نشر بتاريخ: 15/12/2016 ( آخر تحديث: 15/12/2016 الساعة: 15:31 )
الكاتب: بسام أبو شريف
الاستراتيجية الجديدة عمل سياسي دبلوماسي هي نفي لشاهدة ميلاد حركة فتح
ما لم نغير ميزان القوى بالمقاومة لن ينتج العمل السياسي أي انجاز.
مع انتهاء مؤتمر حركة فتح وظهور النتائج السياسية والتنظيمية لهذا المؤتمر (السابع خلال تضافره) لابد من تحليل عميق لأزمة الثورة الفلسطينية كي يرى الجيل الصاعد الأبيض ويميزه عن الأسود في وقت يحلو فيه لكل الذين أنهكهم العمل الوطني الجاد لا يحبون ان يرى الاخرون سوى الرمادي، وذلك يسهل عليهم تمرير السم في الدسم وإظهار الهزائم على انها انتصارات.
لابد من وضع حد للوهم الذي استساغه بعض القياديين في الثورة الفلسطينية لدرجة انه أصبح لديهم وكأنه حقيقة يحالون تمريرها على الشعب الذي يحس بالفطرة ويرى بالملموس ان فلسطين تقضم تدريجياً من قبل الصهاينة في الوقت الذي تسخر السلطة نفسها لخدمة هذا القضم الذي يظنه الصهاينة تحقيقاً لأحلامهم واطماعهم بإقامة إسرائيل الكبرى التي تبدأ بكامل ارض فلسطين (من البحر للنهر) وتستمر حتى تصل الى ارضك يا إسرائيل من النيل الى الفرات.
***
صفق أعضاء مؤتمر فتح السابع طويلاً لبرنامج أبو مازن السياسي الجديد والذي يمكن تلخيصه بأن النضال الشعبي والكفاح الجماهيري وتعبئة الجماهير لمقاومة الاحتلال لم تعد بنود برنامج مقاومة الاحتلال وتحول البرنامج الى حصر ذلك بالنضال السياسي والدبلوماسي! .
والقى المؤتمر السابع بذلك كافة المبررات لوجود وانشاء حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، واتخذ موقف لإلغاء برنامج منظمة التحرير الفلسطينية كلياً واستبداله بالنضال السياسي والدبلوماسي وإلغاء جيش التحرير الفلسطيني.
لقد أنشأت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 لتكون ممثلاً للشعب الفلسطيني وصدر ميثاقها الذي يحض على تحرير فلسطين واستعادة الأرض التي سلبتها الإمبريالية والصهيونية.
وأنشأت م ت ف جيش تحرير توزعت قواته على دول الطوق (مصر – الأردن – سوريا – العراق) ليكون أداة التحرير.
وبعد هزيمة عام 1967 سعت فتح للسيطرة على م ت ف تحت عنوان أساسي واضح وهو تحويل منظمة التحرير الفلسطينية من حركة فتح والفصائل المسلحة الى تنظيم مقاتل عملياً، أي ان ممارسة الكفاح المسلح كان السبب الرئيسي الذي استندت اليه حركة فتح للسيطرة على م ت ف وخوض المعركة ضد إسرائيل.
وإذا بالمؤتمر السابع يصفق طويلاً لإلغاء هذه الحيثية وباستبدال ذلك بالنضال السياسي والدبلوماسي الذي كان المرحوم أحمد الشقيري وزملائه أقدر على خوضه من الذين يقودون م ت ف الان.
دخلت فتح منظمة التحرير لتبدل استراتيجيتها الى استراتيجية الكفاح المسلح والان تلغي فتح هذه الاستراتيجية لتعيد النضال السياسي الدبلوماسي استراتيجية للمنظمة.
فاذا كان مبرر سيطرة فتح في العام 1968 للسيطرة على المنظمة هي استراتيجية الكفاح المسلح فان هذا المبرر اسقطه المؤتمر السابع فهل يعني هذا ان مبرر قيادة فتح للمنظمة قد زال؟؟.
ام ان محمود عباس يريد ان يدفن منظمة التحرير كما دفن استراتيجية فتح بتصفيق حاد من أعضاء المؤتمر السابع !.
***
لندع هذا الحساب جانباً دون ان ننساه لحظة واحدة، ولنناقش هنا جوهر التغيير واسبابه كما يراها الذين صفقوا للتغير او صفقوا لمصالحهم بتأييدهم لما يطرحه الرئيس محمود عباس!
العالم يمر الان في مرحلة لا تحكمه قوانين ولا مواثيق ولا اتفاقيات ولا كلمة شرف او وعد حق.
وأول من عليه ان يقر بذلك هو محمود عباس الذي كان مهندس اتفاق أوسلو وذاق بنفسه مرارة عدم التزام إسرائيل وحكوماتها، بهذا الاتفاق الذي نعتبره نحن اتفاق " عار " ولا نقبل به.
