نشر بتاريخ: 20/11/2016 ( آخر تحديث: 20/11/2016 الساعة: 15:11 )
الكاتب: د. حسن عبد الله
منذ سنوات طوال يقبع العرب في زاوية نائية، برقبون المتغيرات السياسية والحزبية والرئاسية في الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل، وكأنهم يرهنون سياساتهم وتحركاتهم، بما يفعله الآخرون، في انتظار أن يأتيهم الأفضل لينصفهم أو على الأقل ليقوم بدور متوازن تجاه قضاياهم وكان الفلسطينيون انشغلوا بضعة عقود بالانتخابات الإسرائيلية، لعلها تأتي بيسار أو يسار وسط، وعندما كان حزب العمل يشكل ائتلافه مع أحزاب اليسار واليسار الوسط، يصطدمون المرة تلو الأخرى، بأن المواقف هي ذاتها والتوجهات الإسرائيلية المتعلقة بالفلسطينيين وقضيتهم بلا تغيير أو تبديل. واعتقد أنهم تعلموا في السنوات الأخيرة، وباتوا لا يعلقون آمالاً على هذه الانتخابات، فسياسات وتوجهات الليكود عندما يتربع على هرم الحكم، لا تختلف من حيث الجوهر عن حزب العمل سوى في اللغة ومرونتها والوعود والاستعدادات التي تظل مجرد كلام.
لكن الرعب الذي اجتاح المنطقة العربية مع استثناءات طفيفة من فوز "ترامب" نجده بالقراءة التحليلية غير مبرر له، لأنه حتى لو فازت كلينتون فإن السياسة الأمريكية تجاه العرب وقضاياهم سوف لن تتغيرّ، فهل أنصف أوباما بسنواته الثماني في الرئاسة القاضيا العربية، ألم تتفكك دول عربية وتتقهقر إلى مرحلة ما قبل الدولة، بفعل مخطط محكم الحلقات كان له أدواته التفكيكية المتمثلة في بعض الجهات المحلية التي وجدت في تجزئه الدولة العربية القطرية تربتها الخصبة لنشر وفرض أفكارها الظلامية التكفيرية. ولقد تناسى المتخوفون من "ترامب" ان هيلاري كلينتون لو تسنى لها الفوز في الانتخابات الرئاسية، ستعيد انتاج مواقفها التي اتخذتها حينما كانت وزيرة الخارجية الأمريكية، بخاصة وإن سياساتها المتشددة تجاه العرب والقضية الفلسطينية ظلت على يمين أوباما، بمعنى أن هناك خطوطاً عامة عريضة للسياسة الدولية الأمريكية المعبرة عن مصالح الولايات المتحدة مجسدة في مصالح الشركات والمصانع الكبرى، وان تغيير هذه السياسات ليس بقرار رئاسي وإنما هو نتاج لشبكة مصالح داخلية يقول الرسأسمالي فيها كلمته بوضوح.
ومعلوم ان الدول الدول الكبرى القوية اقتصادياً وعسكرياً تعوَل على ذاتها وتفرض معادلاتها، فالصين وروسيا بقدر ما تغازلا "ترامب" لاعتبارات تكتيكية، فإن هاتين الدولتين تدركان ان قوتيهما العسكرية والسياسية قادرة على التعامل مع اي متغيرات رئاسية أو حكومية في الولايات المتحدة، أما من ترتعد فرائصهم من هذه المتغيرات هي الدول الضعيفة التي لا تقيم لها الولايات المتحدة وزناً.
وبدل الارتهان لما يقوم به الكبار، يجب ضبط الحسابات الداخلية للدول العربية واطلاق الديمقراطية والتأسيس لدولة القانون والتركيز على التنمية، فالدول الكبرى بصرف النظر عن مسمياتها لا تحترم الضعفاء ولا تحترم الأنظمة التي تظل مرهونة بسياسات ومواقف الكبار.
وفي هذا السياق نسأل:- هل سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاهنا ستتغير من تلقاء نفسها، بينما نحن نصر على الاستمرار في موقع المفعول به؟!
لدى العرب مقومات اقتصادية وبترول وموقع جغرافي وقوة بشرية لم تستعمل يوماً واحداً في عملية الضغط ولعبة المصالح الدولية، وما دام كل شيء في منطقتنا يصل إلى الغرب بسهولة وما دامت أموالنا مكدسة في البنوك الغربية، ولا يتم استثمارها في التنمية العربية، ولا في التأسيس لتعميق الدولة، فلماذا يتبرع الكبار هكذا بأخذنا بعين الاعتبار، لا سيما وأن أمورنا مفصلة على مقاس مصالحهم واقتصادهم!!
والسؤال الاستخلاصي الذي يطرح نفسه:- ما الذي سيجبر "ترامب" على أن يتخذ سياسة متوازنة ، وهو يرى بلاداً عربية تغرق في الفوضى، في حين غادرت بعض الدولة مصافِ الدولة القطرية وتحولت إلى دويلات متقاتلة؟، الجواب لا يحتاج إلى كثير من الذكاء لذلك فإن المراهنين على تغيير في السياسة الأمريكية لصالحنا، سينتظرون طويلاً، إلا إذا استطاع العرب اجراء تغيير شامل في العقلية السياسية والاقتصادية وفرض معادلة قوة على الأرض، لأن العالم لا يقيم وزناً للضعيف المتآكل، وأمام هذه الحقيقة المطلوب عربياً ادراك مقومات البقاء والاستمرار في اطار التاريخ الإنساني بمعايير العصر، وإلا فان التاريخ سيلفظنا خارجه وعندها لن ينقذنا التوسل للكبار الذين لا يعرفون سوى لغة واحدة فقط، الا وهي لغة المصالح.
.