نشر بتاريخ: 01/01/2017 ( آخر تحديث: 01/01/2017 الساعة: 15:33 )
الكاتب: زهير الشاعر
خلال لقائه بالأمس مع قناة الغد صرح الدكتور موسى أبو مرزوق تصريح مثير وفريد من نوعه، حيث دعى إلى فدرالية بين الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، مما أثار حفيظة الكثيرين واشعل وسائل التواصل الإجتماعي التي سخر بعضها من هذا التصريح وإستهجنه البعض الأخر ، كون أن الذي عجز عن إنهاء حالة الإنقسام القائمة لا يستطيع أن يبني أي منظومة أخرى مهما كان شكلها.
من المفيد هنا قبل الدخول بتفاصيل أكثر حول هذا الموضوع أن نتعرف على مفهوم الفدرالية Federalism" "، وهو يعني الاتحاد أو المعاهدة. وسواء كان إتحادا أو معاهدة، فهو يقوم بين طرفين متميزين أو أكثر، تجمع فيما بينهم روابط متينة، لها قدرة ذاتية على تحفيز الأطراف المعنية في سبيل البحث عن صيغة توافق مُرَكب وحدوي قوي، فالفدرالية تعني تحرك الأفراد أو الجماعات المتميزة من ناحية، والمشتركة من ناحية أخرى، نحو تشكيل تجمع واحد يوفق بين رؤى الاتجاهات المتناقضة، انطلاقا من الشعور المشترك بالحاجة إلى الوحدة.
ومفهوم الدولة الفدرالية "State Federal" فهو يعني " الدولة الاتحادية" أو"الدولة التعاهدية"، لأن مصطلح المدينة أو الولاية هي المصطلحات الإدارية الأكثر تداولا في العهد الإغريقي القديم، بينما مصطلح الدولة مصطلحا معاصرا.
ففي العهد القديم ظهر تلقائيا مدن متجاورة، أو ولايات متقاربة، وكان لكل مدينة أو ولاية سلطة خاصة بها، توجه سكان الولاية، وتنظم حقوقهم وواجباتهم، وتحافظ على ثغورها من غزو سكان الولاية الأخرى، وبالتالي كانت هذه الولايات تعيش في معظم أوقاتها حروبا دامية، وقليلا ما تعلن الصلح في أوقات محددة.
لكن في كل الأحوال لم تكن الولايات المتقاربة قديما، تعتمد في إقامة اتحاداتها على أصول دستورية وإدارية متحضرة تأخذ بعين الاعتبار إرادة سكان الولايات بقدر ما كان منهج "الاتحاد القسري" هو المنهج السائد في تلك الحقبة الزمنية.
أيضاً من المعروف أن الدولة الفدرالية هي دولة مركبة من أجزاء متميزة، وهذا التركيب هو الذي يميز الدولة الفدرالية عن الدولة النمطية حيث تتكون الدولة الفدرالية من دولتين أو أكثر، أو من إقليمين أو أكثر، يكون لكل منهما نظامه الخاص، واستقلاله الذاتي، مثل أن يكون لكل ولاية أو إقليم دستور خاص، وبرلمان خاص، وحكومة خاصة، وقوانين خاصة، وأجهزة عسكرية وأمنية خاصة، وموارد خاصة، ولغة خاصة بها.
والحكم الفدرالي قائم في جوهره كما على أساس الدولة الواحدة، من حيث وجود دستور اتحادي واحد، وحكومة اتحادية واحدة، وبرلمان اتحادي واحد، ومحكمة اتحادية واحدة، وجيش اتحادي واحد.
ومن نماذج الدول التي تتمتع بالحكم الفدرالي هي الولايات المتحدة الأمريكية ، كندا ، الأرجنتين ، أستراليا ، النمسا، بلجيكا ، البوسنة والهرسك ، البرازيل ، جزر القمر ، اثيوبيا ، ألمانيا ، الهند ، العراق ، ماليزيا ، المكسيك ، ولايات ميكرونيسيا المتحدة ، نيجيريا ، باكستان ، روسيا ، جزر سانت كيتس وينيفس ، السودان ، سويسرا ، الإمارات العربية المتحدة ، فنزويلا .
كما أن هناك نماذج أخرى تمارس الحكم الفدرالي بحكم الأمر الواقع مثل إسبانيا وجمهورية الصين الشعبية .
