نشر بتاريخ: 02/12/2016 ( آخر تحديث: 02/12/2016 الساعة: 09:54 )
الكاتب: د.ابراهيم أبراش
جاء انعقاد (المؤتمر السابع) لحركة فتح في ظل ملابسات وتحديات داخلية وخارجية غير مسبوقة : الخلافات الفلسطينية المتفاقمة ما بين حركة حماس وحركة فتح،وما بين فصائل منظمة التحرير بعضها البعض،الخلافات الفتحاوية الداخلية،محاولات بعض الدول العربية التدخل في الشأن الداخلي الفلسطيني،فشل عملية التسوية كما اعترف الرئيس في خطابه،طريقة اختيار اعضاء المؤتمر ومواصفات هؤلاء الأعضاء ، وأخيرا التغطية الإعلامية المحلية والدولية الكبيرة. كل ذلك أضفى على المؤتمر مضامين وحمولات تتجاوز الانعقاد الروتيني للأحزاب ،كما جعل الآمال عليه غير معقولة وتتجاوز قدرات المؤتمرين الذين تم اختيارهم بعناية ودقة،وهي آمال ومراهنات لا تؤسس على فهم عميق لطبيعة المرحلة وصعوبة التحديات وكيفية تفكير الرئيس أبو مازن.
في ظني أن الهدف من المؤتمر ودلالاته السياسية اتضحت مع انتخاب الرئيس أبو مازن رئيسا لحركة فتح قبل أن يطرح برنامجه وتصوره السياسي ،ومن خلال خطابه في اليوم الثاني للمؤتمر ، أما ما بعد ذلك كانتخاب الهيئتين القياديتين : اللجنة المركزية والمجلس الثوري أو مناقشات موجهة ومقصودة قد تتطرق لبعض القضايا المثيرة كقضية اغتيال الرئيس أبو عمار أو تشكيل لجان لمتابعة هذا الشأن أو ذاك الخ فهي تحصيل حاصل ومجرد شكليات من مستلزمات الإثارة ولمناكفة بعض الجهات،وقد تُفيد البعض من الطامحين في عضوية هيئة قيادية لاستعراض قدراته الخطابية لا أكثر ، ولن تغير من مسار المؤتمر أو نتائجه التي باتت معروفة مسبقا .
منذ بداية الحديث عن عقد المؤتمر السابع تمنينا للمؤتمر النجاح وحذرنا من محاولات توظيف المؤتمر لصالح بعض جماعات المصالح وبما يوجه أمور حركة فتح نحو مسارات تشكل انقلابا عليها كحركة تحرر وطني،ووضعنا تصورنا لمستقبل حركة فتح والقضايا التي يجب مناقشتها في المؤتمر وذلك من خلال عدة مقالات معنونة بـ-"حركة فتح بين المصادرة والاستنهاض " وآخرها مقالنا المعنون "المؤتمر السابع وتحديات تصويب المسار " وذلك انطلاقا من رؤيتنا لأهمية وخطورة هذا المؤتمر ليس على مستوى حركة فتح بل على مستوى العمل الوطني بشكل عام .
ولأننا نعتقد أن المؤتمر انتهي بعد خطاب الرئيس، فإننا نبدي الملاحظات التالية كأهم خلاصات لخطاب الرئيس وللمؤتمر :
منذ اليوم الأول لانعقاده أرسل المؤتمر رسالة مهمة للخارج فيها تأكيد على تجديد شرعية الرئيس أبو مازن كرئيس أوحد لحركة فتح بما يقطع الطريق على مزاعم واتهامات المشككين بشرعية الرئيس سواء من داخل تنظيم فتح أو من خارجه ، وخصوصا رسالة لبعض الذين حاولوا خلال السنتين الماضيتين إثارة مسألة خلافة الرئيس وتضخيمها .
إن تجديد شرعية الرئيس في فتح ستشرعن رئاسته لمنظمة التحرير والسلطة الوطنية في حالة عدم انعقاد المجلس الوطني أو إجراء انتخابات شاملة .
حيث أنه لا يبدو في المدى القريب إمكانية عقد المجلس الوطني أو إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية فيستمر نظام الجمع بين الرئاسات .
لم يقتصر الأمر على تكريس زعامة الرئيس بل إن الرئيس أبو مازن وضع البرنامج السياسي للحركة أو عناوينه الرئيسية مسميا إياها مجرد مقترحات ، متمنيا على الحضور الموافقة عليها ،وهو ما سيحدث دون نقاش .
مع أن الرئيس أبو مازن اعترف بفشل عملية التسوية حسب الاتفاقات الموقعة إلا أنه استمر متمسكا بنهج السلام والمراهنة على الشرعية الدولية والعامل الخارجي كأساس لقيام دولة فلسطينية .
كان الرئيس أبو مازن أكثر وضوحا وحاسما دون مواربة في رفضه لنهج المقاومة المسلحة محذرا من أن تؤدي ممارستها لفوضى شبيهة بفوضى ما يسمى الربيع العربي،وهو في ذلك لم يفرق بين عنف وإرهاب الجماعات المتطرفة التي تقاتل في البلدان العربية لإسقاط النظام،وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وهو حق تقره حتى الشرعية الدولية .
