نشر بتاريخ: 12/02/2017 ( آخر تحديث: 12/02/2017 الساعة: 11:28 )
الكاتب: عصام بكر
في حين يحاول رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو الابقاء على الائتلاف الحكومي بزعامته او اطالة امده على اقل تقدير مستعينا بقوى اليمين الاكثر تطرفا يتعرض لمحاولات متصاعدة لاسقاط ائتلافه ويتوقع العديد من المحللين والخبراء في الشأن الاسرائيلي امكانية الذهاب لانتخابات مبكرة مع ازدياد التصريحات المطالبة بالتنحي طواعية بعد خضوع رئيس الحكومة لعدة جلسات تحقيق في قضايا فساد قد تطيح به عنوة بعد فقدانه الشرعية وامكانية الاستمرار في تأديته مهامه في حال وجهت اليه تهم رسمية ، هذه التطورات لم تبقي لديه اي خيار باستثناء الاستجابة بدون تردد لمطالب قيادة المستوطنين وتنفيذ كل ما يطلب منه كطالب نجيب في مدرسة هؤلاء الذين كل ما يهمهم هو تسعير وتيرة الاستيطان والبناء والتوسع ونهب المزيد من الاراضي الفلسطينية مدركين ان نتنياهو القادم من مدرسة اليمين يملك ذات الشهية الجاهزة المتحفزة اصلا للقيام بكل ما يطلب منه حتى لو كانت هناك معطيات دولية او اقليمية ضاغطة الا انه في نهاية المطاف سيكون مجبرا على تقوية التحالف وتعميقه معهم دون تردد كضمان لاستمراره في سدة الحكم رئيسا للحكومة .
الحديث عن الخارطة السياسية والتبدلات التي شهدتها اسرائيل خلال الفترة الماضية يحتاج الى الكثير وهو ليس موضوعنا هنا بكل الاحوال ولكن كان لا بد من استعراض ما يجري من تفاعلات داخلية بفعل الخلاف المصطنع الاخير والجدل حول اخلاء بؤرة عامونا الاستيطانية والتي رافقها الاعلان عن بناء مئات الوحدات الاستيطانية غير الشرعية شانها في ذلك شأن كل الاستيطان المقام بقوة الاحتلال وينهش يوميا جسد الارض الفلسطينية ، تبادل للادوار بين الحكومة (اغلبيتها مستوطنين) وبين الحكومة في مسرحية فاشلة للاخلاء لاعطاء مؤشرات حول عدم القدرة المستقبلية لاخلاء مواقع اخرى ، في حين جرى استبدال الارض المخلاة بارض اخرى على حساب الارض الفلسطينية ووعود ببناء المزيد واطلاق العنان لتوسيع عمليات الاستيطان في الضفة الغربية وخصوصا في القدس المحتلة ومحيطها.
الاخطر في هذه التحركات وهي امتداد لتصريحات منذ عدة اشهر حول قانون الضم وفرض القانون الاسرائيلي على مستوطنات الضفة واستمرار الحديث عن مفاوضات مباشرة ورفض اي صيغ دولية للتفاوض ورفض حتى المبادرات لعقد لقاء مع الرئيس محمود عباس التي حاولت روسيا وفرنسا واطراف عربية ترتيبها ، مأزق التسوية الحالية ينغلق كما تخطط له اسرائيل ومعها تسقط تماما اي امكانية للعودة للمفاوضات بشكلها السابق ونجد انفسنا امام سؤال على ماذا يجري التفاوض؟ لم يبقى ما يتفاوض حوله بين الطرفين؟ ومعزوفة احياء عملية السلام التي انهتها اسرائيل من طرف واحد واسقطت معها حتى اتفاق اوسلو ترى ان الظروف اصبحت مواتية اليوم لفرض الحل الذي تريد دون اي مصاعب مع الوضع العربي المتردي ، والدولي وما يشهده من تحالفات لمواجهة "الارهاب" وحالة الانقسام الداخلي كلها تتظافر معها الظروف والمناخات لتضيق الخناق على الشعب الفلسطيني لفرض الاستسلام والقبول بالامر الواقع .
