نشر بتاريخ: 23/01/2017 ( آخر تحديث: 23/01/2017 الساعة: 16:53 )
الكاتب: د. حسن عبد الله
الفصائل والأحزاب، وسيلة كفاحية وسياسية وإجتماعية وثقافية لتحقيق الاستقلال في مرحلة الاحتلال أو الاستعمار، وهي وسيلة بناء وتنمية وديمقراطية واستنهاض في الدول المستقلة فالأصل في تشكيل الأحزاب خدمة المجتمع ومسابقة بعضها بعضاً في عملية بناء الوطن وتطويره، وهي نتاج حراك اجتماعي وايديولوجي، بمعنى ان لها تعبيراتها الطبقية، فلا حزب يأتي من فراغ ولا حزب يسبح في الفراغ.
والأحزاب والفصائل في التجربة الفلسطينية يمتد تأسسها تاريخياً إلى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، حيث شقت طريقها إلى العمل والكفاح قبل انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، بيد أن انطلاق حركة فتح في العام1965 ومن ثم الفصائل الأخرى، أعطى التجربة زخماً وقوة واستمرارية، وصارت الفصائل مكوناً مهماً في حياتنا المعاصرة، وشكلت روافع للسياسة والثقافة والعملية الكفاحية والاقتصاد والابداع، ويمكن القول إن مرحلة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي كانت مثابة سنوات ذهبية لهذه الفصائل، لاسيما وانها دخلت في مباراة حقيقية في العمل والعطاء، لتلتف حولها الجماهير وتساندها بكل طاقاتها وامكاناتها.
كان ثمن العضوية في هذه الفصائل باهظاً، وكانت التضحية والاستحقاقات الفردية والجماعية هي عنوان الانتماء.
ما بعد اوسلو، دخلت الفصائل مرحلة جديدة، من عناوينها:
أولاً. التسابق على الوصول إلى السلطة.
ثانياً. البحث عن نفوذ وامتيازات.
ثالثاً. الاقتتال والانقسام.
رابعاً. الاستعراض والحراسات الخاصة والمواكب.
خامساً. المكاتب المرفهة.
سادساً. الخلط بين التكتيكي والاستراتيجي.
سابعاً. الاستوزار.
ثامناً. اظهار الفصيل بانه كل شيء على أرض هذا الوطن، بل إنه أكبر من كل المكوّنات والمسميات والقضايا.
وبالقفز عن النقاط السبع سالفة الذكر وبالتوقف عند النقطة الثامنة والأخيرة، فان تضخيم الفصيل وادارة الظهر للممنوعات والمحظورات والخطوط الحمر في سبيله ومن أجله، أدى إلى تقسيم الساحة الفلسطينية، وتبهيت القضية وهدر الطاقات والافساح في المجال لبروز استراتيجيات متقاتلة متصارعة، لكل فصيل استراتيجيته التي يحاول ان يفرضها على الاستراتيجيات الأخرى، لنظهر أمام العالم باننا نتقاتل على سلطات في ظل الاحتلال، ونسعى إلى "كراسي" لاصلاحيات حقيقية لها، فقد قتلنا بعضنا بعضاً، وسجنا من هم ليسوا اعضاء في فصيلنا، واقصينا الآخر، بل سعينا لشطبه واستئصاله ومنعه من التعبير عن نفسه.
فماذا حققنا سوى تسهيل حصار القطاع وتمزيق الضفة بفعل الاستيطان والجدار.
لقد نسينا أو تناسينا أو دفنا رؤوسنا في الرمال، ونحن نتجاهل حقيقة ان الفصيل هو خادم للقضية، وليست القضية الخادم المطّع للفصيل، وتناسينا أن قضيتنا بحاجة إلى جهد وعمل جماعي، وتناسينا ان اللون الواحد السياسي والفكري قد فشل في تجارب عالمية، وان التعددية والتنافس الحزبي في ميدان العمل هما ضمانة الانتاج وتقديم الأفضل والأنسب.
أما السؤال الذي نختم به هذه المقالة، لماذا انفضت الجماهير من حول الأحزاب؟
الجواب ببساطة لأن الجماهير تفضل الوطن وتنحاز إليه ولا يشغلها الانحياز المطلق لمن هو أصغر من الوطن، حتى لو ظن القائمون عليه، أنه الأكبر، فالوطن أوسع إلى ما لا نهاية من جسم أو هيكل أو مكوّن ، مهما امتلك من امكانيات النفخ والتعظيم، لذلك المطلوب تعزيز وتفعيل دور الوسيلة، شريطة ألا تطرح نفسها بديلاً عن الوطن، فالوسيلة "الفصيل" يجب ان تظل وسيلة ولا تتحول إلى هدف.