الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

مؤتمر باريس الدولي للسلام

نشر بتاريخ: 15/01/2017 ( آخر تحديث: 15/01/2017 الساعة: 15:36 )

الكاتب: زهير الشاعر

لا شك بأن عدم تجاوب إسرائيل بالمشاركة في حضور مؤتمر باريس الدولي للسلام الذي سيعقد اليوم قد أفقده قيمته الحقيقية، ولكن لا يمكن إغفال حقيقة أن مجرد إنعقاده بحضور سبعين وفداً دولياً منهم أكثر من أربعين وفدٍ على مستوى وزراء الخارجية، بعد أن طال إنتظاره، وفي ظل التحديات التي تواجه الساحة الدولية ، بأنه يمثل إنجازاً معنوياً لا يمكن التقليل من شأنه حتى أكون منصفاً .
لذلك كان من المنطقي بعد أن تطرقت في عدة مقالات سابقة إلى هذا الموضوع بأن أتحسس حالة القلق التي تواجه القيادة الفلسطينية، والتي جاء التعبير عنها في سياق تصريح المستشار الدبلوماسي للرئيس الفلسطيني محمود عباس، مجدي الخالدي، الذي قال فيه لإذاعة وطن أمس بأن اتصالات تمت خلال الأيام الماضية لرفع مستوى الوفود التي ستحضر مؤتمر باريس لما له من أهمية، مشدداً على ضرورة الخروج بقرارات هامة لدفع العملية السياسية للأمام, خاصة بعد إعلان الحكومة الاسرائيلية رفضها للمؤتمر والمشاركة فيه ، وهذا أمر جيد التفكير فيه وبمنطقه!.
من الجدير ذكره أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد وصل بالأمس إلى روما في زيارة قصيرة زار فيها الفاتيكان وإجتمع مع البابا فرنسيس قبل يوم واحد من إنعقاد مؤتمر باريس الدولي ، حيث أثنى على أهمية مواقف البابا وتوجهاته وتحركاته لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني من الإحتلال.
ما لفت نظري في هذه الزيارة منذ بدايتها هو الإستقبال ضعيف المستوى في المطار للرئيس محمود عباس والوفد الرافق له حيث كان على مستوى رئيسة البروتوكول في وزارة الخارجية الإيطالية إلى جانب سفيري فلسطين لدى إيطاليا والفاتيكان وجمع من أبناء الجالية الفلسطينية الإيطالية، ولم أجد تفسيراً لذلك، ولكنه لربما كان بسبب قصر الزيارة أو لأنه لم تكن في الاساس كزيارة رسمية لإيطاليا ولكن للفاتيكان، حيث أنني كنت أتمنى لو أن ترتيبات الإستقبال كانت على مستوى أفضل لتحمل رسالة سياسية، خاصة بأنها جاءت قبل عقد مؤتمر باريس الدولي للسلام بيوم واحد.
أيضاً، بالأمس وقبل مؤتمر باريس بيوم واحد وفي ظل الأخبار التي تتحدث عن نية الإدارة الأمريكية الجديدة المضي قدماً في قرارها نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس ، كانت حالة التوتر في صفوف الفلسطينيين تتزايد طردياً ، خاصة أنه لوحظ بأن هناك إشارات كثيرة تعبر عن حالة القلق التي تنتاب القيادة الفلسطينية خشية من تنفيذ مثل هذا القرار الذي سيضعها بلا شك في مأزقٍ وطني أمام أبناء الشعب الفلسطيني!، حيث خرجت تصريحات نارية عن حركة فتح قال فيها الناطق الرسمي بإسمها أسامة القواسمي، بأن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية وفقا للقانون والشرعية الدولية والقرارات الأممية ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية، والتي كان آخرها القرار 2334 الذي نص على إدانة الإستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 والذي حظي على إجماع دولي تاريخي وغير مسبوق ، وأن التوجه لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس يمثل حالة إعتداء على تاريخ الشعب الفلسطيني ودينه وموروثه الثقافي وحقه القانوني في أرضه ومقدساته ، وبأن الشعب الفلسطيني سيدافع عن القدس وعن الأرض الفلسطينية مهما بلغت التضحيات!.
وبالرغم من قناعاتي بأن هذه التصريحات تأتي في سياق ينطبق عليه المثل القائل "كلامك يا عنتر مثل زخات الرصاص في الهواء!"، وهي في تقديري مبرمجة وموجهة وتأتي في سياق التنفيس ، كما أنني أجد فيها إستعجالاً وإستباقاً للأحداث غير موفق ، حيث أن الحكم على سياسة إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إتجاه هذا الملف كان متسرعاً، خاصة بأنه لم يتسلم الحكم بعد، وكل ما قيل في هذا السياق لا زال أمراً إعلامياً جاء في سياق تصريحات متناقضة وغير ملزمة كونها تمثل إجتهادات شخصية على لسان مسؤولين عدة في الإدارة الأمريكية الجديدة ، كما أنه في عالم السياسة لا يجوز الحكم على التصريحات الإعلامية المسبقة أو التعاطي بعقلية عنتريات صدامية لا تقدم ولا تؤخر سوى أنه لربما تجلب ضرراً لا لزوم له!، لا بل من المفيد أن يكون هناك قدرة على الإحتواء وصناعة العلاقة مهما كانت التعقيدات والتحديات موجودة ، وإستراتيجية في العمل لتفكيك المواقف المعقدة ، ومرونة في إستخدام الأدوات التي تتلائم مع تحديات كل مرحلة بدون هذا النوع من التشنج والتهديد والوعيد خاصة في ظل ضرورة إحترام أسس العلاقات الدولية وعدم الإخلال في فهم الموزاين والقوى!.
