الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

أبعد من القبيلة والإيدولوجيا الإنسان العربي مشروعا

نشر بتاريخ: 13/01/2017 ( آخر تحديث: 13/01/2017 الساعة: 22:27 )

الكاتب: د. بسام عويضة

بداية، أودُ الإشارة إلى أنَ عنوان هذا المقال مأخوذُ من عنوانِ كتابٍ لأحد قادة الفكر والثقافة والشعر في العالم العربي وهو الشاعر اللبناني ميخائيل نعيمة 1889 -1988 الذي كان بعنوان ( أبعد من موسكو ومن واشنطن ).
وللعلم فقط فإن ميخائيل نعيمة كان نائباً للكاتب العربي جبران خليل جبران في الرابطة القلمية،ومن حسن الطالع أن السنة التي ولد فيها نعيمة 1889، ولد فيها ايضاً عميدُ الادب العربي طة حسين والكاتب عباس محمود العقاد – سنة خيرٍ كانت على عالمنا العربي، سنة مختلفة عن سنواتنا.
حاولَ جلُ المفكرين العرب، البحث عن أسباب الخلل التي ادت إلى سوء الحال في العالم العربي، فقد عمدوا إلى الحفر اركيولوجياً لمعرفة بواطن الخلل.
منهم من قالَ إن بنية وتكوين العقل العربي والقرارات السياسية التي نتجت عن سقيفة بني ساعدة، هي سببُ الإشكالية على حد رأي المفكر المغربي محمد عابد الجابري.
الجابري، ارجع العلة إلى آلة الإنتاج ،فهو يرى أنه لا نهضة عربية دون آلة إنتاجها،ولكن آلة الإنتاج هذه معطلة،ولهذا أطلق على العقل العربي" العقل المستقيل".
أما القسم الاخر، فقالوا: يا مسلمين أعيدوا قراءة القرآن قراءة تأويلية تاريخية، أجروا مصالحةً بين الاسلام والحداثة وبين العقل والشريعة،كما فعل ابن رشد ومحمد عبدة الذي قال ( مرجع العلوم الدينية هو العقل الإنساني).
وأضافوا أيضاً بأن أوروبا لم تتطور إلا عندما فسرت الإنجيل تفسيراً يتماشى والعصر. هذا كان رأي المفكر الجزائري محمد اركون الذي اراد نقل الماضي إلى الحاضرولكن مع "تلبيس" الدين طربوش التنوير. أي عقلنة الإيدولوجيا الدينية.
القسم الثالث، اعتقد ان الحل يكمن في احضار الماضي إلى الحاضر،أبرزهم على سبيل المثال لا الحصر: أنور الجندي الذي كتب حوالي 400 كتاب – يمكن قراءة عناويين كتبه من خلال الإنترنت - وأبو الأعلى المودودي الذي ألف 70 كتاباً، ومحمد قطب 34 كتاباً، ومحمد الغزالي 36 كتاباً ، القرضاوي أكثر من 70 كتاباً، تقي الدين النبهاني 31 كتاباً، والقائمة تطول.
إنتاج غزير، ولكن جميع هذه الكتب تتمحور حول المعارك الإسلامية والصحابة وأهمية الحجاب والغرب الكافر والأحاديث النبوية.
كل المفكرين العرب على إختلاف مشاربهم وتوجهاتهم لا يبحثون إلا في التراث، قسم يبكي وقسم ينتقد ، أستاذ الفلسفة في جامعة دمشق السورية سابقا ً د. أحمد برقاوي كان موفقاً في تلخيص ما سبق: قال بالحرف الواحد: ( المفكرون العرب ارهقوا الفكر، معتقدين أن علة الحاضر ليست في الحاضر أو في الماضي، وإنما في ماضٍ يجب أن يكون حاضراً بثوبٍ جديد وهنا منطق الفكر المأزوم).
هناك بعض المفكرين العرب تناولوا الأمور من جانب مختلف، ودخلوا مباشرة إلى قلب الحداثة، فقد كتب سلامة موسى عن التربية وشبلي شميل عن نظرية التطور وأصل الانواع وجبران خليل جبران عن الفكر الإنساني.
