نشر بتاريخ: 05/12/2016 ( آخر تحديث: 05/12/2016 الساعة: 14:32 )
الكاتب: يونس العموري
مرة اخرى تكون المأساة مسطرة على طرقات القهر وتتأجج نيران الحقد وتتغذى من اجساد متكورة متكومة تنتظر لحظة الفرار من الموت المنتشر بازقتها ... كان الموت يطاردهم بكل الازمان ومعادلة الوجود سيطرت على تلك اللوحة المعلقة على ابواب المدينة .... والكل نيام هنا ولا سبيل لمعرفة القاتل من المقتول .... وهل للقاتل صفة اخرى نعجز عن رسم ملامحها ...؟؟؟
هي مأساة مدينة فقدت ثقتها بكل ما يمكن ان يقال وبصرف النظر عن المُقال والذي سيقال ... وهو الشعب الذي اصبح بلا عنوان وفقد ألمعيته مع فقدانه للحضن الحاضن لقضاياه ...في ظل اسقاط السقوط المدوي على ابناءها .. وكانهم ارادوا ان يقولوا هذا جواز عبورنا لمنتدى الرضا والارضاء .. وان كان الهتاف باسمها مدويا ...
تتصدر العناوين من جديد في ظل الظلم والاستسلام لإرادة يهوذا ... وتحاول ان تنهض بشموخ .... تقف امام الكل لتعلن عن هويتها بكل أهاتها ... وتقول ما يمكن ان يٌقال في حضرة القتل والتقتيل للانسان الرابض والمتطلع نحو الارض السمراء ... وفي ظل عناوين اسقاطها من معادلة القيادة العتيدة المتضرعين على ابوب السلطان ... جاءت هذه المرة واستحضرت تاريخ من عبر دروبها ومن انكسر على بواباتها محاولا تركيعها ... لم تخف على كينونتها ابدا ووقفت متحدية كل اشكال تصفيتها منذ البدايات، وعجزوا عن اقتلاعها وحافظت على هويتها وكانت ارادة الحياة فيها الاقوى ودائما كانت الحضن الدافىء للهاربين اليها من بطشهم بصرف النظر عن الباطش والمبطوش ...
القدس ليست هنا اليوم بيوميات من ينطقون العربية ... ومن هتفوا باسمها وان كانت تفرض المعادلة من جديد ... وكل هذا الضجيج ما هو الا ضجيج فارغ المضامين فالقدس ليست هنا هذه الايام وان كانوا يجعجعون بالصراخ من المدن المجاورة المزيفة والعواصم البلاستيكية ( هنا القدس ) وهم يعلمون ان القدس ليست هنا ... وان كان لابد ان تكون القدس هنا فهذا السؤال الكبير ولابد من ان تكون الاجابة كبيرة ايضا ...
فيا أيها القاعدون على ارصفة التاريخ تستجدون مجدا او اسما زائلا ... انتظروا قليلا فالمجزرة متواصلة منذ زمن وفصولها لم تكتمل ... وللقتل حكاية لابد من اعادة روايتها من جديد على مسامع من يقتل الان بحواري القدس ومن يموت قهرا ويكون له ان يسمى رقما من ارقام شهداء القهر ليس اكثر ...
ومرة أخرى يغزونا السؤال المتكرر منذ ان أُخضعت يبوس في أتون الصراع على واقعها الراهن …. مرة اخرى يداهمنا القلق على مصير المرابط الصابر الصامد في ازقة ايلياء العتيقة وحقيقة مستقبله ومرة اخرى يأتينا النبأ العظيم المرير والحقيقة الساطعة بأن لا ننتظرهم وهي الرسالة التي تلقفناها …. فاياك يا ابن كنعان الرابض على اسوار القلاع العظيمة في القدس اياك يا سيدي أن ( تقرأ حرفاً من كتاباتهم , فحربهم إشاعة, وسيفهم خشب, ووعدهم كذب )…
يا ابن العتيقة لا تراهن عليهم ولا تراهن على ضجيجهم وامكث حيث انت الان واياك ان تتساوق مع لغة السوق الحديثة وان حاولت الاقتراب من صُناع القرار فخلي بينك وبينهم مسافة (فليس بين الرصاص مسافة …) ولا تعبر مواكب امراء الزيف …
إعلم ان ثمة خربشات تغزونا وتختلط الاسماء الدالة عن مكنوناتنا وتسقط لغتنا وسط الضجيج الفارغ المضامين، وامير امراء الفتوى المتربع على العرش يُسقط عمدا وبالقصد المشهود التوجه نحو ايلياء الرابضة على تلة الصمود، والقبلة الاولى قد صارت مرتعا ومتاعا لتجوال احفاد بني قريظة وابناء قبائل خيبر يمارسون اجرامهم تحت الشمس هذه المرة.