اليوم ما يجري من استيطان هو بمثابة ترتيبات نهائية من جانب واحد تفاوض على الارض لحل مرحلي انتقالي – دولة الحدود المؤقتة مع تحسين لبعض الشروط الحياتية – السلام الاقتصادي الذي طرحه ليبرمان الطامح لرئاسة الحكومة القادمة الاكثر شراهة من نتنياهو والاقرب والاكثر فائدة لليمين العنصري الفاشي ، هذه الترتيبات هي امتداد لرسالة شارون المعبرة عن عمق الايديولوحية الصهوينية التي تمثلت في خطة فك الارتباط من جهة وشباب التلال من جهة اخرى ، اي اخلاء وهمي يظهر للعالم ان انسحابا قد تم في غزة الباقية حتى الان تحت الاحتلال والحصار ، وفي ذات الوقت توجيه الجهد للضفة والقدس بالمزيد من الاستيطان واحتلال التلال وتشجيع حركات تدفيع الثمن ومهاجمة القرى والبلدات ومحاصرتها والقضاء على القطاع الزراعي الفلسطيني قطع الاشجار ، وضرب الزراعة عموما بشتى الطرق والوسائل وتحويل حياة القرى الى جحيم لا يطاق ، انعدام للخدمات الاساسية والبنية التحية ، تقليص الخرائط الهيكلية للارياف ، اي بمعنى اخر اخراج المناطق المصنفة "ج" والتي تشكل ما نسبته 62% من الضفة الغربية خارج اطار اي تسوية مفترضة مستقبلا واستمرار الحملات المتسارعة لتهويد القدس وبسط السيادة اليهودية فيها .
ما اعتبر في نظر العالم على انه انجاز تاريخي باخلاء مستوطنات قطاع غزة صيف العام 2005 ضمن خطة فك الارتباط التي اعلنها شارون رئيس الحكومة انذاك وانفجرت اسارير اوساط عديدة فرحا باهمية ما تحقق لم يكن يدور في خلجهم ان القادم هو خطة للانفصال الجغرافي وتفتيت وحدة الاراضي الفلسطينية السياسية التي يعترف العالم اجمع انها الاراضي التي ستقام عليها دولة فلسطين واعترفت بها 138 دولة ، خطة الفصل كانت تحمل في طياتها انهاء الحلم الفلسطيني دولة في الضفة بما فيها القدس وقطاع غزة متواصلة جغرافيا وذات سيادة على حدودها ومواردها ومقدراتها ، نفذ شارون خطته الظاهرية بتفكيك مستوطنات القطاع التي لا تشكل اي قيمة بالمعنى الايديولوجي والديني ولكن الانظار كانت بمضاعفة الاستيطان في الضفة التي بدات فعلا منذ ذلك الحين تفقد الكثير من مظهرها الطبيعي المعتاد ونشات منذ تنفيذ تلك الخطة معالم جديدة نتيجة الاستيطان الاستعماري الممتد والجاري العمل على قدم وساق لانجاز المزيد منه على حساب الارض الفلسطينية وفي سباق مع الزمن لفرض وقائع جديد تلغي اسس التفاوض السابقة "الارض مقابل السلام " ليصبح السلام مقابل السلام تسوية منقوصة معالمها الاساسية حسب المعطى الجديد استبدال الكيان الفلسطيني بدولة او دويلة في قطاع غزة مع بعض المظاهر التي يتفق عليها كالميناء العائم او تسهيلات للحركة متفق عليها على معبر رفح ، وفرض القانون الاسرائيلي ، وضم مستوطنات الضفة الغربية وعزل القدس تماما عن محيطها وترك مصير التجمعات السكانية الفلسطينية بتشديد القيود على معيشتها اليومية ونموها الطبيعي وخنق اي امكانية لتطورها وتوسعها مستقبلا – اي تنفيذ الخطة (ب) من الخطة التي بدأها شارون تحويل الضفة التي ستكون بهذا الحالة عبارة عن معازل وكانتونات "محشوة " داخل جدار عنصري ياكل معالمها وبين مستوطنات تتسع بتسارع واضح القدس فيها طمست تماما ، والاغوار ينهشها لهيب التوسع ووسط وشمال الضفة تحول الى سجن كبير ، ومنطقة الجنوب تم التهامها بغول النمو الطبيعي للمستوطنات القائمة ، التضاريس المتعارف عليها للجغرافيا السياسية للضفة الغربية تختفي بشكل واضح تجريف للاراضي وحدات بالمئات شوارع تقل فيها الحركة امام الفلسطينين ، الاف الدونمات الزراعية التي تشكل داعم اساسي لاقتصاد المواطن اصبحت ممنوع الوصول اليها .
