نشر بتاريخ: 28/12/2016 ( آخر تحديث: 28/12/2016 الساعة: 16:24 )
الكاتب: د. حسن عبد الله
نجحت الدبلوماسية الفلسطينية بامتياز في ترتيب أوراق القرار الأخير في مجلس الأمن ضد الاستيطان، والقرار هو نتيجة جهد متواصل، تم التهيئة له واختيار الوقت المناسب لكسب قرار سيكون له نتائج ايجابية على القضية الفلسطينية، وإن لم تكن هذه النتائج لحظية أو فورية.
القرار بالرغم من أهميته القانونية والاخلاقية، فإن قيمته السياسية والتضامنية الأممية، تؤكد أن القضية الفلسطينية أصبحت تتحرك في أفق دولي أوسع من الأقليمي أو الشرق أوسطي.
وفي إطار القرار وما صاحبه من تجاذبات ومواقف، وبخاصة ما تعلق بحسابات وتكتيكات الدبلوماسية المصرية، فقد كان بودنا نحن الفلسطينين، لو أن مصر استمرت في خطواتها في مجلس الأمن حتى النهاية، أي وصولاً لاتخاذ القرار، لكن الأمور سارت في اتجاه مختلف، ومع هذا تصرفت الدبلوماسية الفلسطينية والإعلام الفلسطيني بعيدْ صدور القرار، بروية وحكمة وضمن حسابات دقيقة، حيث إن الاستراتيجية الفلسطينية تقوم على أساس عدم السماح بخسارة أي قطر عربي وتجاوز ما حدث، لاسيما ونحن نتحدث عن دولة عربية شقيقة كبيرة بحجم مصر، فيما أن الدبلوماسية الفلسطينية تدرك تماماً جذور العلاقات التاريخية مع مصر وأهميتها الجغرافية وتشابك المصالح وحاجة الفلسطينين الملحة للبوابة المصرية جغرافياً وسياسياً واجتماعياً، حيث تسامى الفلسطينيون عن ردود الأفعال والمزايدات أو الاتهامات، وضبط الإعلام الفلسطيني إيقاع أدائه وتغطياته وبرامجه التحليلية والاستشرافية، رافضاً الإنجرار إلى مواقف تأزم العلاقات الفلسطينية المصرية.
كنا وما زلنا في فلسطين نهتز ونتألم ويجتاحنا الغضب مع كل عمل إرهابي يستهدف الشقيقة الكبرى، على اعتبار أن أمن الدولة العربية الكبرى ينعكس أمناً واستقراراً على الدول العربية الأخرى، وقد تابعنا كل مراحل المتغيرات على الساحة المصرية، وكأننا نتابع شأناً فلسطينياً خالصاً، مع ادراكنا أن مصر تعيش مرحلة حساسة، نأمل أن تتجاوزها لتعود قوية قائدة، تتخذ قراراتها انطلاقاً من مصالحها والمصالح العربية، غير متأثرة بضغوط اقتصادية أو استغلال لحاجاتها الأمنية، وفي رأيي أن المسألة تتطلب بعض الوقت.
لم ترق لنا تغطيات إعلامية في بعض الفضائيات من قبل بعض الزملاء الإعلاميين المصريين الذين سارعوا لتوجيه انتقاداتهم للدبلوماسية الفلسطينية، معتبرين أن هذه الحملات سيرتها ردود أفعال غير متوازنة، افتقرت إلى الموضوعية، مكيلة الاتهامات للضحية، فيما اختارت وسائل إعلامية مصرية أخرى نهجاً متوازناً، مبرزة العلاقات التاريخية بين مصر وفلسطين والحرص على تطويرها، على اعتبار أن القضية الفلسطينية ما زالت شأناً عربياً ينبغي التمسك بدعمها ونصرتها.
الدبلوماسية الفلسطينية التي تولي أهمية خاصة للعلاقات العربية، صارت أكثر خبرة وكفاءة واقتداراً في التعامل مع العالم، تفهم جيداً متى تتقدم ومتى تخفض وتيرتها، استناداً إلى قراءة أممية مفتوحة على المستجدات والتطورات والتناقضات العالمية، ولم تعد الدبلوماسية الإسرائيلية هي اللاعب المسيطر الذي كان قادراً على قلب الحقائق وإحداث المكاسب لصالح إسرائيل، وحتى الإعلام الإسرائيلي أضطر للاعتراف مراراً بما حققته الدبلوماسية الفلسطينية، حيث إن ما تحقق في السنوات الأخيرة بالاعتراف بفلسطين كدولة في الأمم المتحدة ورفع العلم الفلسطيني على المقر الأممي، إضافة إلى ما أنجز في اليونسكو وغير ذلك كثير.
نحن في فلسطين لا يمكن أن نتصور أنفسنا بمعزل عن أخوتنا العرب، ونعتبر أن استقرار الدول العربية مكسب لقضيتنا وخسارة أي دولة نتيجة مخططات تدميرية تشكل خسارة للقضية الفلسطينية، لذلك فإننا ننتظر لأي عمل إرهابي موجه للأردن أو مصر أو سوريا أو لأي قطر عربي آخر وكأنه موجه لفلسطين، من خلال ضرب الاستقرار العربي وصرف الأنظار عن قضيتنا، فعندما تكون الأردن قوية، فإن قوتها ستزيدنا قوة ومنعة، وعندما يدمر الإرهاب مؤسسات واقتصاد سوريا، فإنه يكون بالتاكيد قد طال قضيتنا.
إن قرار مجلس الأمن الأخير على أهميته، لم يحقق استقلالاً سريعاً للفلسطينين، لكنه يضع طوبة جديدة في بناء توجهات الفلسطينين نحو الاستقلال، هكذا تسير الأمور في إطار عملية تراكمية متناسقة ومحسوبة، ولا بد لها وفي النهاية أن تفضي إلى تطور نوعي، فهذه هي حركة التأريخ، وهذا قانون فلسفي موضوعي، لأن التراكم الكمي من الطبيعي في النهاية أن يحمل لنا تغيراً نوعياً، يتمثل في الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية، مطلب يلقى تأييداً متزايداً من العالم، بخاصة وأن الفلسطينين الآن يطالبون بدولة في حدود الضفة والقطاع عاصمتها القدس، ومطلبهم نابع من قرارات الشرعية الدولية، وهم لا يسعوون لتدمير أو اجتثاث أحد، مطلب بات ثابتاً وواضحاً ومُؤيداً أممياً.
وعليه وكما اشرنا في مقالات سابقة، فإن الإنجازات على المستوى الدولي يجب أن تستند إلى قاعدة وطنية فلسطينية، ولن تستقيم هذه القاعدة في ظل الانقسام والتشرذم وهدر الطاقات، فالحديث المعسول عن المصالح من قبل الأطراف المعنية بات كلاماً معاداً مكرراً، ولن يخرجه من دائرة التكرار والملل سوى التطبيق والانطلاق الجدي لتوحيد الساحة بإجراء مصالحة تامة وكاملة تأخذ بعين الإعتبار مصلحة الوطن، ولا تظل حبيسة في قمقم مصلحة الفصيل.