وحتى لا يبقى الامر محصوراً باتفاق أوسلو يكفي ان نلقي نظرة على ما يجري في سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا وربما دول أخرى لا تعلن عن ذلك الان.
ما يجري هو صراع دون قواعد ودون اخلاق ودون التزام بأي معاهدة او وثيقة او اتفاق دولي.
فما ينطبق على تصرف إسرائيل إزاء قرار مجلس الامن 242 وعدم تنفيذه دون أي رد فعل من الدول التي صوتت بالأجماع لهذا القرار وهي الدول الكبرى في هذا العالم، هو ما يجري للقضايا الشائكة الأخرى.
عالم تتم المصارعة فيه دون قوانين سوى قانون واحد هو ان القوة هي التي تفرض الواقع.
وان ميزان القوى هو الذي يقرر النتيجة السياسية او نتيجة الجهد الدبلوماسي.
في اللحظة التي اقر فيها مؤتمر فتح السابع استراتيجية العمل السياسي والدبلوماسي، أعلنت إسرائيل عن توسيع القدس بضم مستوطنات في بيت لحم للقدس وبناء ألاف وحدات السكن وأعلن ليبرمان شروط إسرائيل للحل السياسي في سوريا واستقبلت إسرائيل وفوداً عربية وجرت اجتماعات بين خبراء استخبارات لعدد من الدول العربية المجاورة وغير المجاورة مع ضباط إسرائيليين وتقرر السير قدماً في مشروع قناة البحرين.
ورفضت إسرائيل أي حق من حقوق الشعب الفلسطيني في مؤتمر سابان، مما استفز جون كيري (وليس محمود عباس) واضطر لإعطاء تصريح حول المستوطنات وحول موقف إسرائيل غير المهتم بعملية السلام.
لماذا تهتم إسرائيل بعملية السلام طالماً ان كل ما تريده يتم تنفيذه دون مقاومة، ودون معارضة سوى في بعض الأحيان وبشكل لفظي لا معنى له سوى اعتبار الشعب الفلسطيني قطيع غنم لا يفهم ولا يعرف ما يدور وما يجري، (تصريحات صائب عريقات كبير المفاوضين وغيره).
لم يسأل أعضاء المؤتمر السابع انفسهم حول أسباب انسحاب إسرائيل من سيناء ؟.
وحول أسباب اكراه إسرائيل على حضور مؤتمر مدريد في ظل الانتفاضة الأولى؟
ولم يسأل المؤتمر حول أسباب اغتيال ياسر عرفات؟
كيف يفكر محمود عباس، وأين هي مواقع الوهم والوهن في تفكيره؟
قبل اغتيال ياسر عرفات كان أبو مازن كمرشح لرئاسة وزارة السلطة قد أشعل معركة داخلية حول انتزاع صلاحيات ياسر عرفات وتحويلها لرئيس الوزراء.
ذلك انه كان قد اعطى وعداً لشارون بنزع صلاحيات ياسر عرفات الأمنية والمالية ليتمكن هو من ضبط الأمور ومنع الإرهاب.
فشارون كان يهيئ الأجواء الدولية والإقليمية للتخلص من ياسر عرفات بسبب ضلوع عرفات في مقاومة الاحتلال والسماح بشن العمليات ضد القوات الإسرائيلية (التي رفضت تنفيذ الاتفاقيات المعقودة حول الانسحاب الإسرائيلي).
استند محمود عباس الى وعد إسرائيل مفاده، إذا تمكن محمود عباس من وضع حد لعمليات المقاومة نهائياً والتعاون مع الأجهزة الإسرائيلية لتطبيق ذلك فان الحكومة الإسرائيلية ستبدأ بتطبيق ما لم ينفذ من الاتفاقات حول الانسحاب من الضفة الغربية.
بعد اغتيال أبو عمار (ولابد من ان تكشف الجهة التي ساعدت إسرائيل على دس السم له) سخر أبو مازن جهود الأجهزة عبر ابعاد كل من لا يدين له (شخصياً) بالولاء لخدمة ما تريده إسرائيل من وضع حد نهائي لكل عمل المقاومة.
ووصل الامر الى حد اعتداء أجهزة امن محمود عباس على مظاهرة سلمية ضمت قيادات الفصائل ومنهم من تعرض للضرب بهراوات شرطة أبو مازن.
وراحت إسرائيل تتمادى بخطوات واسعة لبناء مزيد من المستوطنات ومصادرة الأراضي وهدم البيوت وتهويد القدس والزج بمئات الشباب بالسجون تحت بند الاعتقال الإداري.
وبلغ تنسيق أبو مازن مع إسرائيل في هذا الميدان مرحلة غير مسبوقة.
فقد سخرت أجهزة الامن والمخابرات بأوامر من محمود عباس لخدمة أجهزة امن ومخابرات إسرائيل.
ولم ينل أبو مازن مقابل ذلك الا المزيد من الإجراءات الإسرائيلية للسيطرة وابتلاع الأرض والحد من حرية وحركة واقتصاد الفلسطينيين.
