الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

فقط وزير الاقتصاد يستطيع ازالة البسطات..

نشر بتاريخ: 14/02/2017 ( آخر تحديث: 14/02/2017 الساعة: 09:50 )

الكاتب: م. طارق أبو الفيلات

حاول حرق نفسه لأنهم اجبروه على ازالة بسطة عليها بعض الخضار وحجتهم انها تحتل الرصيف وجزءا من الشارع وتؤثر على مرور السيارات والمشاة وتشوه المظهر الحضاري لمدينة عصرية .
البلدية هذه وجهة نظرها ولا جدال ان ما تتبناه من طرح هو منطقي سليم وصاحب البسطة انسان بسيط لا يفهم كل هذه المصطلحات ليس لأنها معقدة وليس لأنه غبي لا سمح الله بل لسبب واحد بسيط ان هذه البسطة بالنسبة له هي الحياة وهي فرصة العمل الوحيدة المتيسرة له وهو مطبخ قوته ومصدر رزقه والعباءة التي تستر بيته وتقيه ذل السؤال فأي المنطقين اقوى ؟وأي اللسانين أبلغ وأي الحجتين ألحن؟
صاحب البسطة هو انسان يقف على قارعة الطريق طوال النهار لا يجلس ولا يمشي هو واقف منتصب يتحرك لكن في مكانه يتكلم وينادي حتى لو كان بمفرده اذا اشتد الحر الهبت جبهته سياط الشمس وإذا حل الشتاء نخر البرد عظام ساقه ,هل رأيتم اسوا من هذه ألحياة والغريب انه مستعد للموت اذا حرمته هذه البسطة وأعفيته من هذه الوقفة,ما اعجب ما نرى ونسمع...
اذا عرف السبب بطل العجب.
انا مع القانون ومع تطبيق القانون وبسط سيادته على الجميع لكنني اتساءل كيف يمكن ان نطبق القانون في عام القحط وسنين المجاعة؟
عمر بن الخطاب عطل حد السرقة في عام المجاعة وهو حد سماوي لا قانون وضعي.
انا هنا لا اريد ان اناقش ازالة البسطات او تركها بل اريد ان اناقش مع كل الوصف الذي ذكرت لحال صاحب البسطة لماذا اختار هذه المهنة اصلا؟
الجواب :مكره اخاك لا بطل.
انا اكاد اجزم ان احدا لا يفضل ان يكون بائعا على قارعة الطريق لكن انعدام فرص العمل وانسداد افق الوظائف وتدهور الصناعات واندثار معظمها وتحولنا من مجتمع يصنع ما يحتاجه الى مجتمع يستورد ما نحتاجه وما لا نحتاجه جعل الكثيرين مجبرين على ممارسة ايه مهنة شريفة لأنهم يرفضون ان يصبحوا متسولين.
حل مشكلة البسطات لا يكون بإزالتها عنوة ولا بنقلها الى ساحات بعيدة لا يصلها الناس ولا تتزاحم عندها الاقدام بل يكون بخلق فرص عمل لائقة تجعل الشاب الفلسطيني في غنى عن الوقوف على بسطة يزاحم فيها اخاه صاحب المتجر لان الجوع كافر.
البسطات يا اخواني هي بطالة مقنعة والبطالة ملف كبير ربما يحتاج اكثر من مكتب لأكثر من وزير ليحمل ثقل هذا الملف لكنني اعتقد ان مكتب وزير الاقتصاد"الصناعة والتجارة "هو الاجدر بهذا الملف.
لنسال انفسنا كم عدد البسطات التي تزعج مراكز المدن في رام الله والخليل ونابلس وجنين وطولكرم وباقي المدن الفلسطينية؟
الحادثة الاخيرة كانت في رام الله وسط البلد ولما سالت البعض كم عدد البسطات التي تنوي الحكومة ازالتها عنوة قيل لي بين خمسين الى سبعين بسطة أي نحتاج الى سبعين فرصة عمل لحل هذه الاشكالية بشكل جذري حاليا .
مشغل خياطة ونسيج واحد كاف لتشغيل هؤلاء.
مصنع اثاث واحد كاف لإزالة هذه البسطات.
مشغلين بسيطين لصناعة الاحذية تحل هذه المشكلة.
مصنع صابون نابلسي يتيم يستوعب هذه الاعداد.
مصنع بسكويت او شوكلاته يخلق فرص عمل لهؤلاء الفلسطينيين.
مصنع البان واحد يستوعب كل اصحاب البسطات في ثلاث او اربع مدن فلسطينية ويوفر لهم السقف الذي يحمي اجسادهم من شر الطريق ويستر بيوتهم وأطفالهم.
كل حاوية تأتينا من الصين تسبب بطالة 25 فلسطيني مدة ستة اشهر ويقولون لنا اقتصاد حر وسوق مفتوح.
ظاهرة البسطات وغيرها من الظاهر لا تختلف كثيرا عن حرارة وسخونة تصاحب التهابا خطيرا لا نعالجها بالمسكنات وبعض الكمادات لكن نذهب الى اصل الداء وموطن البلاء نعالج السبب لا نكتفي بالتركيز على النتائج فالبطالة هي سبب هذا البلاء وكلنا في الاثم حكومة وشعبا شركاء.
الحكومة لو اخذت موضوع الصناعة وحمايتها بالأهمية التي تستحقها وتجاوبت مع كل مطالبنا بتدخل مباشر وغير مباشر للحد من الاستيراد وتقنينه لدارت عجلات الانتاج في مئات المصانع والمشاغل والورش ولاشتغل عشرات ألاف الشباب في اماكن عمل حقيقة واستغنينا عن البسطات وعن غيرها مما يعتبره الشباب ملاذهم الاخير قبل التسول والسؤال.
من هنا ومن اجل كل عاطل عن العمل وصاحب بسطة اصبح مطاردا بين سواد الاسفلت وزرقة بدله الشرطي اطالب وزير الاقتصاد وكل الحكومة بالإعلان عن خطة لخلق ألاف فرص العمل في الصناعات الفلسطينية التي يمكنها ان تستوعب كل شبابنا اذا اعقنا تدفق بضع مئات فقط من حاويات الصين.
ونحن ايضا شركاء في الاثم لأننا قبلنا كمستهلكين فلسطينيين ان تكون حصة المنتج الوطني في السوق المحلي اقل من 20% في المتوسط واقل من 10% في بعض القطاعات ولأننا نحب البان تنوفا ولا نستسيغ إلا التبوزينا ونقدس بسكويت عيدن ولان رفاهيتنا تجعل بوظة ستراوش وغيرها الذ من بوظة الارز ونسال بعدها كيف سنخلق فرص عمل؟
صاحب البسطة بيد سيزيل بسطته اذا وجد فرصة عمل مستدامة حقيقة لأنه يكره ان يقف طوال النهار تحت الشمس والمطر لكنه والله يكره الجوع والفقر اكثر.
والله من وراء القصد.