الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

اسرائيل تخسر حتى الاصدقاء

نشر بتاريخ: 16/01/2017 ( آخر تحديث: 16/01/2017 الساعة: 10:32 )

الكاتب: عصام بكر

في ذروة الفضائح المختلفة التي تجتاح اركان حكومة بنيامين نتنياهو وتعصف بالمشهد الاسرائيلي عموما على احتمالات عديدة بما فيها الذهاب لانتخابات مبكرة والدعوات بهذا الخصوص ضمن هجوم شرس يتعرض له نتنياهو شخصيا ونصيحته بالجلوس في البيت والاستقالة بعد التحقيق معه لعدة مرات بتهم الفساد من قبل الشرطة وما تناقلته الصحافة الاسرائيلية حول تورطه في عدة قضايا بشكل فعلي ومباشر من رشاوي وقضايا اخرى تتعلق بالملفات الداخلية وعدم القدرة على السيطرة على الائتلاف الحكومي الذي يتراسه ، وامام مشهد مختلف اخر يتعلق بحالة الارباك الحاصلة في اطار التداعيات لعملية الدهس قبل ايام التي اوقعت حوالي عشرين جنديا بين قتيل وجريح في القدس والتي تشير تقديرات الاجهزة الامنية لثغرات واسعة في منظومة الامن وعدم القدرة على وقف هذا النوع من العمليات في المستقبل وهي اي اجهزة الامن لا تملك حلولا لها - في اعتراف واضح بالفشل الذريع لكل التقديرات التي بنيت عليها التوجهات الاستخبارية في اسرائيل ، واوصت بعض دوائر تلك الاجهزة ان الحل الامني بدون حلول سياسية لن يكون مفيدا وناجعا وهو استنتاج يشير الى تصاعد الشرخ بين الامن والساسة في اسرئيل وليس ابلغ وصفا للحالة من قول والد احد الجنود الذين قتلوا في عملية الدهس واقتبس حرفيا تقريبا مما نشره على مواقع التواصل الاجتماعي " لقد عملنا كل شي لتخريب حياة الفلسطينين ، اغلاق للطرق ، منع الحركة وتقيدها ، اذلال يومي ماذا نتوقع منهم ؟؟ "هذه الجملة تلخص الكثير عن صورة المعاناة اليومية التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال ، مع تصاعد موجات الاستيطان ، وهدم المنازل ، ومعها تصاعد الاصوات من اركان حكومة نيتنياهو بضم الكتل الاستيطانية ، وهستيريا فرض القانون الاسرائيلي على مستوطنات الضفة الغربية وتعكس حالة لا تريد فهم ان بوابة الامن وحدها لن تجلب الامن مثلما كانت في الماضي ايضا .
في ذروة كل هذا والحقائق التي تبدو صادمة لبعض الاوساط دوليا وفي تأملات الصورة " المتعكرة " في اسرائيل هناك صورة اخرى لتصدعات في اماكن اخرى في امريكا وفي اوروبا وغيرها واحدة من التعابير التي تكشف ان هناك تغيرا ما قد حصل ربما هو في طور البداية ما جاء في خطاب كيري وزير الخارجية الامريكية قبل قرار الكونغرس الامريكي وفي البلد الاقرب والاكثر تأييدا لاسرائيل والداعم المطلق للاستيطان حين قال ان الولايات المتحدة لا يمكنها استمرار الدفاع عن اسرائيل امام المحافل الدولية بما فيها في الامم المتحدة واضاف ضمن ما بات يعرف بمباديء كيري ان مواصلة الاستيطان ورفض التسوية انهاء حل الدولتين يجعل اصدقاء اسرائيل في الزاوية وعدم المقدرة على الدفاع عنها او بمعنى اخر استمرار تبرير جرائمها بحق الشعب الفلسطيني فهو يدرك ولو متاخرا ان هناك مخالفات خطيرة للقانون الدولي في الاراضي المحتلة 67 وفي مقدمتها الاستيطان الاستعماري ولم يعد معها من المفيد والملائم استمرار التغطية عليها وهذا برأيي لا يعكس ان موقف الولايات المتحدة قد تغير جذريا تجاه اسس الصراع في المنطقة ولا تجاه استمرار تقديم الدعم الاميركي المفتوح لاسرائيل .
