نشر بتاريخ: 08/02/2017 ( آخر تحديث: 08/02/2017 الساعة: 15:56 )
الكاتب: سفيان أبو زايدة
اول امس و في الساعة التاسعة صباحا صفارات الانذار تدوي في مستوطنات محيط قطاع غزة . تزامن ذلك مع عودة الوفد الامني الحمساوي من القاهرة بعد لقاءات وصفت بانها ايجابية و ناجحة ، سبق ذلك لقاءات اجراها وفد حمساوي برئاسة نائب رئيس المكتب السياسي لحماس و مسؤولها في قطاع غزة السيد اسماعيل هنية و معه الدكتور موسي ابو مرزوق و روحي مشتهى .
و سبق كل ذلك الحديث عن اعتقالات تنفذها اجهزة الامن الحمساوية في غزة يقال انها تشمل العشرات من المؤيدين للفكر الداعشي و ما يسمى بولاية سيناء. تبع ذلك حديث عن اغلاق لبقايا الانفاق التجارية من الجانب المصري استمر لمدة اسبوعين من قبل المتطرفين كجكر في حماس و احتجاجا على الاعتقالات في صفوف المؤيدين لهم في غزة قبل ان يعيديوا فتحها من جديد لانهم اضروا انفسهم اقتصاديا قبل ان يتسببوا بالضرر لحماس على اعتبار انها تشكل لهم مصدر دخل ثابت.
معبر رفح يفتح بوتيرة متقاربة نسبيا بالمقارنة مع العام الماضي خاصة، و كذلك الاعوام الثلاثة الماضية رغم العذاب و الذُل الذي يعاني منه المسافرين . فتح المعبر لفترات متقاربة ناتج عن جسر الهوة بين حماس و المصريين من ناحية ( يقال ان النائب و القائد الفلسطيني محمد دحلان لعب دورا مهما في ذلك ) و من ناحية ثانية على ما يبدو ان هناك تغيير في المفهوم المصري في طريقة التعامل مع غزة ، قد يؤدي الى اجراء تغييرات جوهرية في السياسة المصرية تجاة قطاع غزة، سيما العلاقة التجارية و ترتيبات العمل في معبر رفح حيث تجرى الان عمليات تطوير للمعبر و للمعبر التجاري بحيث تساهم في التخفيف من الحصار المؤلم الذي يعاني منه الناس في ظل الوضع الامني في محيط المعبر و كذلك الحرب الذي يخوضها الجيش المصري لاستعادة الامن و اعادة سيطرة الدولة المصرية على هذا الجزء العزيز من سيناء.
الصاروخ الذي تقول اسرائيل انه اطلق من غزة و على اثر ذلك اشتغلت سفارات الانذار قبل ان يستغل الجيش الاسرائيلي اطلاق هذا الصاروخ الذي سقط في ارض خالية و لم يؤدي الى اي اضرار ، استغلته لتنفيذ اكثر من اربعة عشر غارة على مواقع للفصائل الفلسطينية، خاصة مواقع حماس. الحمد لله انه لم يكن هناك شهداء او جرحى نتيجة هذا القصف سواء كان من خلال الطيران او بطاريات المدفعية المرابطة في محيط قطاع غزة.
اسرائيل تعرف جيدا ان حماس ليس لها علاقة باطلاق هذا الصاروخ، بل اعتقد جازما انها تعرف، وهي المتابع بشكل جيد لما يحدث في غزة، بأن هذا الصاروخ اطلق جكر في حماس و من باب توريطها و توريط غزة في عدوان جديد، و ان اطلاق هذا الصاروخ الجكر، (وهو بالمناسبة ليس الصاروخ الاول الذي يطلق جكر)، له علاقة بما يجري من اعتقالات في صفوف الدواعش ، وله علاقة بالتقارب الذي يسير بخطى واثقة بين حماس و مصر ، وكذلك له علاقة باللقاءات التي اجريت مؤخرا سواء مع اعضاء المكتب السياسي لحماس او مع الفريق الامني.
