الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

ملاحظات موضوعية حول رحلات العمرة

نشر بتاريخ: 29/01/2017 ( آخر تحديث: 29/01/2017 الساعة: 10:10 )

الكاتب: محمد خضر قرش

منذ سنوات عدة وهذا الموضوع يلح على خاطري بغية الوقوف أمامه ومناقشته. وكنت في كل مرة أتردد لحساسيته وبالأدق أتحفظ خشية من سوء الفهم لدى بعض الفئات التي تدعي بأنها متدينة أكثر من بقية المسلمين وان الله قد وكلها بحماية الإسلام دون غيرها. والاسباب التي حسمت موقفي ودفعتني للكتابة بهذا الموضوع هو تحول مناسك العمرة وللأسف الشديد إلى تجارة بحتة، ما يلي:
1- عدد المرات التي يؤدي فيها المعتمر العمرة سنويا زادت كثيرا عن حدها وتحولت الى نقاهة وتجارة وعادة ونزهة أو كما يقولون "شمة هوا"، ولم تعد مكملة للعبادة أو جزءا منها.
2- لذا فإن تناوله و/أو مناقشته وطرحه على الرأي العام بات ضروريا وهاما بنفس الوقت. لأنه لم يعد أدائها لدى العديد جزءا من مناسك العبادات ومتمما لها. والدليل أن الكثير مما يؤدون العمرة يعودون إلى أرض الوطن لا يحافظون عليها وغير حريصين على كونها وسيلة للتقرب من الله والايمان وأهميتها ودورها في تثقيف المسلم وتهذيبه وابتعاده عن السلوكيات الخاطئة التي كانت لديه قبل أدائه العمرة.
3- الهدف من طرحه للنقاش هو للحفاظ على هيبة وقداسة العمرة نفسها والنظرة الإيمانية لها ودورها في تثقيف وتصحيح الأخطاء والاعوجاج في سلوكنا اليومي. فحينما يقوم الفرد بأداء الحج و/او العمرة فمن المفترض أن يتخلص الحاج أو المعتمر بعدها من كل السلوكيات والأعمال الخاطئة التي كان يمارسها في المجتمع ويعود نظيفا ونقيا كالثوب الابيض وتاركا وراءه كل المظاهر والمعاصي والاخطاء والفساد والكذب والنفاق والفتن والاعمال والسلوكيات غير السليمة والتي تتعارض مع الأهداف من وراء الذهاب لأداء العمرة.
4- موضوع العمرة بالذات بات يشكل أسبوعيا ازدحاما على الجسور وتأخير المسافرين ساعات طويلة من الانتظار مما يؤدي إلى إرهاق الاعصاب والتدافع والتلاسن الحاد والقاسي وخاصة أمام الإجراءات البيروقراطية والتأخيرية المملة التي تقوم بها سلطات الاحتلال. لقد باتت فعلا عبئا لا يستهان به على الأفراد مما يتوجب مناقشته طويلا والوقوف امامه بكل صدق ومهنية وأمانة.
فاغلب الأفراد لا يكتفون بأداء العمرة مرة واحد أو حتى مرتين بل مرات عديدة. فعدد الذين يعتمرون لمرة واحدة قليل جدا. فوفقا لما يذكره ذوي العلاقة من الشركات، فأن نسبتهم دون ال 40% والباقي يكررونها. وفي أحد المرات سألت شيخا من قرية عناتا يسكن قريبا جدا من مخيم شعفاط، عن عدد المرات التي أدى بها العمرة فقال لي وامام من كان في الباص وبصوت عال " حجيت 5 مرات واعتمرت 22 مرة" فقلت له وهو ما زال على قيد الحياة، أما كان من الأفضل ان تكتفي بحجة واحد وعمرة واحد أو اثنتين وتتصدق بتكاليف الباقي على الفقراء والمحتاجين وهم كثر وخاصة في المخيم الذي تقطن بالقرب منه أو تتبرع بالمبالغ للمؤسسات الخيرية وهي كثير وبحاجة، فأجاب انا اتصدق سنويا. وللملاحظة فقد كان بمفرده وليس مع زوجته عدا مرة واحدة اصطحبها معه كما قال. 
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي اصادف فيها أشخاص يعتمرون مرات عديدة، وعليه أرجو ان لا يناقشني أحد بأن كثرة عدد مرات العمرة كما هو حال صاحبنا الشيخ هو زيادة في الايمان والتقرب من الله ومن باب الغفران والتعبد ليس إلا؟؟ فالحج فرض لمن استطاع اليه سبيلا والعمرة سنة حسنة يمكن للفرد ان يؤديها مرة أو مرتين في حياته، لكن أن يتم تأديتها كما يتم في وقتنا الحاضر فهي ليست سوى تجارة أو لأغراض في نفس يعقوب أو أي شيء آخر عدا عن كون تكرارها دليل إيمان وتعبد وتقوى. لقد بات لشركات نقل المعتمرين مصالح لن يفرطوا بها وباتت مصدر رزق لهم لن يتخلوا عنه لكونها تجارة رابحة. ولتأكيد ذلك فقد ضغطت شركات نقل المعتمرين في فلسطين وبقية الدول العربية والإسلامية ومثيلاتها في السعودية وأصحاب الفنادق لإلغاء رفع رسوم تأشيرة أداء العمرة للمرة الثانية إلى 2000 ريال سعودي أي نحو 520 دينارا اردنيا، وامام احتجاج قطاع الفنادق في مكة والمدينة وجدة وشركات النقل والقطاع التجاري عموما الغت الحكومة السعودية على ضوئه قرار رفع الرسوم وأعادته إلى سابق عهده (200 ريال للتأشيرة الواحدة).فقد اكتشف المسؤولون السعوديون ان اقتصادهم المأزوم حاليا سيكون الخاسر الأول من قرار رفع رسوم التأشيرة لمن يرغب في تأدية العمرة للمرة الثانية فأكثر، وخاصة انهم على علم ويقين بأن أكثر من نصف عدد المعتمرين يكررونها بانتظام مما سيفقد الخزينة مبالغ لا بأس بها بالإضافة إلى الخسائر التي ستلحق بالقطاع التجاري والفندقي المرتبط بالعمرة كما أن استمرار فرض الرسوم قد يؤلب قطاعات لا بأس بها على الحكومة السعودية وربما يكون هذا هو العامل التالي بالأهمية. وبالعودة إلى المعتمرين الفلسطينيين فإن الوضع الاقتصادي الفلسطيني يستدعي الوقوف مليا أما هذا الظاهرة التجارية المستحدثة تحت يافطة "تأدية العمرة". فأوضاعنا الاقتصادية في فلسطين في غاية الحرج والدقة والخطورة مما يتطلب مناقشة الموضوع بكل أمانة وصدق وإيمان، بعيدا عن التجريح والتكفير والاتهامات. فحينما يؤدي الإنسان فريضة الحج ويتبعها أو يسبقها بالعمرة فأنه بذلك يكون قد أدى أحد أركان وفروض الإسلام. لكن من المهم ان يحافظ على الثواب والغفران الذي حصل عليه من إتمام الفريضة والسنة، وألا يعود إلى السلوكيات الخاطئة التي كان يمارسها قبل أداءهما. هنا الاختبار والامتحان الحقيقي. ورغم كثرة من يؤدون العمرة فلا نلمس تحسنا في سلوكيات المعتمرين وفي تحسن تعاملهم مع بقية الناس وفي علاقاتهم اليومية، الا يضع ذلك علامات استفهام كثيرة حول عدد مرات أداء العمرة؟