نشر بتاريخ: 10/01/2017 ( آخر تحديث: 10/01/2017 الساعة: 10:52 )
الكاتب: هاني المصري
في الجزء الأول من هذا المقال، أوضحت أبرز معالم العام المنصرم، وفي هذا الجزء سأقترح بعض معالم طريق الخلاص الوطني. فما حدث في العام الماضي بالإجمال لا يدعو للتفاؤل، لذا، فليس بالإمكان أن يكون العام الحالي عام إنهاء الاحتلال وتجسيد دولة فلسطين كما صرح الرئيس عباس، لأن مثل هذه التصريحات تغطي على الواقع المعاكس بقصد أو من دون قصد، بما يحرم الفلسطينيين من بلورة الرؤية الشاملة ووضع إستراتيجية العمل المناسبة لتنفيذها.
إن المطلوب أولًا إنقاذ القضية الفلسطينية من الضياع وإبقاؤها حية في مواجهة التحديات الجسيمة التي تتهددها، من خلال التمسك بالمبادئ والحقوق والأهداف الأساسية، وإعادة الاعتبار لها كقضية تحرر وطني، والحفاظ على المكاسب والتمسك بوحدة القضية والأرض والشعب، وإعادة تعريف المشروع الوطني وبنائه، والتراجع عن التنازلات الكبرى التي قدمت سابقًا، وخاصة الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، ووضع حق العودة للاجئين تحت رحمة إسرائيل، من خلال المطالبة بحل متفق عليه لقضية اللاجئين كما جاء في "مبادرة السلام العربية"، وتشريع الاستيطان من خلال الموافقة على إدانة وتجريم المقاومة للاحتلال رغم أنها حق مقدس، والموافقة على مبدأ "تبادل الأراضي"، ما يقتضي سحبه من التداول وعدم الرجوع إليه.
يضاف إلى ذلك إغلاق باب العودة أمام المفاوضات الثنائية التي من الملاحظ منذ فترة أن هناك تمهيدًا متواصلًا لعودتها من خلال الموافقة على لقاءات مع نتنياهو قبل أو بعد مؤتمر باريس، ومن خلال موقف الرئيس بعد قرار مجلس الأمن الذي يؤيد فيه العودة للمفاوضات من دون اشتراط التزام إسرائيل بالحقوق الوطنية الفلسطينية المتضمنة في القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ومن دون الإصرار على أن تكون في إطار دولي مستمر وكامل الصلاحيات، وليس عقد مؤتمر دولي يكون مدخلًا لاستئناف المفاوضات، ويوفر في أحسن الأحوال رعاية دولية شكلية لها.
بينما المطلوب ثانيًا إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي على أسس وطنية وديمقراطية توافقية وشراكة سياسية كاملة، بحيث تعود المؤسسة الوطنية الجامعة التي تقود وتمثل الفلسطينيين قولًا وفعلًا إينما تواجدوا.
وفي هذا السياق، يمكن اعتبار اجتماع اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الذي سيعقد اليوم في بيروت فرصة ذهبية لإعادة بناء مؤسسات المنظمة لتكون بمستوى التحديات المطروحة، وهذا يعني التعامل بكل جدية مع عقد المجلس الوطني، بحيث يتم التحضير له جيدًا، وليس أن يكون فرصة لإعادة هندسة مؤسسات المنظمة على مقاس شخص أو مجموعة أشخاص، أو فصيل وحده، بحيث يحول المنظمة من مرجعية عليا وممثل وحيد إلى مجرد فريق من فرقاء عدة، وهذا إن حصل يكون أكبر إساءة يمكن أن توجّه للمنظمة.
لا بد من رفع الشروط التعجيزية والشروط المقابلة مثل الإصرار على موافقة "حماس" والجهاد على برنامج المنظمة والتزاماتها، والتوجه فورًا لعقد مجلس وطني جديد، فهناك إمكانية لحل واقعي يضمن ترميم وتجديد المجلس الوطني القديم وعقده بأسرع وقت ممكن، والاتفاق على عقد مجلس وطني جديد خلال عام من عقد القديم.
ولإنجاح المجلس الوطني القادم لا بد أن يشمل التحضير له ما يأتي:
- الاتفاق على برنامج سياسي جديد وخطة عمل لتنفيذه لمواجهة المستجدات والمتغيرات الخطيرة والعاصفة، لأن "اتفاق أوسلو" ألغته إسرائيل عمليًّا ومفترض تجاوزه فلسطينيًا، خصوصًا بعد الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، كما أنّ برامج الفصائل المختلفة وصلت إلى طريق مسدود أو تعطّلت.
- معالجة مسائل في منتهى الأهمية، مثل تجديد العضوية للفصائل والاتحادات الشعبية وغيرهم، واستبدال الوفيات أسوة بالفصائل التي من حقها استبدال ممثليها، وهذا يعطي فرصة للتجديد وتوسيع العضوية لتشمل الشباب والمرأة والشتات.
