال إلى عمل آخر أو عدم الغرق في الاقراض من المصارف.
تؤدي صحافة البيانات دورا إنسانيا في خدمة الناس والتركيز على مشاكلهم وقضاياهم ومعالجتها وربما سن تشريعات قانونية لمعالجة بعض الظواهر المجتمعية، كالحصول على ُمؤشرات على انتشار مرض الثلاسيما في المجتمع نتيجة انتشار زواج الاقارب فيقوم المشرع باصدار قانون لاجراء فحص الدم قبل القيام بعقد القران وهذا يعود بالفائدة على المجتمع، هذا يعني أن صحافة البيانات لها ُبعد ايجابي وإنساني على حياة الناس.

كما تركز صحافة البيانات على الجوانب اﻹنسانية وأنسنة الوقائع والأحداث وتعطينا احصائيات وبيانات مثلا عن عدد الناس الذين يعيشون في قطاع غزة في المدارس بسبب هدم بيوتهم اثناء العدوان الإسرائيلي الأخير، هذا الأمر ينبه المسؤولين الفلسطينيين إلى ضرورة جلب مساعدات مادية لبناء مساكن جديدة في القطاع لوقف معاناة الناس وتقديم خدمات إنسانية لهم وربما سن تشريعات قانونية لتعويضهم ماديا.
كما توفر البيانات عن المتصفحين معلومات مهمة عن رغبات الناس واحتياجاتهم وحركة السوق وهذا يمكن ان تبيعها شركات الدعاية والعلاقات العامة لشركات تجارية ما يخلق اعمال وآفاق اقتصادية جديدة.
يعرف الصحافي أرون بيلهوفر من صحيفة " نيويورك تايمز " الأمريكية " صحافة البيانات بانها "مصطلح شامل يضم مجموعة متزايدة من الأدوات والتقنيات، ونهج يتبع في طرح القصة، ويمكن أن يشمل كل شيء، بدءاً من إعداد التقارير بالطريقة التقليدية وباستخدام البيانات كـ"مصدر" لتلك التقارير، مرورا بالرسوم البيانية مثل الانفوجرافيك الأكثر تطورا، وانتهاء بتطبيقات الأخبار."
كان الخبر في الماضي يطبع بطريقة تقليدية حيث يطلع المواطن في اليوم التالي على الخبر من الصحيفة، اما اليوم فان اﻷخبار تتدفق بشكل جنوني عبر الوكالات والفضائيات والمدونات والفيسبوك، وقد لعبت الاتصالات الحديثة دورا في انتشار البيانات عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي.
وينظر إلى صحافة البيانات بانها صحافة المستقبل، فقد اضحت المصادر الإخبارية مرقمة، حيث يقوم كل صحفي بالعثور على قصته وتحليلها وتصويرها من خلال البيانات والتمثيل البصري.
في السياق الفلسطيني، يمكن الاستفادة من صحافة البيانات مثل:
الحصول على معلومات من جهاز الأحصاء المركزي الفلسطيني تبين نسبة البطالة بين الطلبة الخريجين من الجامعات الفلسطينية ومعدل البطالة بين الطالبات الخريجات مقارنة بالطلاب، البطالة من حيث التقسيم الجغرافي ( مخيم ،ريف، مدينة).
مثال آخر، جداول حول مؤشرات الفقر في الأراضي الفلسطينية وخاصة في المخيمات، القرى، المدن،المناطق المصنفة ج، مناطق الأغوار، الفقر بين النساء، قطاع غزة مقارنة بالضفة الغربية، القدس مقارنة بالضفة الغربية.
ومن الامثلة الأخرى: مؤشر الاستيراد والتصدير،المحاصيل الزراعية، المحاصيل التي تراجعت خلال السنوات الخمس الماضية والمحاصيل التي يمكن استيرادها، حركة أسعار السلع، البضائع الإسرائيلية، المنتوجات الفلسطينية التي يمكن تصديرها، نسبة الأرباح في السوق الفلسطيني وتدقيقها، منشورات لجمعية حماية المستهلك، لغرفة التجارة والصناعة، لوزارة العمل، لوزارة الصناعة، لمركز الاحصاء المركزي، الإطلاع على الاتفاقيات الدولية، حجم القطاع الصناعي، حجم التجارة في الأغوار.
كما يمكن أن نتعرف على مؤشرات حول المرأة الفلسطينية،خاصة على المستوى التعليمي، معدل الانجاب، العمل، الفقر،التوريث، القتل على خلفية ما يُسمى الشرف، البطالة، تمثيل المرأة في المؤسسات الحكومية ومشاركة المرأة في القطاع الخاص.
مثال آخر: الهجرة من فلسطين، أسبابها، اعداد المهاجرين واعمارهم، نسبة المهاجرين من الضفة الغربية ( الجنوب ، الوسط، الشمال ) وقطاع غزة والقدس وفلسطين التاريخية عام 48، نسبة هجرة الرجال مقارنة بالنساء، الدول التي يهاجرون إليها، طريقة الهجرة: مباشرة أو غير مباشرة.