ومع ذلك يحمل التصريح اعترافا خطيرا بان معسكر اصدقاء اسرائيل في العالم لم يعد واثقا ان ما تقوم به من اجراءات يمكن التستر عليه او الدفاع عنه او هو كان على ادراك بما تقوم به ولكنه ظل حبيس معتقدات جرى الترويج لها لسنوات طويلة ولكن لم يكن بمقدور تلك الاطراف الاعلان عنها بشكل علني ، صورة مقلقة ، مخجلة ، مفزعة لاسرائيل امام العالم رغم محاولات اخفاء تلك الصورة ، ومحاولات اقناع العالم باستمرارالتشدق " بواحة الديمقراطية " في الشرق الاوسط فالصورة اليوم هي لدولة اشبه بعصابات وانا احاول التركيز على معسكر الاصدقاء المخلصين لاسرائيل اليوم العالم يفيق على اعدامات ميدانية شبه يومية بدم بارد كما حصل على سبيل المثال مع الشهيد الشريف في الخليل مؤخرا ، او الصالحي في مخيم الفارعة بالقرب من نابلس او الاحكام على الاطفال في السجون احكام تصل لسنوات كما جرى مع الطفل مناصرة او الطفلة تنسيم ، اليوم الوضع تغير اسرائيل فزعة يسكنها الخوف والقلق الدامي من ان مسارها الحافل بالانتهاكات ربما يقودها لنهاية اشبه بما جرى مع نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا في تسعينات القرن الماضي ، حتى اقطاب المعارضة الذين تناغموا مع نتنياهو باتوا الان اكثر ادراكا انه يقود اسرائيل نحو المزيد من الخسائر وتراجع وضعها على المستوى الدولي ، وما قالته وزير الخارجية السابقة تسيفي ليفني يدل بوضوح على مدى الانشطار الحاصل وامكانية انهيار الائتلاف الحكومي حيث طلبت ليفني من رئيس الحكومة العودة " للبيت " اي مغادرة المشهد السياسي ، وبات الحديث عن نمو اتجاهات فاشية في اسرائيل يتردد كثيرا وينذر حتى المجتمع الاسرائيلي نفسه بويلات وقرارات لا تحمد عقباها .
القلاع الحصينة دوليا تسقط اليوم ونتنياهو في اسوء وضع يمكن ان يكون عليه داخليا يحاول ارضاء المستوطنين للمحافظة على الحكومة ولن يحاول الخروج عن برنامج المتطرفين المتشددين وهو احد الداعمين لهم في الماضي واليوم ايضا وخير مثال على ذلك ما قاله بعد قرار المحكمة بتبرأة الجندي ازاريا قاتل الشهيد الشريف في الخليل بعد ان وجهت تهمة القتل "غير العمد " حيث طالب بالعفو عن الجندي القاتل ، وليس اقل من نماذج تسارع وتيرة الاستيطان وبناء مئات الوحدات الاستيطانية ، اما على المستوى الخارجي فالاصدقاء الذين وفروا كل الدعم والاسناد والحماية ، ومنعوا اصدار قرارات بملاحقة اسرائيل دوليا اخذوا ينظرون اليوم لصورة مختلفة زاوية اخرى غير التي غرر بهم لمشاهدتها طوال عقود ، وما قرار الامم المتحدة الذي اعتمد قبل فترة وجيزة قبل فترة باغلبية 177 صوتا لصالح حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وما تلاه من قرار 2334 في مجلس الامن باغلبية 14 صوتا بعدم شرعية الاستيطان الاستعماري على الارض المحتلة بما فيها القدس والدعوات لوجوب احترام اسرائيل والتزامها كدولة احتلال بالقانون الدولي ووقف مخالفاتها بما فيها الاستيطان ، هذه مؤشرات تعكس تنامي ارادة دولية اكثر جدية من ذي قبل تجاه النظرة لمجريات الصراع في المنطقة ، اوروبا مثلا تتحرك لاصدار قرارات جديدة بمقاطعة للمستوطنات بشكل فاعل اكثر بعد قرار سابق بوسم منتجاتها وهناك توصيات من اطراف وازنة في اوروبا لزيادة الضغط على اسرائيل امام الصورة القاتمة التي لم يعد بمقدور احد استمرار الدفاع عنها او تبريرها .
