نشر بتاريخ: 05/12/2016 ( آخر تحديث: 05/12/2016 الساعة: 10:46 )
الكاتب: بهاء رحال
بحضور رسمي وشعبي اضاءت بيت لحم شجرة الميلاد في ساحة المهد ايذاناً ببدء الاحتفالات السنوية بالأعياد المجيدة ورأس السنة الميلادية، وقد جاء الاحتفال كما في كل عام، بشكله الديني والوطني والفلسطيني، وبصورة انسانية مشرقة في التسامح والتآخي بين كافة ابناء الشعب الواحد الذي يشاطر بعضه بعضاً اعياده ومناسباته الدينية ويبعث برسائل المحبة والسلام الى العالم أجمع، خاصة العالم العربي الذي تعاني بعض بلدانه الحرب والتدمير والخراب وتحديداً في العراق وسوريا واليمن وليبيا، وهذا ما حملته رسالة الميلاد التي انطلقت بالأمس من بيت لحم المحاصرة بالجدار والمستوطنات وبطش جنود الاحتلال، رسالة دعت الى ان يعم السلام جميع البلدان العربية على وجه الخصوص ودول العالم بشكل عام، وان يكون العام القادم الذي نقف على ابوابه، عام الحرية والخلاص من الاحتلال، عام الدولة الفلسطينية المستقلة وتحرير القدس من براثن الاحتلال، عام الاستقرار للمنطقة وإحلال السلام بدلاً من صور الحرب التي جلبت الخراب لعواصم عربية من بغداد الى الشام، وهذا الحال الذي وصلت اليه أمتنا العربية، من ضعف وتشتت وانقسام ومن صور الكراهية التي تتسع دوائرها في مناطق عديدة، ومن نمو متسارع للتطرف والتعصب والجهل، ذلك الجهل الذي يهدم جمال الشرق، وحسن اخلاقه، وصور التآخي التي سادت لقرون من الزمن، وحالات العيش المشترك التي كانت عنواناً جميلاً يحتذى به، وانموذجاً حضاري وإنساني يحفظ رسم البلاد واسمها ويحافظ على صورتها المشرقة.
ان مدينة بيت لحم التي رفعت الشعار شعار الرحمة لهذا العام، ليزين الاحتفالات الدينية والوطنية وهو يحمل عنواناً جميلاً جديراً بهذه المناسبات وبهذه المدينة التي حفظت روح المحبة والتآخي والسلام الحقيقي المعاش بالفعل بين سكانها ومواطنيها وزائريها الذين يلمسون ذلك كلما أتى فريقاً منهم لزيارتها، وهي دعوة الى كافة البلاد ان تنعم بالرحمة والتآخي والورع الانساني، وان يتركوا العصبية الجاهلة، والتطرف الاحمق وان يعتقوا بلدانهم وشعوبهم من كل حالات القتل التي بالأساس قائمة على فكرة التعصب الاعمى، وان يعتقوا بلدانهم من شر الفتنة التي تحمل لهم المزيد من الخراب والتدمير والانقسام اكثر فأكثر حتى وصل الأمر الى شكل هذا الشرق المبكي والموجع فعلاً، فلم يعد ذلك الشرق الجميل جميلاً، ولم تعد تلك الصورة مشرقة بعدما كسرتها الحروب الداخلية التي تحدث تحت دواعي متطرفة في الفكر والأسلوب والمنهج، وهذا واقع صعب، لكن الأمل يخرج من هنا، من هذه البلاد المقدسة لتكون أنموذجاً يحتذى به، وهي كذلك بجدارة الانسان الذي يعيش فيها وبرعاية السماء التي تحفظها وتنزل الرحمة في قلوب مؤمنة.
اضيئت شجرة الميلاد في بلد الميلاد، مدينة المهد، مهد يسوع عليه السلام، رسول المحبة الذي جاء ليتحدى الظلم والقهر، ويلقي كلام الرحمة على المؤمنين في الارض، جاء لينتصر على ما كان من ظلم وظلام ويُعلم الانسان محبة أخيه الإنسان، وهذه هي رسالة العيد في كل عام، لكن بيت لحم وكما في كل عام تعاني، قهر الاحتلال الذي يحاصر المدينة وقد بنى جداراً حولها من كل الجهات، وتغول في بناء المستوطنات حولها، محاولاً سرقة نور المدينة الساطع بالايمان، ومحاولاً خنق المدينة بالمزيد من الاجراءات والسياسات والقوانين العنصرية التي يفرضها بعد ان عزل شقيقتها في الروح مدينة القدس عن باقي المدن والقرى، وصارت القدس خلف الجدار وحيدة، تبكي زمان عزلتها، ونبكيها وهي القريبة ونحن الممنوعون عن زيارتها، بفعل سياسات الاحتلال وجدرانه وقوانينه العنصرية، وسط صمت العالم وضعف المواقف وتراجعها.
الاعياد المجيدة لهذا العام، كما في كل عام، هي فرصة لتعزيز صور التآخي والتسامح والتماسك، وهي فرصة أخرى لنقل صورة المعاناة التي يعيشها الفلسطيني الممنوع عن اداء شعائره الدينية، فهذه المدينة المقدسة، مدينة الميلاد ممنوعة من الزيارة، فلا الأهل في غزة يُسمح لهم بزيارتها والحج اليها، ولا الاشقاء في سوريا والأردن ولبنان وكل البلاد العربية يُسمح لهم بتأدية الشعائر الدينية فيها والزيارة، منذ ان جاء الاحتلال وفرض قوانينه ممسكاً بنقاط العبور والحدود وفارضاً ابشع انماط الفصل العنصري، لكنها لا تزال تصلي، كي تتخلص من هذا الاحتلال وجبروته، وتنعم بالسلام الذي ينطلق منها الى العالم أجمع، السلام القائم على العدل والحرية والتآخي والمحبة والمساواة، ذلك السلام الذي جاء من أجله رسول السلام.