- تقديم تقرير مالي شامل عن الفترة السابقة، وإجراء التغييرات اللازمة لكي لا تبقى مصاريف المنظمة بندًا صغيرًا في موازنة السلطة.
- تشكيل لجنة مهمتها دراسة الميثاق الوطني الفلسطيني، وتقديم مقترح بشأنه للمجلس الوطني الجديد الذي من المفترض أن يعقد بعد عام كحد أقصى من عقد القديم.
- تشكيل لجنة لدراسة النظام الأساسي، وإعادة النظر في أسس تمثيل الفصائل والتجمعات والهيئات والأفراد في المجلس الجديد.
- ضرورة أن يعقد المجلس في الخارج لأن عقده في الداخل يجعله تحت رحمة الاحتلال، وإذا تعذر ذلك فيمكن عقده في ثلاث قاعات (الضفة الغربية، قطاع غزة، الشتات) عبر تقنية الفيديو كونفرنس، بما يضمن مشاركة الأعضاء من دون تدخل من الاحتلال الذي يستطيع أن يمنع من يريد من المشاركة سواء إذا عقد في الداخل أو الخارج.
الوقت الآن ليس وقت مفاوضات، والحل الوطني ليس على الأبواب، وإنما الوقت الآن لتوفير مقومات استمرار تواجد الشعب الفلسطيني على أرض وطنه، والصمود، والمقاومة، والمقاطعة، والوحدة؛ من أجل تغيير موازين القوى حتى تكون إسرائيل مجبرة على قبول التسوية التي تتضمن في الحد الأدنى إنهاء الاحتلال دون تنازل عن الرواية التاريخية ولا عن بقية الحقوق، وإقامة الدولة على أراضي 67، وإذا رفضتها ستكون معرضة لخسارة كل شيء.
إن الأولوية الآن للحفاظ على المكاسب ونقاط القوة التي لا نزال نملكها، وتعزيزها، وتقليل الأضرار والخسائر، وإحباط المخططات الإسرائيلية الرامية لاستكمال تهويد القدس وأسرلتها، ونقل السفارة الأميركية إليها، وهدم الأقصى وإقامة "هيكل سليمان" المزعوم بدلًا منه، وضم المزيد من الأراضي لإسرائيل بدءًا بمستوطنة "معاليه أدوميم" كما هو مطروح في المشروع الذي قدمه الوزير نفتالي بينيت للكنيست لإقراره نهاية هذا الشهر.
كما لا بد من التركيز على مواجهة وإحباط الخطر الداهم المتمثل بالاستيطان الاستعماري الذي يريد أن يستكمل خلق أمر واقع احتلالي لكي يفرض نفسه على أي حل قادم بصورة تستجيب لإحدى صيغ الحل الإسرائيلي التي تتراوح هذه الصيغ ما بين إبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، وأبرز ما يميزه استمرار الحكم الذاتي والضم الزاحف وفرض الحقائق الاحتلالية على الأرض، وبين الضم لكل الضفة أو للكتل الاستيطانية أو لمناطق (ج)، وبين حل على حساب الأردن أو بإشراكه في السيطرة على المعازل الآهلة بالسكان في الضفة ودفع القطاع لحضن مصر، أو إقامة دولة فلسطينية في غزة بضم مساحات من سيناء لها أو من دون ذلك، على أن تلحق بها معازل الضفة أو من دون إلحاق، بحيث يكون هناك حل "الإمارات السبع" الذي طرحه موشيه كيدار، والذي يقضي بحل السلطة وإقامة سبع إمارات بدلًا منها تتنازع فيما بينها، وتخضع كلها للسيطرة الإسرائيلية.
إن قضيتنا قضية عادلة، والرأي العام العالمي مؤيد للحق الفلسطيني، والكثير من الدول سئمت من تعنت إسرائيل وتطرفها وعنصريتها، وإن دعم ترامب لها لن يعطيها عصا سحرية تمكنها من تنفيذ أطماعها كما تعتقد، لأنه إذا نفذ ترامب ما تعهد به في حملته الانتخابية فسيساعد على قيام جبهة عالمية ضده مركزها المعارضين له في بلده، وستنتشر على امتداد العالم كله. فالطريق أمام ترامب ليست سالكة، فهو سيستعدي الكثير من دول العالم، من ضمنها الصين وإيران والمسلمين والأقليات والقوى الديمقراطية والتقدمية والمدافعة عن حقوق وحريات الإنسان، وهذا يعني أن جبهة أعدائه كبيرة، وأن طريقه سيكون شاقًا ومعرضًا فيه للهزيمة والتراجع، فهو أتى من خارج النظام، والنظام الراسخ منذ فترة طويلة لن يستسلم بسهولة.