الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

اوباما – اثارة عند انتخابه وازمه وزوبعة عند رحيله

نشر بتاريخ: 29/12/2016 ( آخر تحديث: 29/12/2016 الساعة: 10:09 )

الكاتب: اكرم عطالله العيسة

قبل ثمانية اعوام صعد اوباما الديمقراطي والاسود وذو الاب المسلم حسين الى دفة الحكم في الولايات المتحدة، كان ذلك وبلا ادنى شك موضوعا وتغييرا مثيرا ليس فقط على الصعيد السياسي الامريكي وانما على الصعيد العالمي وعلى مستوى الشرق الاوسط والقضيه الفلسطينية بشكل خاص. واليوم وبينما اوباما وادارته على وشك اغلاق ابواب حقبتهم في ادارة البيت الابيض فان الاثارة هي سيدة الموقف والتي بدأت بالامتناع عن التصويت امام مجلس الامن على القرار 2334 المتعلق بالاستيطان في الضفة الغربية والقدس. خاصة ان الموقف الامريكي كان الاكثر شهرة من بين الدول دائمة العضوية في اتخاذ الفيتو امام اي قرار لا يرضي اسرائيل ولو بالحد الادنى.

وقف اوباما في 4 حزيران عام 2009 امام حشد مصري في جامعة القاهرة ولكن خطابه كان موجها للعرب والمسلمين وكان الخطاب بعيدا عن الكراهية وداعيا للتصالح وعدم العداء. بالتاكيد يمكن ان يقال الكثير حول هذا الموضوع بعد ثماني سنوات من حكم اوباما والدور التدميري الذي لعبته امريكا في كل من سوريا والعراق وليبيا وتقربها من الحركات الاسلامية وكذلك دورها وعلاقتها مع الاخوان المسلمين في مصر ابان الثورة على نظام حكم مبارك، لكن ذلك بحاجة الى موضوع منفرد.
جزء كبير من خطاب اوباما كان حول القضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي، امتدح واكد على قوة ومتانة واستراتيجية العلاقة الامريكية مع اسرائيل، وهذا لم يكن مستغربا ولم يحلم الفلسطينيين يوما بعكس ذلك وانما اعتقدوا بان يكون هناك نظره اكثر عدلا وتوازنا نسبيا اتجاههم واتجاه قضيتهم، في خطابه باعنا اوباما بعض من الامل وبعضا من الوهم وقال " السبيل الوحيد للتوصل الى تحقيق طموحات الطرفين يكون من خلال دولتين يستطيع فيهما الاسرائيليون والفلسطينيون أن يعيشوا في سلام وأمن".

وفيما بعد، ادركنا ان اوباما قد باعنا فقط الوهم ولم يتحول خطابه الى سياسيات عملية لانصاف الفلسطينيين حيث ان معظم خطاباته الاخيرة سواء تلك التي سبقت اعادة انتخابه لولاية ثانية اوتلك التي تلتها بما فيها خطابه الشهير " خطاب الامة" شباط 2013 لم يتطرق ابدا الى القضية الفلسطينية انما عبر وأكد على التزامه بأمن اسرائيل وسلامتها واستمرارها وحمايتها من اي خطر ايراني نووي مستقبلي، وبالتالي ازاح من رؤوسنا ما التصق بها من بعض اعتقادات توهمنا بها خلال خطابه في القاهرة - حزيران 2009 الذي اثار الاعتقاد انه سيعمل على حل قضية الشرق الاوسط الاولى القضية الفلسطينية.