الرد الاسرائيلي ضد حماس و مواقعها على اطلاق صاروخ لم يؤذي احد و لم يتسسبب في اضرار كان عنيفا بالمقارنة مع ردود فعل سابقة، لكنه كان رد مدروس و معد له جيدا، حيث تستغل اسرائيل هكذا مواقف لتدمير ما تعتقد انها اهداف عسكرية حتى و ان كنا نسميها "قصف في مناطق خالية".
لم يكن خوف من ان تتطور الامور الى حد فقدان السيطرة من احد الاطراف تؤدي الى الدخول في مواجهة شاملة، ورغم حديث بعض الاسرائيليين ، من عسكريين و سياسيين، بأن مواجهة جديدة في غزة هي مسألة وقت فقط، لكن الحقيقة ان ليس هناك مصلحة اسرائيلية في المرحلة الحالية، و التركيز هنا في المرحلة الحالية ، ليس هناك مصلحة في الدخول في حرب جديدة على غزة، سيما ان جروح الحرب الاخيرة (٢٠١٤) لم تلتئم بعد.
اسرائيل تدرك ايضا ان حماس غير معنية في هذه المرحلة في الدخول في حرب مع اسرائيل للعديد من الاسباب اهمها ان لديها انتخابات داخلية من المفترض ان تنتهي في الشهر القادم ، انتخابات ستشهد انتخاب رئيس مكتب جديد في حماس قد لا يكون مقره الدائم في الدوحة او اي عاصمة اخرى، المؤشرات على ان يكون مقره الدائم في غزة مما يعني الحاجة الى مزيد من الاستقرار الامني، هذا يعني ان الاولوية لدى حماس هي لترميم العلاقة مع مصر و للتخفيف من حجم الاحتقان الناتج عن الازمات المتراكمة في قطاع غزة و التي وصلت الى حد الانفجار، اولوية حماس هو عدم فقدان السيطرة الامنية و ما يشكله خطر انتشار الفكر الداعشي عليهم كتنظيم و كقوة مسيطرة على القطاع و ما يشكله من خطر على السلم الاهلي هناك.
الذي حدث قبل يومين في غزة من اطلاق صاروخ الجكر و من رد فعل اسرائيلي قاسي قد يتكرر في فترات متقاربة رغم الجهد الكبير الذي يبذل لمنع تكرار ذلك، و الرغبة من قبل الاطراف في عدم الدخول في مواحهة جديدة كل طرف وفقا لحساباته و مصالحة الخاصة، ايضا ستتواصل في الاسابيع و ربما الاشهر القادمة اي الفعل و رد الفعل بشكل محسوب دون شد الحبل اكثر من اللازم .
ولكن من قال ان الحروب و المواجهات دائما تحدث وفقا لتخطيط مسبق؟ الحروب قد تحدث ايضا دون ان يخطط لها او يرغب في حدوثها هذا الطرف او ذاك. هذا يعني ان المراهنة على ان اسرائيل لا تريد مواجهة في الوقت الحالي و ان حماس هي ايضا لا تريد مواجهة يشكل ضمانة لعدم تدحرج الاحداث الصغيرة مثل اطلاق صاروخ و سقوطة في منطقة خالية الى مواجهة شاملة.
الوضع في غزة سيبقى على كف عفريت ، و من جميع النواحي، القطاع بمجملة ، و بكل مكوناته عبارة عن قنبلة موقوته كبيرة قابلة للانفجار في اي وقت. مكونات المادة المتفجرة لهذة القنبلة الموقوتة هي الحصار و اغلاق المعابر و البطالة و الفقر و الاكتضاض السكاني و الكهرباء و الماء الملوثة غير الصالحة الشرب. غزة باختصار ايها السادة في وضعها الحالي غير صالحة للحياة الادمية.
لذلك لم تعد شعارات التنظميات و برامجها الحزبية وتصريحات قادتها و ناطقيها و الحديث عن التحرير من البحر الى النهر و غير ذلك من الشعارات الكبيرة التي يعرف الجميع انها للاستهلاك المحلي او المناكفات الداخلية و الحزبية، كل ذلك لم يعد له اية قيمة في ظل هذا الحجم من الهموم و الالم الذي يعاني منه الناس. غزة تنتظر من اي قائد او زعيم او شخصية وطنية ان يفعل على الارض بما يداوي جروح الناس و يعمل على حل مشكلاتهم التي لم تعد تطاق . هل هذا ممكن؟