الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

فياض من جديد : بداية الحكاية أم نهايتها؟

نشر بتاريخ: 14/02/2017 ( آخر تحديث: 14/02/2017 الساعة: 14:37 )

الكاتب: زهير الشاعر

عرقلت الولايات المتحدة الأمريكية قرار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ترشيح رئيس الوزراء الفلسطيني السابق د. سلام فياض كممثل له في منطقة نزاع وهي ليبيا ورئيس البعثة الدولية هناك، وذلك يوم الجمعة الماضي 10 فبراير 2017 ، حيث أن هذا القرار كان يحتاج إلى موافقة الخمسة عشر دولة الأعضاء في مجلس الأمن مجتمعة.
هذا الأمر خلق حالة من الصدمة بين الأوساط الدولية والإقليمية والمحلية اتجاه هذا الموقف الأمريكي المفاجئ باعتراضه على اختيار د. سلام فياض ليكون مبعوثا لمنظمة الأمم المتحدة في ليبيا، حيث أن ذلك يعبر عن هناك تعارض واضح حول بعض القضايا بين الأمم المتحدة التي تعبر بشكل ما عن وجهات نظر المجتمع الدولي بمجمله والذي يوجد فيه قوى حية تترجم رغبات وتطلعات شعوب هذا المجتمع، وبين الولايات المتحدة التي على ما يبدو بأن سياساتها ستكون متحيزة بشكل تام إلى جانب دولة إسرائيل الحليف الاستراتيجي لها.
كما أن رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لهذا الترشيح، وربطه بصفقة تبادلية حيث يتم من خلالها الموافقة على ترشيح فياض أمام شخص آخر إسرائيلي لمنصب أممي، يعبر عن انتهازية غير مسبوقة في الأمم المتحدة ومحاولة ابتزاز لهذه المؤسسة الدولية خاصة بعد موقف الأمم المتحدة من الاعتراف بدولة فلسطين كدولة مراقب غير عضو، والتصويت الأخير في مجلس الأمن لصالح قرار 2334 الذي أدان الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
من المعلوم أيضاً أن السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة داني دانون أشاد بالموقف الأمريكي الرافض لفياض، واصفا ذلك بأنه " بداية لعهد جديد ستقف فيه واشنطن بجوار إسرائيل ضد كافة المحاولات الساعية للإضرار بإسرائيل كدولة حليفة وصديقة للولايات المتحدة الأمريكية".
هذا الأمر أثار حفيظة الجانب الفلسطيني الذي وصف هذه المواقف بأنها نابعة من سياسة عنصرية جديدة تهدف إلى محاربة أي رمز فلسطيني يعمل بمهنية واحترافية ووطنية أو حتى من الممكن أن يسجل أي انتصار دبلوماسي على الساحة الدولية.
لذلك استدعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس بدوره رئيس الوزراء الفلسطيني السابق د. سلام فياض وعبر عن دعمه له في خطوة رمزية بعد قطيعة طالت سنوات ، مما فتح الباب أمام تكهنات كثيرة منها أنه لربما يكون هناك تبعات لهذا اللقاء تحمل مؤشرات إيجابية لبداية عهد جديد من العلاقة بينهما ينجم عنها عودة د. فياض إلى رئاسة الحكومة الفلسطينية بصلاحيات واسعة حال تم أي تغيير حكومي في الأجل القريب.