لذلك لابد من الأخذ بعين الإعتبار، أن مؤتمر باريس الدولي يأتي في ظل الحديث عن إنتخابات فرنسية قريبة وتحديات داخلية تواجه الرئيس الفرنسي هولاند ، وكونه إستطاع أن يجسد هذا الأمر واقعاً وإستطاع أن يعقد هذا المؤتمر بالفعل ، بالرغم من أن أكثر المتفائلين حظوظاً لم يكن يتوقع بأن هذا المؤتمر سيرى النور أو يُعْقَد بالفعل.
وبغض النظر عن حجم الحضور ونوعيته، إلا أنه يبقى هناك حقيقة بأن مؤتمراً دولياً للسلام في باريس قد عُقِد! ، وأن هناك توصيات دولية قد خرجت وسُجِلَت للتاريخ، وبأن هناك أيضاً جهوداً دولية لا زالت تبذل للمحافظة على مبدأ حل الدولتين الذي بات يواجه تحديات جمى أثارت تخوفات العالم من أن الإقرار بفشله يعني الدخول في دوامة عنف لا أحد يعرف مداها والجميع يدرك الحاجة لتجنب هذا الخيار وأهمية ذلك بالنسبة للسلم العالمي!.
من الواضح أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس بات يواجه تحديات جمى، وبالتالي فإن ما سيتمخض عنه هذا المؤتمر مهما كان سيمثل نوع من الرافعة الداعمة له على الأقل في الأشهر القليلة القادمة، ولربما يكون ذلك حافزاً جيداً بالنسبة له لينطلق بجهود دبلوماسية جديدة تؤمن له الإستمرار كخيار وحيد لا زال متوفراً، تعمل على جلب المزيد من الإعترافات الدولية إن خدمه الوقت لكسب علاقة طبيعية مع إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، الذي يبدو بأنه سيبدأ مرحلته الرئاسية بمواجهة تحديات جمى على المستوى الداخلي والدولي والذي في تقديري سينعكس بالسلب على هذه العلاقة ولن يعطيها حظوظاً من الإهتمام في الوقت الحالي.
لذلك فإنني أرى أن مؤتمر باريس الدولي سيمثل فرصة أخيرة في هذه المرحلة ليحمل مناشدة فلسطينية ودولية للإدارة الأمريكية الجديدة لحماية حل الدولتين أكثر من أن يتمخض عنه مبادرة دولية فعلية وملزمة أو ذات جوانب مؤثرة، خاصة من أن المعادلة التي من المفترض أن تجمع طرفي الصراع لا زالت ناقصة كون أن الطرف الإسرائيلي رفض الحضور أو المشاركة في هذا المؤتمر.
كما أن هذا المؤتمر سيكون حافزاً مشجعاً لأطراف الحوار في العاصمة الروسية موسكو لأن يخرجوا بموقف موحد إتجاه ضرورة إرساء مصالحة فلسطينية عاجلة تبدأ بتشكيل حكومة وحدة وطنية على الفور ، وتكون أساساتها مبنيةٍ على ضرورة إختيار أدوات فاعلة وقادرة على حمل المسوؤلية في المرحلة القادمة والتعاطي مع متطلباتها.
لذلك في تقديري، أنه للأسف أن مؤتمر باريس الدولي لن يجلب معه حل سحري في هذه المرحلة ، يعيد الأمل للشعب الفلسطيني، الذي طال إنتظاره للحصول على حقوقه المشروعة ، ولكنه سيسجل علامة فارقة تحمل شهادة جديدة ، بأن المجتمع الدولي لا زال حريصاً على إيجاد حلٍ عادل للقضية الفلسطينية، ولا زال يحاول أن يحمي حل الدولتين من الإنهيار ، وأن ذلك يحتاج للتأكيد على ضرورة دعم جميع الأطراف الدولية بما فيها طرفي الصراع ، لا عدم إلتزام أو تجاهل وتغيب أحدهما.
نعم مؤتمر باريس الدولي سيسجل شهادة جديدة مفادها أن الفلسطينيين لا زالوا متمسكين بعملية السلام، وأن هذه العملية تحتاج لجهودٍ توافقية ودعم دولي وإصرارٍ على العمل الجاد من أجل إيجاد حلٍ عملي ومنطقي للقضية الفلسطينية التي باتت تمثل العمود الفقري لأساس الإستقرار في منطقة الشرق الأوسط، لا بل في العالم أجمع.
لذلك فإن مؤتمر باريس الدولي للسلام سيعلق الجرس من جديد ليشير إلى مخاطر إنهيار حل الدولتين بمجرد إنعقاده، بالرغم من كل التحديات التي تواجهه، وذلك بهدف إستنهاض الهمم الدولية من أجل العمل سوياً للمحافظة على هذا الحل وحمايته كونه هو الوحيد الذي لا زال يحمل بارقة الأمل الوحيدة والممكنة لصناعة السلام بين شعوب المنطقة.