أواحصائيات من الشرطة عن ارتفاع نسبة المشاجرات العائلية وحوادث السير في فلسطين خلال شهر رمضان ( ترتفع حوالي 40 %)، أسباب المشاجرات، المدن التي تنتشر فيها المشاجرات، اعداد القتلى والجرحى، مقارنة مع السنوات السابقة، الادوات التي تستخدم في الشجارات، الخسائر، مقارنة مع دول مجاورة وإقليمية.
أخلاقيات صحافة البيانات تعني حق الجمهور في الحصول على بيانات صادقة وحقيقية وليست ذات دلالة سياسية وضرورة نشر الحقيقة كاملة دون نقصان سواء كان ذلك ارقام أو جداول بيانية أو معلومات أو صور أو حوادث وعدم الخضوع لجماعات ضغط ومصالح خاصة وكذلك عدم الاعتداء على حياة الناس فلا يجوز اختراق أو التلصص على خصوصياتهم وحرماتهم بحجة الكشف عن الحقيقة أو ممارسة التحريض والدعوة إلى الكراهية واستخدام صور ومصطلحات عنصرية على اساس الجنس أو العرق أو الدين أواللون.
أهم المبادئ الأساسية في أخلاقيات صحافة البيانات عدم انتحال شخصية أخرى، كأن ينتحل الصحافي صفة محقق أو رجل أمن وعدم إخفاء أو حجب بيانات والابتعاد عن البيانات الكاذبة والقصص المختلقة وعدم الخلط بينها وبين الرأي واحترام الكرامة الإنسانية أو القيام باخفاء جهاز التسجيل أو الدخول خلسة إلى مؤسسة ما كالمشفى، فالغاية لا تبرر الوسيلة.
ينبغي التعامل مع البيانات بمهنية ( بدون إيدولوجية )، فالتعامل مع الارقام يتطلب قدرا كبيرا من الأخلاق والضمير والتعامل مع المعلومات والبيانات بمهنية واحتراف وعدم إدلجة المعلومات أو الأرقام وعدم نشرها مقابل تلقي هدايا أو تبرعات ورحلات سياحية أو معاملات خاصة وامتيازات أو تعيين في منصب أو الحصول على عقد خاص أو مكافأة مالية أو تحت الضغط أو الإكراه والتهديد أوالتشهير أو تشويه السمعة أو كشف اسرار أو ابتزاز إسناد البيانات لمصدرها وذكر مصادر البيانات ودقتها وعدم إثارة النعرات العنصرية أو الطائفية أو الكراهية أو التشهير أوالإثارة أوالتمييز أواحتقار الأديان والمعتقدات والافكار أو تمجيد الجرائم المباشرة والإلكترونية أو تمجيد الدعارة أو التضخيم أو التهويل وعدم استغلال النساء أو استخدام جسد المرأة للإثارة الجنسية وكذلك حماية اﻷطفال من الاستغلال والفصل بين صحافة البيانات والعلاقات العامة أو الإعلانات.
وكذلك عدم نشر بيانات ما زالت تنتظر حكما امام القضاء وعدم التشويش عليه أو استغلال بيانات لتهديد مؤسسات أو شركات أو سياسيين أو جمهور أو نشر بيانات تتعلق بالانتخابات لصالج جهة سياسية دون غيرها وعدم اقتباس بيانات من الأرشيف أو من مصادر أخرى دون الاشارة إليها وعدم بيعها أو أي رسوم توضيحية ﻷكثر من وسيلة إعلامية.
يدور نقاش كبير عندما يطرح موضوع الخصوصية في صحافة البيانات.
ففي ولاية فلوريدا الأمريكية يتم نشر جميع البيانات والمعلومات التي تخص المواطن على شبكة الانترنت بما في ذلك الضرائب التي يدفعها وصورة عن منزله وسيارته كما يتم نشر صور اللصوص في الولاية ومدد عقوبتهم والافعال التي اقترفوها وقد شاهدت ذلك بنفسي عندما زرت أحد مراكز البحث العلمي في الولاية شتاء عام 2014 .
من هو المسؤول الذي يمكن التطرق إلى بيانات حول حياته وشركاته ومؤسساته وحتى لباس عقيلته، بمعنى هل يحق لنا الكتابة عن ثياب زوجة رئيس الدولة اذا اخذت فستانا من شركة عرض أزياء كهدية ؟ هل يحق لها
ذلك ؟ وهل تعتبر هذه الهدية خاصة لا يحق لاحد التطرق لها ؟
ماذا ينبغي أن تكون الصفة الوظيفية للمسؤول حتى نستطيع الكتابة عنه/ عنها أو التطرق إلى بيانات حول عمله وشركاته ومؤسساته وتكاليف عطلته الرسمية والأماكن التي يرتادها أو يسافر إليها ؟
[email protected]