هذا التوصيف للحال اليومي المعاش في الضفة الغربية لم يعد بمقدور اي جهة تجاوز التأثيرات الحياتية له في شتى المجالات في ظل التراجع الكبير للحياة الاقتصادية والاجتماعية لكن الاهم هو انسداد الافق تجاه اي عملية سلام تلبي الحقوق الاساسية التي اقرتها قرارات الشرعية الدولية المتمثلة بالعودة وتقرير المصير والاستقلال الوطني في دولة كاملة السيادة عاصمتها القدس يستدعي الانغلاق هذا ان نعيد تقيم الاوضاع والبحث عن اليات عمل جديدة تبقى القضية الوطنية قضية حية اقليميا ودوليا ، واتخاذ خطوات فعلية ملموسة لمواجهة هذه السياسة الاسرائيلية بعيداعن مظلة المفاوضات المخروقة التي اغرقت الجميع في وحل المزيد من التراجع على المستوى الداخلي وعلى مستوى المواقف السياسية ، الابقاء على حالة صمود وطني بمواقف تتمسك اكثر بالثوابت وبرنامج الاجماع الوطني ، وازالة العراقيل التي تحول دون تحقيق مصالحة فعلية تنهي الانقسام الداخلي البغيض بالذهاب لحكومة وحدة وطنية ببرنامج انقاذ وطني اي حكومة منظمة التحرير التي يشارك الجميع فيها بعد اعادة بناء مؤسساتها وفي المقدمة منها المجلس الوطني ، وانتخابات عامة تعيد الاعتبار لدور المؤسسات التي اصابها الشلل والترهل بفعل الانقسام وانعكاساته على مجمل مناحي الحياة في بلانا دون ان ننسى الغالبية العظمى من الشعب في دول الشتات والمنافي ، لم يعد بمقدور المستوى القيادي تجاهل الحاجة الماسة لوقف التاكل الحاصل في البنى والهياكل لمكونات النظام السياسي بما فيها السلطة التي ينبغي اعادة فحص وظيفتها وطرق عملها على ضوء المستجدات .
نتنياهو يواصل المساعي لتنفيذ حلم الانطواء امتدادا لفك الارتباط بفرض حل الضم للمستوطنات القائمة في الضفة الغربية بشكل معاكس فشارون قام بمظهر انسحاب او اخلاء ولو شكلي وهزلي باهداف بعيدة المدى وابقى على قطاع غزة سجنا كبيرا بينما نتنياهو يعزل القرى والتجمعات ويفرض حل الامر الواقع بطريقته في الضفة الغربية شكلان يعبران بكل وضوح عن النوايا والاهداف في منع امكانية قيام دولة فلسطينية كما يريدها الفلسطينيون فهو يتحدث عن دولتين هذا صحيح امام وسائل الاعلام ولكن مفهومه للدولة هي ما تبقى من ارض بعد ضم المستوطنات وعزل القدس والاغوار ويتم بعدها التفاوض على التسوية المفترضة لها وتقرير مصيرها وفق اهواء اليمين الاسرائيلي .
