نشر بتاريخ: 12/02/2017 ( آخر تحديث: 12/02/2017 الساعة: 11:32 )
الكاتب: دكتور ناجى صادق شراب
الرئيس ترامب هو ألأول بين الرؤساء الأمريكيين ممن سبقوه الذبن أثار وصولهم للرئاسة وفوزه فى إنتخابات رئاسية جدلا سياسيا عجزت كل إستطلاعات الرأى التنبؤ على فوزه فى الإنتخابات، والوحيد الذى يتعرض من ألأسبوع ألأول لفوزه لحركات إحتجاجات ، ومعارضة شعبية غير مسبوقة ، دفعت للتكهن والتسرع فى إصدار التوقعات عن إمكانية قدرته على تكملة رئاسته فى ألأربع سنوات القادمة ، وتناثرت السيناريوهات التى وصل بعضها للتوقع بحدوث إنقلاب عسكرى ، وهو أمر مستبعد تماما فى نظام سياسى ديموقراطى أحد أبرز ركائزه خضوع أقوى وأكبر مؤسسة عسكرية لشخص الرئيس المنتخب، فعلاقة التبعية واضحة من المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية ،مع تأثير واضح فى القرارات ألأمنية والعسكرية..
والسؤال أيهما أقوى آليات وصلاحيات منصب الرئيس أو آليات عزله؟ يستمد ا لرئيس الأمريكى قوته كونه الوحيد فى النظام السياسى ألأمريكى الذى يأتى عبر إنتخابات عامة كل أربع سنوات من قبل الشعب الأمريكى كله، ووفقا لذلك فهو مسؤول مسؤولية مباشرة أمام الشعب الأمريكى ، وقوته تساوى قوة الكونجرس ألأمريكى بمجلسيه ، ولذلك منح الكونجرس صلاحيات فى آليات عزل الرئيس فى مناسبات محددة لكنها مقيدة ومحدوده. وكان الهدف من إنتخاب رئيس قوى من قبل مؤسسى النظام السياسى ألأمريكى انه الوحيد الذى يعبر عن قوة الأمة ألأمريكية ، وهذا ما يجعل إنتخابه حدثا عالميا وليس أمريكيا فقط، وكأنه رئيسا للعالم بفعل قوة هذا المنصب الذى يستمد قوته من قوة الولايات المتحدة كدولة أحادية القوة تتربع على قمة النظام العالمى.ويستمد قوته أيضا من كون النظام السياسى ألأمريكى يقوم على مبدأ الفصل المطلق للسلطات ، بمعنى لا يمكن للرئيس حل البرلمان، ولا يمكن للبرلمان حجب الثقة عن الرئيس إلا فى حالة إساءة الرئيس لمنصبه ويعتبر الرئيس ألأمريكى الشخص الوحيد المفوض وفقا للدستور الأمريكى برئاسة السلطة التنفيذية التى تفوض كلها فى شخصه، وبناءا عليه له حرية مطلقه فى إختيار وزرائه ويكونوا مسؤولون امامه، ويعمل كل الجهاز ألأدارى والوكالات الرئاسية خدمة له للقيام بمهام السلطة التنفيذية ، ويمارس من الصلاحيات التنفيذية ما لا يمارسه أى رئيس آخر فى العالم، فهو رئيس الدولة ، ورئيس السلطة التنفيذية والدبلوماسى الأول،والقائد الأعلى للقوات المسلحة ، والمشرع الرئيس، ورئيس أحد أكبر الأحزاب فى الولايات المتحدة .