خلال مرحلة حكم اوباما الاولى لم يستطع اوباما ان يحدث اي تغيير على الموقف الاسرائيلي وبقي نتانياهو ممسكا بالدفة من خلال التحريض المستمر على اوباما داخل دوائر صنع القرار الامريكية. اضافة الا انه اي نتنياهو، قد احسن استخدم الايباك في هذا السياق. وبقيت ادارة اوباما بعيدة كل البعد عن لعب دور فاعل حتى في وقف حالة الاستيطان المتوحشة في عدوانيتها، او احداث اي اختراق جديد في دفع القيادة الاسرائيلية الى مفاوضات جدية قد تفضي الى قيام دولة فلسطينية، بل وصل الحد بها الى التهديد والوعيد بوقف التمويل في حالة توجه الفلسطينيين الى الامم المتحدة للحصول على دولة بصفة مراقب.
على الرغم من التوتر الواضح الذي ساد العلاقة ما بين اوباما ونتنياهو خلال المرحلة الاولى من ولاية كلاهما، الا ان عودتهما الى الحكم في امريكا واسرائيل، لا شك اجبرت اوباما على ان يتعاطى مع نتنياهو فهو اي اوباما كان بحاجة الى دعم اللوبي الصهيوني الامريكي من اجل تمرير العديد من القرارات داخل الكونغرس الامريكي، وبالتالي كان بحاجة الي اعادة بناء العلاقة مع نتنياهو ولو بشكل بارد حيث كان ذلك واضحا خلال زيارة اوباما لاسرائيل آذار 2013. خاصة ان التوتر والخلاف بين الادارتين كان بفعل اتفاقية 5 زائد 1 المتعلقة بالنشاط النووي الايراني وبالتالي زاد ذلك من تغييب القضية الفلسطينية.

يبدو ان اوباما وادارته وهم يغادرون سدة الحكم لم يعودوا بحاجة الى نتنياهو الذي ناصبهم العداء والتوتر واحيانا حاول القفز للتدخل في السياسة الداخلية الامريكية وان الديمقراطيين وبعد خسارتهم للانتخابات لصالح ترامب الجمهوري يتحركون بفعل عاملين :
الاول – وهو ذو مضامين سياسية ثأرية اتجاه نتنياهو وهو اي نتنباهو الذي تدخل بشكل فظ لصالح الجمهورين في الانتخابات الامريكية عام 2012، وهو الذي حاول القاء خطابا في الكونغرس متخطيا البرتوكولات السياسية وذلك ضد الاتفاق النووى مع ايران في اذار 2015، ومع ذلك حاولت ادارة اوباما الابقاء على العلاقة مع نتنياهو وعقدت صفقة عسكرية بقيمة 38 مليار دولار معه قبل اشهر، الا انه اصر على التحريض والتدخل لصالح الجمهوريين ورحب ترحيبا غير معهود بقدوم ترامب.
الثاني – وهو بفعل تاثير بعضا من الصهيونية اليسارية، وبعضا من مراكز القوى داخل ايباك وجي ستريت، التي تقول انه يجب على العالم وخاصة امريكا ان تنقذ اسرائيل من تطرف قادتها وايغالهم في سن القوانين العنصرية والاستيطان واغلاق الباب امام حل الدولتين وهو ما يمكن ان يحول اسرائيل الى دولة فصل عنصري " ابرتهايد على شكل جنوب افريقيا" وحينها لن ينفع الندم كما يقول البعض في داخل معسكر اليسار الاسرائيلي.

ان قرار الامتناع عن التصويت من قبل ادارة اوباما على القرار 2334 هو قرار امريكي حتى ولو قال كيري بعكس ذلك وانهم لم يتدخلوا في صياغته خاصة ان المتابع للتصريحات الامريكية على مدى الثماني سنوات الماضية يرى ان القرار يتماهى تماما مع التصريحات الامريكية، كما ان اللمسة الامريكية على القرار تبدو واضحة اذا ما قارنها بكلمة كيري امام وزارة الخارجية الامريكية والتي تمثل هجوما غير مسبوقا على حكومة نتياهو وسياساته الاستيطانية حيث قال بانها تقتل اي امل لحل الدولتين ، لكن انتاج ذلك من خلال قرار مجلس الامن وعدم احباطه بالفيتو هو الذي يعطيه بعدا جديدا ويمثل دعما للقضية الفلسطينية حتى ولو لم يحتوي على اليات تنفيذيه.

يبدو ان ادارة اوباما مصرة حتى اللحظة الاخيرة على زيادة الادرينالين السياسي ليس فقط عند الفلسطينيين والاسرائيليين انما عند ترامب وادارته ايضا، والتي لن يكون من السهل عليها التخلص من الاثار السياسية الناتجة عن الموقف في مجلس الامن ،خاصة بعد ان اعلنت ادارة اوباما دعمها لمؤتمر باريس في كانون ثاني 2017 .