وحيث ان الخربشة سيدة الموقف فما كان الا ان يتم وضعنا ما بين الاحتلال والاذلال، والشرق تغرب من خلاله الشمس وقتما تشاء دونما اي شكل من اشكال المواقيت التي شأنها ضبط وقائع اللحظة ….
في القدس يا سادة يا كرام كان الانتظار سيد الموقف وكان الحديث يدور بالدهاليز لعل وعسى ان يقول ما يمكن ان يقال محاولا التفسير للحدث العظيم بالسقوط المدوي والسؤال يتكرر مرة اخرى، هل هذه هي ارادة من هتف ويهتف باسم الزحف بالشهداء بالملايين نحو البيت العتيق ... ؟؟
ايها السادة …. امراء التطبيل والتزمير كانوا ان قالوا ما قالوا من شعارات رنانة براقة بوجوب اعلان حالة النفير العام والاستنفار لنصرة القدس واهلها وتمزيق اتفاقات العهود البائدة وشحذ همم الامة والاطاحة بكل ما من شأنه ان يعيق تحرير عاصمة عواصم الاسلام والمسلمين وتمكين اهلها وبشرها وحجرها من اسباب الصمود والمرابطة …. واكتشفنا بالصمت المتقن واحتراف السكون والسكوت انه الوهم والسراب للاهثين خلفه …
انقلبت الموازين أيها السادة في قبائل روما الحاكمة، ودموع العذارى على معابد الرب قد صارت مشهدًا مزعجًا بأعراف القوانين الغازية لدهاليز كهنوت الضفة الثانية على شواطىء المتوسط.. ومنذ اللحظة قد صار للرواية مكامن أخرى وللحكاية وجهة مختلفة وللعشاء الأخير سيرة متعاكسة بأفئدة القابعين المنتظرين للبعث الجديد للسيد المسيح، وقد يكون ممكنًا منذ الآن تصديق رواية كبير سدنة المعبد القديم بأن ابن البتول ما كان له أن يأتي هناك.. ولم يتكلم بمهده وإن لم يشف المريض..
… يا ابن مريم أُنبأتك أن معبدك قد دنس.. فسادة الروم بالرماح قد عادوا ليصلبوك مرة أخرى على مشانق أغصان الزيتون المقطعة أوصالها بجوار أسوار البلدة العتيقة.. وأنا هنا قابع بالمكان منتظر للمعجزة من إشارة وبشارة..
والقحطاني العدناني العربي الأمي الامين ربما صار الاختلاف على اسرائه لمهبط الديانات فيه اجتهاد !
وتلوح بالأفق جميلة تخترق الحواجز لتلقي مزاميرها وتجبرنا على الانصياع للنداء الأخير بالربع الساعة الأخيرة بالظرف الراهن، فقد تكون أورشليم قد أضحت الحقيقة ويكون التجوال سيد الموقف لسادة الفقراء في أقاصي الدنيا لنصرة عشاق القدس ومجانينها..
نعتلي المنصة ونمارس فن الصراخ كانعكاس للحظة التوق من قيود دبلوماسية الكلام، وللكلام أن يعبرعن كينونة الخوف فينا من أن تتغير أسماؤنا، ونتوه بصحاري التيه مرة أخرى باحثين لاهثين خلف سراب الماء المتدفق من هناك حيث العطشى للأمل… نقف لبرهة من الزمن قبل الصراخ وافتعال الضجيج… ويكون القرار بأن لابد من ممارسة أعتى أشكال الجنون..