أمام هذه الصورة الدراماتيكية لا يريد الفكر العربي المحاصر أن يفك يديه من القيد أو ان ُيخرج نفسه من السجن، إنه يعشق الماضي والبكاء على الاطلال والعيش بلا افق أو تطلع، يحب البقاء في فترة زمنية قصيرة وفي بقعة جغرافية محددة والباسهما لباس القداسة والتبجيل حتى ُخيل لبعضنا أن الخروج من هذا الزمن هو خروج من التاريخ.
ما أريد أن أصل إليه،أن هناك شئ أبعد من القبيلة ومن الإيدولوجيا،
هو صناعة العلوم.
يعتبر الغرب مهد الجامعات العلمية العريقة،هذه الجامعات ظهرت في البداية على شكل كليات لتعليم اللاهوت ـ تطورت فيما بعد إلى جامعات علمية عريقة، أصبح لها باع طويل في تطوير المجتمع والدفع بأكبر الدراسات والأبحاث لاكتشاف أفضل السبل في تطوير علم الاكتشافات والعلوم الإنسانية والطبيعية.
ففي بريطانيا هناك جامعة اكسفورد التي تأسست عام 1209 وكامبريدج 1209 ، اما في ايطاليا فقد اقيمت جامعة نابولي 1224 في حين شيد الفرنسيون جامعة السوربون عام 1253 ، وفي سويسرا تأسست جامعة بازل 1459، كما ظهرت جامعات ألمانية عريقة مثل فرايبورغ 1457 وهايدل بيرغ 1386 ، اما في الولايات المتحدة الأمريكية تأسست جامعة هارفارد 1636 وجورجتاون 1789 وجامعة نورث ويسترن العريقة في مدينة شيكاغو.
الجامعات في العالم العربي هي عبارة عن مدارس ثانوية تركز فقط على التدريس وإعطاء الشهادة الكرتونية ،تعتبر مكانا للتسامر أو فرصة للتعارف أو الهروب من العمل أو من تعلم مهنة بعكس الجامعة الغربية التي تركز على البحث العلمي والإبداع وتثقيف الفرد وحثه على أن يكون عنصراً فعالاً في المجتمع لا رقما زائداً بين الأرقام.
لهذا لا يوجد جامعة عربية واحدة من بين أول 200 جامعة على مستوى العالم مقابل 6 جامعات إسرائيلية.الجامعات العربية لا يوجد بها مجلات للبحث العلمي.
النظام الرسمي العربي يريدها جامعات فارغة من مضمونها، بنايات، لا يوجد بها بحث علمي، لأن النظام حريص كل الحرص على ابقاء الثقافة التقليدية العربية سائدة باعتبارها الضامن الحقيقي لابقاء هياكل السلطة القبلية كما هي.
ينبغي على الجامعات العربية أن تقوم بفتح برامج تقنية ( صناعات )، واذا لم يوجد متخصصين لماذا لا تقوم الجامعات العربية ووزارات التربية والتعليم بارسال الآف الطلبة العرب للدراسة في الجامعات الغربية كمنح ونقل التخصصات التقنية إلى العالم العربي، المفكر المصري سلامة موسى طالب بنقل ما اسماه (إيدلوجية الآلة) .
ينبغي على المفكرين العرب الاجابة على السؤال المركزي وهو: كيف ننهض؟
أو بعبارة أخرى: كيف نحقق ارادة سياسية وتنمية ثقافية وفكرية واقتصادية في بلادنا ؟ كيف نصلح التعليم أداة ومضمون ؟ وكيف يمكن لنا بناء إنسان عربي جديد.
العلوم تخلق من الإنسان " التقليدي " إنسانا مفكرا، يفجر بذرة بداخله، لكي لا يبقى رقماً، بل صانع للحدث. العلوم تخلق الفكر، والفكر يخلق إنساناً ،والإنسان يخلق المؤسسة والمؤسسة تخلق القانون والمواطنة والدستور.
بعد ذلك تأتي الدولة.
بدون ذلك، سنبقى خارج دائرة التاريخ، أي خارج دائرة الزمان والمكان.
[email protected]