قطع الرئيس الطريق حتى على المقاومة السلمية مسَخِفا بكل مَن يقول بها ، رابطا بطريقة غير مباشرة بينها وبين الانفلات الأمني .
كان في خطاب الرئيس درجة من الاستهتار بقدرات الشعب الفلسطيني وبتاريخه النضالي ، وتجاهل بأن ما حظيت به القضية الفلسطينية من اعتراف وتعاطف دولي ليس بفضل الدبلوماسية فقط بل نتيجة مقاومة الشعب للاحتلال منذ وعد بلفور،واستمرار المقاومة والصمود في مواجهة الاستيطان والتهويد وفي مواجهة العدوان على قطاع غزة . فمشاهدة العالم لجرائم الاحتلال خلال العدوان المتواصل على قطاع غزة وصور جثث الاطفال والنساء ودمار البيوت،ومتابعتهم للانتفاضات المتوالية وآخرها انتفاضة السكاكين والدهس،والصلف والعنصرية الصهيونية الخ هو ما دفع العالم للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بالحرية وبإقامة دولته المستقلة وليس شطارة الدبلوماسية.
بالرغم من اللهجة المتصالحة تجاه حركة حماس وتنويهه بخطاب مشعل للمؤتمر ، إلا أن الرئيس لم يطرح تصورا لمبادرة فلسطينية للمصالحة بديلا عن استمرار المراهنة على الأطراف العربية لإنجازها .
تجاهل الرئيس الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الموجودة في قطاع غزة وما يجري من محاولات لتكريس فصلها ودولنتها .
إلا أن أهم ما في الأمر أنه ومن خلال خطاب الرئيس الذي يمثل البرنامج السياسي لحركة فتح،ومن خلال كيفية انتقاء أعضاء المؤتمر حيث كثير منهم من خارج حركة فتح ومن رجالات السلطة والمال ،ومن خلال طريقة اختيار المرشحين للجنة المركزية ... تجري عملية تحويل حركة فتح من حركة تحرر وطني إلى حزب سلطة ودولة .
مع أن الرئيس خاطب المؤتمرين والعالم بصفته رئيس حركة فتح إلا أن خطابه وما طرحه من أفكار وتصورات لا تمت بصلة لبرنامج وسياسة حركة تحرر وطني ، بل كان خطاب رئيس دولة وبرنامج حزب سلطة ودولة،وما سبق وأن أشرنا إليه من تصميمه على نهج التسوية السياسية والدولة ورفضه كل أشكال العمل الجماهيري حتى المقاومة السلمية يؤكد ذلك .
تحويل حركة فتح لحزب السلطة والدولة سيغير من طبيعة الصراع مع العدو وسيقطع الطريق على العودة لحالة التحرر الوطني في حالة فشل كل جهود التسوية السياسية أو إقدام إسرائيل على ضم الضفة الغربية أو جزءا منها .
تحويل حركة فتح لحزب السلطة والدولة سيثير اشكالات حول علاقتها بمنظمة التحرير واستمرارها في قيادتها.مع أن حال كل فصائل منظمة التحرير ليس بأفضل من حال حركة فتح وهي ليست بعيدة عن السلطة وفكرة الدولة ، إلا أن الأمر سيكون أكثر تعقيدا بالنسبة لحركة حماس والجهاد الإسلامي فيما يتعلق بمطلب إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير،فإذا كان خيار أكبر فصيل في منظمة التحرير هو خيار الدولة والتخلي عن المقاومة فهل سيتم تفعيل المنظمة على هذا الاساس ؟.
تحويل حركة فتح لحزب السلطة والدولة ، وخصوصا إن استطاعت جر بقية الفصائل والأحزاب لهذا الخيار ، سيؤدي لفراغ في ساحة العمل الوطني التحرري سيدفع آخرين لمحاولة ملئه ، سواء كانوا من حركة فتح أو من خارجها .
إن طريقة مخاطبة الرئيس للحضور وكثرة التصفيقات وإشرافه المباشر على عضوية المؤتمر ... تؤكد على الزعامة المطلقة للرئيس .
وأخيرا وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع نهجه،فقد كان الرئيس أبو مازن واضحا ومنسجما مع نفسه :فكرا ونهجا عمليا،وامتلك من الجراءة والشجاعة ليكرر مواقفه بشكل أكثر وضوحا وحسما قاطع الشك باليقين وخصوصا فيما يتعلق بالمقاومة والعمل الجماهيري والتسوية السياسية ،ذاهبا نحو خيار الدولة دون تردد قاطعا الطريق على أي خيارات أخرى ،والرئيس ليس وحده في هذا الخيار بل تدعمه نخبة محيطة به تؤمن بهذا النهج وتدفعه بهذا الاتجاه . وتبقى الكرة في مرمى أبناء حركة فتح وبقية الفصائل الفلسطينية ليقرروا كيفية التعامل مع هذا المنعطف والتحول في حركة فتح .