وتعاونت إسرائيل مع من "اشترتهم" أجهزتها من رجال السلطة لإغراق أسواق الضفة ببضائعها ودمرت المزارعين الفلسطينيين بإغراق الأسواق بمنتوجات زراعية تسوق بأسعار أرخص لضرب الإنتاج الفلسطيني وهكذا.
ليس هذا فحسب، بل أعلن نتنياهو بكل وضوح عن مكافأة محمود عباس بالتحضير لضم الضفة وإعلان رفضه القاطع لحل الدولتين.
لا نريد الاطالة هنا لكن بيت القصيد هو ان العمل السياسي والدبلوماسي (التفاوض) لن يؤدي الا الى الهزائم المتتابعة ان لم تكن مستنداً لمقاومة الاحتلال وخلق ميزان قوى يجبر إسرائيل على الانسحاب، وهذا يضع كل ما قاله محمود عباس عن استراتيجية العمل السياسي والدبلوماسي لمؤتمر فتح تحت بند هراء وتضليل.
لا يمكن مواجهة إرهاب الدولة المستند لقوة عسكرية عنصرية بطاشة، بالكلام المنطقي فقط، فلابد من عمل شعبي مقاوم منظم ضد الاحتلال حتى يصبح للكلام المنطقي وزناً.
ان شعبنا يواجه أبشع حملة إرهاب تشنها دولة وجيش ضد شعب اعزل.
فكيف يمكن للكلام ان يردع من يحرق الرضع في أحضان امهاتهم؟ وكيف يمكن للكلام المنطقي ان يتصدى لعنصرية جنود يطلقون النار على جرحى من المدنيين العزل وهم ينزفون على قارعة الطريق.
لم يكن أحد يضاهي الرئيس أنور السادات في الحديث عن العمل الدبلوماسي والسياسي لتحرير سيناء الى ان اكتشف الحقيقة وهي ان الكلام لا يفيد ان لم يستند لميزان قوى يجبر الظالم على التخلي عما ارتكبه من احتلال، فكانت حرب أكتوبر.
ويبدو ان محمود عباس (الذي كان دائماً غير مؤمن بالكفاح المسلح) قد نسي ان الانتفاضة الأولى هي التي جرّت إسرائيل للتفاوض وان المفاوضين الفلسطينيين وقعوا فريسة للإسرائيليين لأن الانتفاضة لم تبقى مشتعلة خلال المفاوضات.
فكيف يريد ان يحقق إنجازات الان، وهو لا يسمح بكفاح شعبي ويعمل مع أجهزة إسرائيل لضرب أي مقاومة للاحتلال.
وإذا كان محمود عباس (الذي بلغ من العمر عتيا قد تعب) فهل هذا الامر يسمح لأعضاء مؤتمر فتح ان يتعبوا؟!.
وإذا كانوا قد تعبوا فهل هذا يعطيهم الحق بأن يتخلوا نيابة عن الفلسطينيين عن حقهم في مقاومة الاحتلال؟
محمود عباس لم يخفي انه سيجعل هذه الاستراتيجية باسم فتح للمجلس الوطني الفلسطيني، ولم يتردد في القول للفصائل الأخرى، من يوافق منكم على استراتيجيتنا اهلاً وسهلاً ومن لا يوافق " الله معه".
ان ما سيواجه الشعب الفلسطيني في العام المقبل سيكون أقسى وأكثر شراسة إذا ان ترامب يقول قبل دخوله البيت الأبيض ان على الفلسطينيين ان يغيروا مناهج التعليم ليزيلوا فكرة الاستشهاد وليزيلوا صفة البطولة عن الذين يقاومون إسرائيل!
ولا شك ان ما قاله الخائن محمد المصري عن رغبة المعارضة السورية بإقامة علاقات تحالفية مع إسرائيل ووعد بالا تكون سوريا مقراً او ممراً لمن يريد مقاومة إسرائيل هو نموذج للعرائس التي يحضرها ترامب في الشرق الأوسط لصالح إسرائيل.
لو كان فيما رسمه أبو مازن انش واحد من التفكير العلمي المبني على واقع الأمور لناقشناه من هذا المنطلق لكنه وهم يتجول عند أبو مازن فقط الى مقولة يريد ان يضلل بها أعضاء فتح والشعب الفلسطيني.
لكن فتح ليست، ولن تكون ما يريده لها محمود عباس.
فتح كانت وستبقى تعبير عن إرادة الشعب الفلسطيني في انتزاع حريته واستقلاله، وذلك بتحرير فلسطين، وسيتبين قريباً، وأقرب مما يتصور من بلغوا من العمر عتيا، ان صبية اليوم هم شباب الغد، وان من دعكتهم التجربة من رجال فتح سوف يتحولون الى شباب من جديد بإرادة وعزم لتحرير الوطن والشعب