نشر بتاريخ: 26/01/2017 ( آخر تحديث: 26/01/2017 الساعة: 10:14 )
الكاتب: حيدر عيد
في الوقت الذي تتعرض فيه اسرائيل لحملة متنامية غير مسبوقة من المقاطعة بأشكالها المختلفة, و بشهادة قادة اسرائيل و مؤسساستها البحثية و الإعلامية, و على الرغم من الحرب الضروس التي تشنها و المؤامرات التي تحيكها ضد الحركة, واستجابة العديد من المؤسسات و الشركات الدولية لنداء المقاطعة الصادر عن مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني (2005) و الذي يتمتع الان باجماع و طني غير مسبوق, تبرز ظاهرة غاية في الغرابة في العالم العربي ألا و هي تباهي بعض المسئولين بعلاقاتهم مع إسرائيل.
و قد كانت آخر تلك اللفتات التطبيعية قيام الأمير السعودي تركي الفيصل باللقاء بوزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني بعد قيام محمكة في بروكسل بإصدار أمر بإلقاء القبض عليها بتهمة ارتكابها جرائم حرب ضد فلسطينيي غزة عندما كانت وزيرة في حكومة إيهود أولمرت عام 2008.
يحق لنا كفلسطينيين أن نعول على أن أي مسئول عربي يرغب في الاشتراك أو الترويج لحوار جاد في فلسطين أن يكون واعياً بأن ما يسمى "بالصراع" هو بالأحرى إضطهاد مركب يمارسه الاحتلال و نظام الفصل العنصري الاسرائيلي علينا, نحن السكان الأصليين. و كجزء من إستراتيجية المقاومة السلمية الجدية التي تسعى للحرية و العدالة و المساواة، كانت مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني قد اصدرت نداءً دولياً عام 2005لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (بي دي أس) حتى تنصاع للقانون الدولي وتحترم حقوقنا الأساسية التي كفلتها الشرعية الدولية. في حين أن الوزيرة الإسرائيلية, عميلة الموساد سابقاً, التي التقاها الأمير السعودي مسئولة بشكل مباشر عن جرائم الحرب و جرائم ضد الإنسانية قامت إسرائيل بارتكابها عام 2009, فما الهدف من هذا اللقاء؟ و غيره من محاولات مستميتة للتطبيع مع إسرائيل و كسب ودها, و بالتالي التوطؤ مع الجرائم التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني, و آخرها جريمة التطهير العرقي في أم الحيران؟
إن نداء مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها يتضمن المطالب الآتية: يجب على إسرائيل أن تنهى احتلال واستعمار الاراضى العربية، وان تزيل جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية و الذي اعتبر غير شرعي وفق قرار محكمة العدل الدولية الصادر عام 2004, و أن تعترف بالحقوق الأساسية للسكان العرب الفلسطينيين في إسرائيل، و ان تعاملهم بمساواة تامة، وان تطبق قرار الأمم المتحدة 194 الذي ينص صراحة على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم. فهل يعلم الأمير بموقف الوزيرة الإسرئيلية من هذه المطالب؟
تسيبي ليفني تمثل من استعمر التاريخ والأرض، و قام بالتطهير العرقي المنظّم للسكان الأصليين، ومازال يطبق سياسات الفصل العنصري ضد 1.4 مليون فلسطيني داخل أراضي ال48، بالاضافة الى تشريد أكثر من ستة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات.
و من المعروف أن لجنة المقاطعة الوطنية و الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل تحذران وبشكل واضح من أي لقاءات أو مشاريع تشجع "المناظرات الزائفة" و خلق الإنطباع بأن هناك "مساواة" في تحمل مسئولية "العنف" بين "الطرفين"! فحملة المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل تدين أي مبادرات "مبنية على الزيف القائم على تساوي المسؤولية في الصراع بين المستعمِر والمستعمَر، المضطهِد والمضطهَد و المضلِّلة للواقع بشكل متعمد" لأن هكذا مبادرات تسعى لتشجيع الحوار أو "المصالحة بين الطرفين" بدون الاقرار باللاعدالة وعدم تكافؤ القوى. وبالتالي فإن أي مبادرة كهذه تخدم "التطبيع مع الاضطهاد والظلم."
ان كل اللقاءات التي تجمع ما بين العرب والإسرائيليين يجب أن يتم وضعها في السياق الصحيح لمناهضة الاحتلال والأشكال الأخرى للاضطهاد الإسرائيلي للفلسطينيين، والأهم أن تكون هذه اللقاءات مناصرة للمقاطعة حسب التوجيهات التي أصدرتها اللجنة الوطنية للمقاطعة. فالإخوة العرب شركاء في النضال الفلسطيني ضد كل أشكال القمع الصهيوني للشعب الفلسطيني.
و مما يثير الاستهحان حقاً هو أن هذا اللقاء التطبيعي يأني وقطاع غزة لايزال يقبع تحت حصار خانق على الرغم من المطالبات الدولية برفعه. و قد قامت اسرائيل باستخدام القرصنة البحرية في المياه الدولية على السفن التي حاولت ان تخترق الحصار ، كما انها لا تتوانى عن اعتراض القوافل البرية و الاستيلاء بشكل منظم على حمولات هذه القوافل من مواد طبية حيوية وطعام وملابس ومواد بناء. و الدور الذي لعبته ليفني في فرض الحصار على غزة معروف للقاصي و الداني.
أضف لذلك تعلاض قطاع غزة لهجمات إبادية منتظمة بتأييد من الوزيرة الإسرائيلية السابقة. خلال الهجوم الإسرائيلي المطوّل على غزة في 2014 قُتل أكثر من 2200 فلسطيني و تم ثوثيق استخدام الأسلحة غير القانونية مثل الفوسفور الأبيض والقنابل العنقودية، الأمر الذي تم ذكره في تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية. آلاف المنازل والمدارس والشركات و المصانع تم تدميرها بشكل متعمد, و بعضها تعرض لأضرار جسيمة بسبب التفجيرات و عمليات التجريف الإسرائيلية. و يجدر الذكر أنه لم يتم اعادة بناء معظم المنازل التي دمرتها خلال الحرب على غزة و ذلك لأن إسرائيل لا تزال تمنع دخول الاسمنت ومواد البناء الأخرى بحجة سلامة أمنها و استقرارها.
هل يعرف الأمير السعودي كل ذلك؟ هل سأل ليفني عن رأيها في الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني و على رأسها حق العودة؟! عن رأيها في سياسات الأبارتهيد التي تطيقها؟
أم أن الإبتسامة العريضة في تلك الصورة التي قامت ليفني بنشرها توحي بجواب مخالف؟