لكن هذا لا يعني ان غياب التغطية الصحفية لعرقلة تعيين د. فياض لمنصب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ورئيس بعثتها في ليبيا، لدى بعض الصحف الفلسطينية لم يكن يشير إلى انه كان هناك قلق من هذه الخطوة ، حيث أنه لربما كان يعتقد البعض بأن هذا التعيين سيهدد عرش الحيتان الكبيرة أو القطط السمان في السلطة الفلسطينية، وأن هناك من يخشى صعود فياض من جديد وعودته إلى المشهد الدولي والإقليمي والفلسطيني، حيث يرى بعض المراقبين بأنه من المؤكد ان هناك لفريقٍ ما ضمن هذه السلطة الفلسطينية مصلحة في تأييد الانقسام واستمرار شرذمة حركة فتح وهذا ما وهذا يتعارض مع رؤية د. فياض الذي يرفض استمراره، والتالي فإن عودته للمشهد من جديد لن تسعدهم أو تريحهم أو تتناسب مع مصالحهم، حيث تبين مؤخراً أن من أسباب خروج فياض من رئاسة الوزراء، توجهه الدائم بالقول والفعل لإنهاء الانقسام والتوقف عن سياسة الإقصاء وقطع الرواتب، وأيضا إصراره على ضرورة تخفيف الحصار عن قطاع غزة..
كما يرى بعض المراقبين أن ما يؤكد دقة هذا الطرح هو موقف السلطة السابق والذي ملئ الصحف من خلال التصريحات العديدة للسلطة والتي اتهمت فياض بالخيانة كلما اصطدمت مصالحهم مع السياسات المهنية التي كان يتبعها فياض، بينما كانوا يضغطون لتمرير كثير من المصروفات بغير وجه حق في حين تم تجاهل تغطية حادثة عرقلة تعيينه كممثل للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا.
هذا ولد شكوكاً لدى المراقبين ذهبوا بعيداً في تحليلهم حيث عبر البعض الذين يرون بأنه لربما أن يكون للسلطة دور في عرقلة قرار التعيين ، حيث أنهم يرون بأنه لربما أن تكون السلطة قد شاركت بطريقةٍ ما في عرقلة هذا التعيين لفياض، حتى لا يعود من باب الشرعية الدولية، ولا يطل عليهم من منصب أممي وحتى لا يتنامى تأثيره في قادم الأيام، مستشهدين بموقف السلطة من المؤسسة الخيرية التي يرأسها حينما حاولوا بشكل مفضوح مصادرة أموالها وإغلاقها ، وهي مؤسسة خيرية غير حكومية ذات الطابع المجتمعي الاغاثي المتحضر قبل أن يتم التراجع عن قرار إغلاق تلك المؤسسة بقرار قضائي وخشيةً من ردود فعل المجتمع الدولي الذي كشف عن خطأ السلطة باتخاذ ذلك القرار.
لذلك يبدو بأن عرقلة هذا القرار من الجانب الأمريكي جاءت في سياق رد الاعتبار للعلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في مجلس الأمن والمؤسسة الدولية والتأكيد على متانتها في سياق الحفاظ على المصالح المشتركة والتحالف الاستراتيجي بينهما، وكان ضحية هذا التوجه د. فياض كونه فلسطيني بالرغم من أن قرار ترشيحه ليس له علاقة بفلسطين، لا بل جاء بناءاً على أفكاره المعتدلة وإيمانه بضرورة إرساء السلام والتعايش بين الشعوب وبناءاً على تاريخه في المؤسسات الدولية وعلاقاته المتينة التي تحظى باحترام وثقة المجتمع الدولي .
د. سلام فياض عاد اليوم من جديد إلى المشهد الفلسطيني وبقوة لكي يرسم بداية جديدة لحكاية كانت ترتسم لها نهاية في سياق بعيد عن هذا السياق لكي تنتهي بصمتٍ وبدون ضجيج ، ولكن تصدر خبر عرقلة تعيينه كممثل للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ورئيس بعثتها هناك الصحف العالمية وتحدثت عن ذلك الصحف الإسرائيلية أيضاً، وكان مجمل الحديث عن الرجل بأنه يحمل رؤية معتدلة وبأنه صاحب خبرة كبيرة ويحظى بعلاقات دولية تؤهله لكي يتبوأ هذا المنصب، وأوضحت بأن هناك أسباب عدة وقفت عائق أمام هذا القرار منها الحسابات الأمريكية والأنانية الإسرائيلية ولربما بعض التخوفات الفلسطينية.
لكن مع كل ذلك في تقديري أن الأمر الأكيد هو أن فياض لم يخرج خاسراً لا بل حصد من وراء عرقلة تعيينه، شعبية ظن البعض أنها باتت غائبة وغير موجودة ولكن الحقيقة التي أطلت برأسها من جديد تقول بأنها باتت حاضرة وبقوة!.