الحل والعلاج لما يجري ليس اختراع العجلة وليس سحرا مبينا وانما بمواجهة هذه المخططات بكل حزم وبتوافق وطني فلسطيني بمشاركة الجميع قبل ضياع الحقوق الوطنية التي يتحمل الجميع المسؤولية الكاملة عنها بما فيها اطراف دولية ومنها الامم المتحدة ومؤسساتها ذات العلاقة ، اتخاذ قرارت واضحة بتطبيق ما جاء في قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير، ومقاضاة اسرائيل على جرائمها امام العالم ، وسحب الاعتراف المتبادل عشية اوسلو بين منظمة التحرير واسرائيل ، ونقل القضية الوطنية كقضية تحرر وطني للامم المتحدة ومطالبتها بانهاء الاحتلال الواقع على اراضي دولة فلسطين ، خطورة الوضع القائم تجاوزت بكثير امكانية اللجوء لتكتيكات سياسية ، والمغامرة الان تكلفتها عالية الاعلان الاميركي ان الاستيطان القائم لا يشكل عقبة امام حل الدولتين ، وانما بناء المزيد منه قد يؤدي لنتائج تضر عملية السلام هذا برهان جديد على مدى التطابق في مواقف الطرفين وهو اتفاق امريكي اسرائيلي على شرعنة المستوطنات القائمة وضمها وفرض القانون الاسرائيلي عليها انسجاما مع تطلعات ليبرمان – بينيت والائتلاف الحاكم في اسرائيل ، اطلاق يد اسرائيل للعمل ليس فقط في الضفة الغربية وانما في الداخل الفلسطيني كما يحدث في ام الريحان وقلنسوة وغيرها المدن والبلدات العربية في الداخل ، الحديث لا يدور عن تبادل اراضي كما كان مطروحا في وقت سابق وانما عن التخلص من الاقلية القومية في الداخل بلدات واراضي وقرى كاملة اسرائيل اليوم تقوم باجراءات عملية لتغير خريطة ليس الدولتين وانما الخارطة كلها .
اسقاط حل الدولتين ينهي الامال المعلقة على امكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة بفعل ان الدولة الاخرى وهي "اسرائيل " قائمة ولكنه لا يسقط حقوق الشعب الفلسطيني وتمسكه بها "فدولة اسرائيل" قامت اساسا بفعل قرارات دولية رعتها الامم المتحدة واشرفت على اقامتها والاعتراف بها مولودا جديدا قابلا للنمو في المنطقة واليوم على ذات المؤسسة القائمة حتى الان وهي الامم المتحدة ان تتحمل مسؤولية ولادة دولة فلسطين ورفع الاحتلال والتواجد العسكري والاستيطاني الاسرائيلي عن ارضها ومدها بمقومات الحياة والا فان اسقاط حل الدولة الفلسطينية سيقود الى منعطف بالغ الخطورة وخيارات لا احد يعرف مداها ومنها مثلا العودة لقرار التقسيم 181 الذي تحدث لاول مرة عن دولتين ولم يتحدث عن ضمان الحقوق المدنية للاقليات كما جاء في وعد بلفور المشؤوم او فرض لدولة واحدة بنظامين اي فرض نظام ابرتهايد يفوق نظام جنوب افريقيا وفتح الصراع من جديد على مصراعيه لنقطة الصفر ومربع سفك الدماء واذكاء نار التطرف ، ومن هنا الواجب الانساني للعالم اجمع يحتم ان يحمي حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية المكفولة بالقانون الدولي ، وهو ما زال يقدم التضحيات حفاظا على تميزه الانساني والحضاري ويخوض بالنيابة عن الانسانية جمعاء معركة التسامح والرقي الاخلاقي بمعناها الثوري والكفاحي الذي لا يتنازل عن هذه الحقوق مهما كان الثمن .