هذا يجري على المستويات الرسمية او شبه الرسمية ضمن مشاورات وحراك يجري ضمن لقاءات سياسية بناء على توصيات وتوجيهات عديدة فلسطينيا ، وربما بانتظار قرارات جديدة بما فيها رفع المكانة القانونية بعد الاعتراف بدولة فلسطين بصفة مراقب في المؤسسة الدولية واعتبارها دولة كاملة العضوية تحت الاحتلال وهذا يتطلب جهد دولي متزايد لانهاء الاحتلال عن اراضيها تطبيقا للقرارات الدولية بما فيها القرارات الاخيرة ومنها حق الشعب الفلسطيني بالسيادة على موارده الطبيعية ومقدراته ، بينما على مستويات غير رسمية تتنامى حركة المقاطعة لاسرائيل وفرض العقوبات عليها وسحب الاستثمارات منها ، هناك منظمات وحركات وجامعات ونقابات عمالية في انحاء العالم باتت ترى الصورة بوضوح واصبح بامكانها التعبير عن مواقفها واعلاء صوتها انسجاما مع مباديء السلم والعدل ورفضا لسفك الدماء والمجازر والحروب بامكاننا ان نرى بوضوح اكثر مواقف في غاية الوضوح مثلا مقاطعات كاملة في اسبانيا اعلنت انها مناطق خالية من التمييز العنصري الاسرائيلي ، جامعات داخل الولايات المتحدة وكندا ، تشيلي تصوت لصالح المقاطعة .
المطلوب بعد كل هذا التغير ان نرى هذه التحولات الجارية من زاوية تغير بعض المواقف فلسطينيا ومضاعفة الجهود رسميا على المستوى الدولي بعد اعادة ترتيب البيت الداخلي وانهاء الانقسام باعادة بناء نظام سياسي فلسطيني وبات من المناسب تبني المقاطعة بشكل رسمي بعد قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الاخيرة واعتبار المقاطعة احد اشكال المقاومة الشعبية السلمية المطروحة كساحة مواجهة مع الاحتلال بعد انغلاق الافق السياسي ، وانسداد امكانية التوصل لتسوية تنهي الصراع على اساس قرارات الامم المتحدة ، وهو ما يعني التوجه للامم المتحدة لفرض قراراتها بقوة الارادة الدولية والقانون الدولي
المنظومة الدولية التي انتسبت اليها اسرائيل او نسبت نفسها اليها وشكلت درعا واقيا لها على مدار سنوات الصراع تتبدل ولو ببطىء هناك تغير يجري امام مصالح تكتلات دولية فاعلة وامام نشوء تحالفات اخرى وتبدل مراكز لاعبين رئيسين في المنطقة والعالم وبالتالي هي معرضة للمزيد الهزات ، نتنياهو ووزير خارجيته ليبرمان مواقف الحكومة اوصلت اسرائيل لاكثر اسوء اوضاعها على مستوى العالم ، تكاد تصل للعزلة الكاملة ، وسقوط قناع الديمقراطية ومحاولات تغليف الانتهاكات بحق الدفاع عن النفس ووسم النضال المشروع للتحرر الوطني الذي يخوضه الشعب الفلسطيني بالارهاب باتت مكشوفة ولا تنطلي على احد في ظل الداعشية الاسرائيلية وازدياد التطرف والعنصرية وتهديد مقومات استمرار "الدولة " نفسها
الامر ليس سهلا ولكنه يحتاج للمزيد من الخطوات السياسية والدبلوماسية وحشد المزيد من التأييد والتضامن الدولي لاعادة القضية الفلسطينية كقضية محورية في المنطقة واساس الصراع الجاري وجوهر التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة ومن شأن حلها ان يشكل بوابة لحل مختلف القضايا الاخرى ، اما اسرائيل فخسارتها لمعسكرات قوة ونفوذ في العالم ستستمر والعالم امام معادلتين اما ان ينحاز للشعوب المقهورة وحقها في تقرير مصيرها واما ان يستمر في دعم احتلال يمارس كل اشكال القتل والارهاب وتدمير القيم الانسانية واسرائيل امام توجهات من خطين ايضا الاول استمرار الاستيطان والاحتلال والتوسع وفتح الصراع من نقطة الصفر وانهاء اي امكانية لتسوية تحقق العدل والسلام او تطبيق القرارات الدولية وانهاء الاحتلال .