هذه الصلاحيات المطلقة لا يمارسها الرئيس بشكل مطلق، فتوجد قيود وحدود للممارسته لسلطاته منها : نظام الكوابح والجواح الذى يعطى الكونجرس والمحكمة الإتحادية العليا سلطات تقيد من سلطات الرئيس ، لكن فى حالة الرئيس ترامب لديه كونجرس بأغلبية الحزب الجمهورى ، ومحكمة إتحادية عليا قضاتها أكثر تأييدا له، ومن القيود وسائل الإعلام وهنا أيضا يمكن التحكم فيها من خلال ترهيب وإخافة الإعلام المعارض وخلق الإعلام المؤيد، وهنا يلعب المال عنصرا مهما له، ومن الوسائل التى يتميز بها النظام السياسى دور اللوبيات وجماعات الضغط ويتفاوت دورها بين التأييد والمعارضة.ويلعب الرأى العام دورا مؤثرا فى السياسة ألأمريكية كما لاحظنا بالنسبة لمعارضة القرارات التى أتخذها الرئيس بالنسبة لمنع مواطنى بعض الدول الإسلامية من دخول الولايات المتحده ، وخروج المسيرات الشعبية فى حالة غير مسبوقة، وبالمقابل تكمن قوة الرئيس الأمريكى فى موظفى البيت الأبيض، والمؤسسات المعاونة له كمجلس الأمن القومى ، والمؤسسات الإقتصادية الإستشارية التى تعمل فى خدمته، وبهدف ترشيد القرار السياسى ، ومجلس وزراء مسؤول أمامه مباشرة ،أضف إلى قوة الحزب الجمهورى الذى يترأسه .وقدرته فى عزل وتعيين من يرى من العسكريين، وقدرته على تسييس هذه المؤسسة، وحيث ان المال يعتبر لبن السياسة فى السياسة ألأمريكية يمكنه من توظيف هذا المال فى مكافأة مؤيديه من رجال المال والأعمال. ومحاولته تحويل الشعبوية والذين أعطوه صوتهم إلى إطار تنظيمى على غرار الإطار التنظيمى الحزبى القائم.
رغم كل هذه العناصر التى تدعم الرئيس الأمريكى وتدفع فى إتجاه سيناريو تكملة الأربع سنوات ،فإن الدستور وضح الحالات التى يمكن ان يفقد من خلالها منصبه ، كالإستقالة والعزل ، والوفاة ، ولعل أهمها إقالة الرئيس من منصبة إذا ما وجهت له تهمة الإساءة للمنصب،او الإضرار بالمصالح العليا للولايات المتحدة ، وهى عملية معقدة وطويلة ، وليس من السهل الوصول لهذه المرحلة ، وسبق أن رأينا ذلك فى حالة الرئيس نيكسون وفضيحة واتر جيت، والرئيس كلينتون، ألأول لم يكمل رئاسته، والثانى كمل رئاسته بحكم ألغلبية الديموقراطية وقتها فى مجلس الشيوخ.. عملية الإقالة معقده ، ومن خلالها يقوم الكونجرس بمجلسيه بدور توجيه الإتهام ،ويلعب مجلس الشيوخ دورا بارزا كدور النيابة والدفاع. هذا السيناريو يبقى إحتمالا قائما إذا ما أكتشفت خروقات فى حياة الرئيس ترامب، وهو امر ليس قويا، ويبقى الإحتمال الأكبر إتخاذ قراررات تتناقض والقسم الدستورى وما قد يترتب عليها خروج مسيرات شعبية كبيرة تضطر الكونجرس للنظر فى عزل الرئيس. ويبقى اخيرا تكرار نموذج الرئيس جون كيندى ، تبقى الولايات المتحدة دولة مؤسسات ، ولعل المؤسسات العميقة كالمؤسسة العسكرية دورا حاسما فى الحفاظ على ألأمن القومى الأمريكى ، نظام سياسى يوازى بين قوة منصب الرئاسة ، وقوة العزل، والهدف خلق حالة من التوازن ، والحيلولة دون الرئيس الديكتاتور, ويبقى النظام السياسى أكبر من قوة الرئيس الذى يعتبر فى النهاية نتاج لهذا النظام وأحد مخرجاته.