وجميع هذه النماذج تمارس الحكم الفدرالي بنجاح يعتمد في جوهره على مبادئ وقيم تعتمد في الأساس على إحترام التعددية والديموقراطية وإحترام حقوق الفرد والتنوع الديني وحقوق الأقليات.
ومن يدقق في حال الوضع الفلسطيني يجد أن الحل الفدرالي هو حل عملي إن توفرت الألية التي تُحترم من قبل الجميع لتطبيقها كما أنه يتوجب تهيئة المجتمع للتعاطي مع متطلباتها وإحترامها، حيث أنه من المفيد في ظل الوضع القائم ، المعقد جغرافياً بين الضفة وقطاع غزة، أن تعتبر كل منها إقليم موحد له حكومته المحلية على اساس أنه سيتم إنتخابها ديموقراطياً، وأنها ستحترم سياسات الحكومة المركزية الداخلية والخارجية، كما أنه على الحكومات الإقليمة أن لا تتدخل برسم السياسة الخارجية للحكومة المركزية بل عليها أن تهتم بالتنمية وبما يخص الوضع الداخلي ومتطلباته.
فهل يظن السيد أبو مرزوق أن الظروف تخدم طرحه هذا في هذا الوقت؟، وهل حركته مستعدة للتعاطي مع المتطلبات المترتبة عليه؟ أم أنه كان يقصد فدرالية جديدة مبينة بمفهوم حركته الخاص ، يعتمد على الإستقلالية لكل حكومة إقليمية بقرارها السياسي؟، وهل لديه ضمانات بأن لا تتحرك مدن الضفة ومدن القطاع لتعلن أقاليم مستقلة أو منفصلة عن هذه الدولة الإتحادية؟.
أيضاً هل لدى السيد أبو مرزوق ضمانة بأن تُحَل الفرق العسكرية التابعة للفصائل الفلسطينية وأن تلتزم بالانضواء تحت مسؤولية جيش الدولة الإتحادية وسياساتها؟.
في تقديري أن السيد ابو مرزوق كان يريد أن يحرك المياه الراكدة أو لربما أنه كان يتحدث عما كان يفكر به في العقل الباطن، أو لربما أنه كان يحاول أن يدخل في حالة حوار مع الرأي العام وأراد أن يعرف ردة فعله على مثل هذا المقترح .
كنت أتمنى أن يعبر السيد أبو مرزوق عن غيرته على وضع المواطن الفلسطيني الذي نشرت قناة الغد قصته وهو يبكي بحرقة على حاله الذي وصل إلى مرحلة أنه لا يستطيع أن يلبس حذاء مناسب في هذا الشتاء القارس وينام في الشارع ولا يجد طعام لا بل إضطر لوضع بناته في بيت الأيتام وهو حي.
كنت أتمنى أن يعترف بشجاعة بأن هذا المواطن وغيره وصلوا إلى هذا الحال البائس نتيجة الإنقسام البغيض الذي يدار بمنهجية مذلة ومهينة نتيجة التمسك بحكم فاشل وبإدارة جلبت النكسات وتسببت بالألام والأوجاع.
ختاماً لا بد من السؤال الأهم وهو هل شعبنا الفلسطيني مؤهل لأن يتقبل فكرة الفدرالية ومفاهيمها، أم أن العنتريات الفكرية القائمة لا تساهم بتطوير أي فكرة كانت قبل أن يتم تهيئة الوضع الداخلي لذلك، وذلك من خلال تجسيد الحكم المؤسساتي وترسيخ ثقافة المرونة السياسية، وهذا لن يتم عبر القمع ومصادرة الرأي والمكابرة في التصريحات وتحدي الظروف الإقليمية والدولية.
فهل السيد أبو مرزوق لديه ضمانات تحفظ جوهر الحكم الفدرالي وتحترم متطلباته وخاصة فيما يتعلق بعملية السلام والإتفاقيات الدولية أم أنه كان يقصد بأن حكم فصيله أبدي وحكم الضفة أبدي والمطلوب تغيير الإسم للوضع القائم من إسم إدارة إنقسام إلى إدارة فدرالية تحفظ لك طرفه حكمه ومزاياه بأمر الواقع وبدون أي إنتخابات تمنح الشرعية؟.
___________________________
* كاتب ومحلل سياسي- فلسطين