نشر بتاريخ: 16/01/2017 ( آخر تحديث: 16/01/2017 الساعة: 13:38 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
رغم جميع محاولات اسرائيل انشاء شعب الا ان الحركة الصهيونية عجزت عن ذلك طوال مئة عام، ولا تزال الجماعات اليهودية التي استوطنت اسرائيل مجرد جبهة داخلية متباينة في الثقافة والعامل السيكولوجي والمستوى الاقتصادي واللغة والدين، وان راهنت الحركة الصهيونية على عامل الدين لوحده ان يخلق شعبا فقد باءت المحاولة بالفشل، وان حاولت بعدها استحداث اللغة العبرية الجديدة بشكلها الحالي الا ان هذه اللغة لم تكن كافية لتأسيس شعب، وان حاولت في مرحلة ثالثة نقل خزانات الديموغرافية البشرية من اثيوبيا والاتحاد السوفييتي واوروبا ونقلت اكثر من 2 مليون مستوطن الى فلسطين الا ان النتيجة لم تتغير وان كانت تأجلت لعشرين سنة. وبالتالي فان اسرائيل تتحول رويدا رويدا الى دولة بلا شعب. دولة قوية بالسلاح والمال والتكنولوجيا والادارة والشوارع والمرور ولكنها في شكلها الحالي تحاكي وجود الفرنسيين في جيبوتي، اي جماعات من الغرباء في معسكرات قوية ويتوفر فيها رغد العيش والامكانيات دون اي تماهٍ أو تآلف مع البيئة العامة. لديهم دولة تكنولوجية متطورة تدخل عالم الهاي تيك والعلوم والاختراعات والتطور لكن لا يوجد شعب يحملها.
الفلسطينيون، ومن خلال منظمة التحرير وبعدها من خلال السلطة الوطنية وبعدها من خلال تجربة الاسلاميين وحركة حماس في غزة. حاولوا انشاء دولة الا انهم عجزوا عن ذلك لاسباب موضوعية تتعلق بالاحتلال. وأيضا لاسباب تتعلق بالسلوك التربوي فيما يتعلق بثقافة البناء وقبول الاختلاف وعدالة التوزيع وسيادة القانون المدني. فقد كان لدينا مشكلة حقيقية، وكانت الغلبة لصالح العقلية الأمنية البيروقراطية والاستقواء على الاخر ومحاولة تحطيمه اخلاقيا وحياتيا، ونقص الخبرة والصبر في انشاء نظام يضمن عدالة التوزيع وحرية الفرد والنجاح الاداري وتشجيع العلوم، فتحوّلت نماذج الحكم الفلسطيني الى انظمة استهلاكية ساذجة وعقلية أمنية تشبه وتستولد الانظمة العربية بل واسوأ منها في بعض الاحيان، ولم تلبِ النماذج المذكورة طموح الجماهير في اقامة دولة قوية ديموقراطية علمانية علمية نموذجية او دولة اسلامية رحيمة على الفقراء والناس، بل في معظم التجارب يزداد عدد الجنرالات ويقل عدد العلماء والادباء بطريقة محزنة تثير الشفقة، ولا يزال المسلحون بالزي الموحد او المدني قادرون أن ينهالوا على رؤوس المتظاهرين السلميين بالهراوات !!! ولا يزال الخوف من المستقبل هو الرفيق الوحيد للمواطن البسيط.
خلال أيام، وبعد وصول الرئيس ترامب الى البيت الابيض، سيقوم الوزير نفتالي بينت بطرح مشروع في الكنيست لضم مستوطنة معالية ادوميم (مدينة استيطانية اقيمت في عام 1982 على أراضي بيت لحم والقدس). ويتوقع ان ينجح الوزير المتطرف نفتالي بينت في تمرير المشروع ما سيعني استئصال قلب الضفة الغربية، وقطع وسط الضفة الغربية وشمالها عن محافظتي بيت لحم والخليل وصولا الى البحر الميت. وهو ما يعني استحالة اقامة اي كيان فلسطيني بعد الان.
عدد اليهود الذين استوطنوا على ارض فلسطين لم يزد عن 5 مليون رغم كل مليارات التوطين وماكنات الصهر والانبثاق الايديولوجي، بينهم غالبية ليسوا يهودا بالمعنى الحقيقي وانما مستثمرون في المشروع الديموغرافي الاستيطاني. ولو اعتبرنا ان اسرائيل قررت فعلا ضم الضفة الغربية، فاننا نتحدث عن محاولة بائسة لمد عمر المشروع لعشرين سنة قادمة ستكون اولى سماتها عدم الاستقرار والظلم والصراع.
"الى ان يقضي الله أمرا كان مفعولا".