نشر بتاريخ: 20/11/2016 ( آخر تحديث: 20/11/2016 الساعة: 10:17 )
الكاتب: د.مصطفى البرغوثي
كنت أتمنى أن يكون يوم الاستقلال برمزيته، يوم مقاومة شعبية للاحتلال، بدل أن يكون يوم راحة واسترخاء، أن يكون مناسبة للتعبير عن إرادة الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال الحقيقي والكرامة، بكل الأشكال الكفاحية والثقافية والفنية والسياسية.
كان الثلاثاء الماضي يوم عطلة بمناسبة “عيد الاستقلال”، ولم تكد ساعتان تمضيان على منتصف ليلته، حتى كان جيش الاحتلال الإسرائيلي ومئات الجنود يقتحمون قلب مدينة رام الله ويداهمون مقر معهد الإعلام والسياسات الصحية والتنموية الذي كان لي شرف تأسيسه، ليعيثوا فيه فساداً وتدميراً فقاموا بتفجير الأبواب وتحطيم الزجاج وسرقة أجهزة الكمبيوتر وهدم الجدران وإفساد الأثاث والعبث بالوثائق والمحتويات.
في تلك الليلة اقتحم جيش الاحتلال 22 قرية ومدينة في الضفة الغربية، وأطلق الرصاص وقنابل الصوت والغاز على الشباب المتظاهرين الذين يتصدون لقوات الاحتلال مهما كانت ساعة الاقتحام متأخرة.
وفي رام الله تحول الشارع الرئيسي الممتد من محلات ركب، إلى مدخل البلدة القديمة والذي يقع معهد الإعلام في منتصفه، إلى ساحة مواجهة امتدت حتى ساعات الفجر عندما انسحب الجيش الإسرائيلي بعد أن دمر المكان وجرح عدداً من الشباب.
العبرة الأولى فيما جرى أن الهجوم على معهد يهتم بحقوق الإنسان الصحية والتعليمية ويفضح خروقات حقوق الإنسان هو جزء من هجمة إسرائيلية منظمة ضد كل مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني وضد دورها في دعم صمود الإنسان الفلسطيني على أرضه في وجه هجمة الاستيطان ومحاولات التهجير، وقبل المعهد كانت هناك حملة مسعورة ضد مؤسسة الحق والميزان وغيرهما.
والعبرة الثانية، أن الانتفاضة والمقاومة الشعبية حية في ثنايا القرى والمدن والمخيمات، ولا يمكن أن يمر جيش الاحتلال من أي شارع أو حي في أي قرية أو مدينة دون أن يتصدى له الشباب الفلسطينيون بصدورهم وبكل ما يملكون من عزم وعزيمة، حتى لو كان الاقتحام في الثانية أو الثالثة صباحاً.
والعبرة الثالثة، أن الاحتلال لا يحترم أي معاهدات أو اتفاقات ولا يقيم شأناً لوجود السلطة الفلسطينية، فهي وأجهزتها مثل كل الناس مازالت تحت الاحتلال. وإسرائيل مزّقت منذ زمن بعيد اتفاق أوسلو وملحقاته، ولا قيمة بالتالي لبنوده، ولا معنى لمواصلة التقيد بها من جانب واحد.
كنت أتمنى أن يكون يوم الاستقلال برمزيته، يوم مقاومة شعبية للاحتلال، بدل أن يكون يوم راحة واسترخاء، أن يكون مناسبة للتعبير عن إرادة الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال الحقيقي والكرامة، بكل الأشكال الكفاحية والثقافية والفنية والسياسية.
لقد ذكّرنا اجتياح معهد الإعلام والسياسات الصحية والتنموية، بما جرى في أبريل عام 2002 عندما اجتاحت الدبابات الإسرائيلية كل الضفة الغربية، بما فيها رام الله، واحتل جنودها المعهد لأكثر من ثلاثين يوماً ولم يغادروا إلا بعد أن دمروه بالكامل، كما فعلوا بالكثير من البنايات والمؤسسات وحتى العيادات.
ومع ذلك، نهض المعهد من الركام وأصبح أقوى وأشد تأثيراً، وسينهض اليوم من الدمار ليكون أكثر قوة وإبداعاً.
وعلى عكس كثير من الأوهام، فإننا ندرك أن ما فعله الاحتلال عام 2002 مازال مستمراً، إذ ألغى ذلك الاجتياح كل سلطة أمنية فلسطينية، واستنفر في نفس الوقت الحاجة إلى مقاومة الاحتلال مادام موجوداً.
ما يحتاجه الفلسطينيون اليوم، وخاصة بعد تقديم قانون تشريع 120 مستوطنة جديدة تضاف إلى 159 مستوطنة قائمة، هو التخلي عما تبقى من الأوهام بالمراهنة على مفاوضات سلام مع حكومة نتنياهو، وتبني استراتيجية وطنية بديلة وموحدة عمادها الوحدة ومواجهة الاحتلال وإجراءاته، وتعزيز صمود الفلسطينيين في وجهه.
ما نحتاجه هو إدراك أن الاستقلال ليس يوم عطلة بل مشروع كفاح من أجل الحرية والكرامة.