الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

رونالد ترامب ... الوجه القبيح لأمريكا

نشر بتاريخ: 26/01/2017 ( آخر تحديث: 26/01/2017 الساعة: 11:42 )

الكاتب: د. وليد القططي

أن أي شخص يستطيع الصعود بنفسه إذا بذل الجهد الكافي، وأن هناك دائماً إمكانية النجاح في الحياة والوصول إلى السعادة فيها. هذا هو جوهر (الحلم الأمريكي) الذي كان الكاتب والمؤرخ جيمس آدمز أول من عبّر عنه في كتابه (الملحمة الأمريكية) عام 1931 بقوله : " الحلم الأمريكي هو الحلم الخاص بالأرض التي يجب أن تكون بها الحياة أفضل وأكثر ثراء لكل الناس، حيث تُتاح لكل فرد الفرصة المناسبة طبقاً لقدراته وإنجازاته." . هذا هو الوجه الجميل لأمريكا أن يستطيع كل شخص أخذ فرصته في الحياة وتحقيق ذاته وإخراج إمكانياته بما يتناسب مع قدراته ومواهبه ورغباته، رغم أن نسبة الأفراد الذين يستطيعون تحقيق أحلامهم في أمريكا قد تناقص مع مرور الزمن، ورغم تحوّل الحلم إلى كابوس عند الكثير من المهاجرين الجدد من (العالم الثالث) . إلا أن هذا ليس كل شيء فبوصول رونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية ظهر الوجه القبيح لأمريكا .
الوجه القبيح لأمريكا برز واضحاً في شخصية رونالد ترامب بعنصريته واستعلائيتة، ومن خلال مواقفه المتغطرسة وتصريحاته الهوجاء وفلتات لسانه العدائية ضد الآخر داخل أمريكا وخارجها . والآخر هنا يعني كل ما عدا العرق الأبيض البروتستانتي المنحدر أغلبه من أصول انجلوساكسونية، الذين تتحكم نخبتهم الاجتماعية في مقاليد الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية في أمريكا، والآخر داخل أمريكا هم الأمريكان من أصول أفريقية وآسيوية ولاتينية، والأمريكان غير المسيحيين البروتستانتيين من الأديان والمذاهب الأخرى . وترامب كنتاج لليمين المتطرف والمسيحية الصهيونية في الحزب الجمهوري يُعادي الإسلام والمسلمين تحت غطاء محاربة الإرهاب الإسلامي، ويدعم الكيان الصهيوني بدون تحفظ مؤيداً سياسته العدوانية والاستيطانية شاذاً عن السياسة الأمريكية التقليدية في اعتبار الضفة والقطاع أراضي محتلة بما فيها القدس الشرقية التي يريد نقل السفارة الأمريكية إليها .
وترامب الذي يتفاخر بتحرشه في النساء وتدور حوله شبهات اغتصاب لبعضهن، ومُتهم بالتهرّب من الضرائب، والتحايل على التملّص من الخدمة العسكرية يمثل الوجه القبيح لأمريكا في مجال الجريمة، التي ترتفع نسبتها فيها عن المعدلات العالمية، لا سيما في جرائم الجنس والقتل والسرقة، فجرائم العنف الجنسي كالاغتصاب والتحرش تتزايد عاماً بعد آخر، حتى وصلت إلى مائة ألف جريمة اغتصاب سنوياً مُبلّغ عنها، وأن واحدة من كل خمس نساء أمريكيات قد تعرضت للاغتصاب في حياتها، وأن خُمس النساء الأمريكيات تعرضن لأحد أشكال العنف الجنسي . أما جرائم القتل فإن هناك جريمة قتل كل ( 22) دقيقة في أمريكا . وتحدث جريمة سرقة كل ( 22) ثانية فيها ولدى أمريكا أعلى نسبة سجناء مقارنة مع نسبتهم العالمية إلى عدد السكان .
وترامب هو سليل النسخة الأصلية لأمريكا التي قامت على أساس الجشع الاقتصادي الذي سيطر على المستعمرين الأوربيين الأوائل بغطاء فكرة دينية جوهرها الإيمان بعقيدة الاختيار الالهي والدور المُخلّص للعالم كشعب مختار متفوق عرقياً وثقافياً، وبدافع فكرة استعمارية مضمونها أحقية وواجب الجنس الأبيض (المتحضر) في احتلال واستيطان أراضي الشعوب غير الاوروبية (المتخلفة) من أجل تعمير أراضيها وترقيه سكانها، ولا ضير أن قُتل وهُجّر واُستعبد في سبيل هذا الهدف (النبيل) والغاية (السامية) الملايين من البشر بعد نزع الصفة الإنسانية عنهم باعتبارهم ( همج متوحشون ) . ولذلك أبادوا ملايين السكان الأصليين (الهنود الحمر) ودمروا حضارتهم وطردوا ما تبقى منهم في معازل صحراوية . واستعبدوا ملايين الأفارقة السود بعد أن أخذوهم عنوة من بلادهم، ثم اخضعوهم بعد إلغاء العبودية للتمييز العنصري المُذل الذي أُلغي قانونياً لاحقاً وبقي عملياً في بعض جوانبه .
في هذا السياق من القبح الطافح للإبادة والاستعباد، شنت أمريكا حروباً عديدة خارج حدودها، أزهقت فيها الملايين من أرواح الشعوب الأخرى وسفكت دماء الملايين غيرهم، ونهبت ثروات الأمم وسرقت خيراتهم، وفرضت الكثير من الأنظمة السياسية الاستبدادية لقهر الشعوب وإذلالها وإخضاعها للإرادة الأمريكية .... وللخروج من هذا السياق القبيح لا خيار أمام العالم سوى أحياء أُسس التعاون الدولي، ومعاني الإخوّة الإنسانية، ومبادئ المساواة والعدالة بين بني البشر، وقيم التسامح والتراحم بين الناس .