الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

كلام محظور على المدى المنظور

نشر بتاريخ: 16/12/2016 ( آخر تحديث: 16/12/2016 الساعة: 19:23 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

بعد الانتصار الكاسح للرئيس عباس في المؤتمر السابع لحركة فتح ، تكثر الوشوشات والهمسات في صالونات المدن الفلسطينية ، حول النظام السياسي والقلق من انهياره في حال تربع الرئيس على كافة السلطات القضائية والتشريعية والنقابية والمالية والامنية والعسكرية والسياسية . ولكن الاعلام المحلي - بما فيها نحن - لم يجرؤ على نقاش الامر بعقل منفتح وبرؤية علمية تبدّد القلق وتطرد الخوف المسكون فينا . وان قناعتي ان البحث في الامر والوصول الى تشخيص صحيح هو الحل بدلا من التراشق الاعلامي والهمز واللمز والغمز .

بين الديموقراطية والفلتان الامني شعرة رفيعة . وقد تترسخ ثقافة الاختلاف بكامل جمالها ، أو تحترق البلد بسلاح الفوضى بفارق رؤية واحدة . وليس اسهل من الفلتان الامني بالف ذريعة وذريعة وليس أصعب من بناء مجتمع ديموقراطي يؤمن بالاختلاف كرافعة بنيوية ..
بين النظام الرئاسي والدكتاتورية شهيق وزفير . وقد تنضبط البلاد لسيادة القانون ورموز الدولة نحو مستقبل زاهر ، او تجزع قلوب المواطنين بتفسير أعوج من مستشار منافق . وهنا يأتي دور الاعلام الواعي الرشيد ، وقبل ان نطالب بحكم رشيد علينا ان نتمسك باعلام رشيد لان اعلام غوغائي او منافق قد يحرق كل ما انجزناه .
بين ركب الحضارة ومنزلق التخلف منعطف غير مرئي للوهلة الأولى . وقد يقفز شعب الى مصاف الامم المعاصرة او يغرق في وحل التخلف بفارق شعار غامض .
بين التحرر من الاحتلال واحتلال حركة تحرر يختبئ مارق جبان من جهة او مدّعي ثقافة يأخذ تمويله من عواصم اخرى من جهة اخرى . هذا يرفع شعارات التمرد وهو غارق في احضان المستثمرين في دم هذا الشعب . وهذا يرفع عصا الطاعة وهو لا يعرف جمالية الاختلاف .
بين مقاومة الاحتلال وشقاء شعب ، يجلس رجل غير مناسب في مكان غير مناسب يعمي الجمهور بصراخ لا جدوى منه ويضيع الفرصة .
بين العلم والجهل جدل غير لازم في وسط الشارع ... والانكى من ذلك كسر ادوات القياس في المشهد ذاته ، وبدلا من قياس النصر بالفداء والعطاء ، أن يقاس بالنهب والتعمشق على مصالح الناس .
نقطة اخيرة أريد ان اكررها لضرورات فنية. ان القول بالارتهان الى الشعب كضمانة دائمة يعتبر مبالغة رومانسية بحتة ، وقد يحاول البعض من خلالها التملص من المسؤولية ، وان كان الشعب ضمانة فهذا لا يعني أن لا يقوم القادة بدورهم النقابي والتاريخي .
جورج حبش كان المعارض الاول لقائد الثورة عرفات ، وحين وقع الاخير اتفاقية اوسلو سرا ومن دون التشاور مع باقي فصائل منظمة التحرير ، قال جورج حبش عبارته التاريخية لعرفات ( اخشى منك وأخشى عليك ) فظل قائدا لائقا ، ورمزا وطنيا يتحدث عنه عرفات بكل هيبة وهو الذي قال عنه حكيم الثورة . فهل لدينا الان حكيم دولة الان ؟ يعارض ولكن بمسؤولية وحرص على استقلالية القرار ومصلحة الشعب .
وبالمقابل لا يزال العرب يذكرون حين ذهب الملك الحسين بسيارته وأخرج المعارض الاردني الاسلامي الاستاذ ليث شبيلات من السجن وأوصله بنفسه الى منزله .
نعم صحيح . ان الشعب ضمانة وطنية دائمة . لكن هذا لا يعفي المعارضة من فكر مستنير وبنيوي ، ولا يعفي الرئيس من نفحات حنان وتسامح ، ولا يعفي النقابات من مواقف كبيرة لبناء الدولة ، لان وزير الخارجية لوحده لا يبني دولة ، ووزير الداخلية لوحده لا يبني دولة . بل ان النقابات والاتحادات هي التي تبني الدول .