نشر بتاريخ: 16/02/2017 ( آخر تحديث: 16/02/2017 الساعة: 10:30 )
الكاتب: حيدر عيد
يكثر الحديث عن دور كل من قطر وتركيا في كسر الحصار المفروض على قطاع غزة. كما يتم الحديث عن معاناة سكان القطاع في سياق أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه يصلح لطلب الصدقات, و يتغاضى عن الثمن السياسي الذي يمكن أن يدفعه الشعب الفلسطيني برمته إذا ما تم ترسيخ هذا الخطاب الجديد بعيداً عن التراكمات النضالية التي حققها خلال القرن المنصرم وصولاً لما نحن عليه الآن.و يتجلى نمو هذا الخطاب في التغير الكبير في الموقف التركي من القضية الفلسطينية, بالذات الحصار القروسطي على غزة, و في الموقف القطري الذي تم تلخيصه في مقابلة السفير العمادي مع موقع واللا الإسرائيلي التي وصف فيها علاقته بالمسؤولين الإسرائيليين بـ الممتازة و التي أشار من خلالها إلى أنه على اتصال دائم بنظرائه الإسرائيليين، ومن بينهم منسق أعمال الحكومة في المناطق الفلسطينية اللواء يوآف مردخاي، إضافة إلى آخرين! و كلا الموقفين يعبران عن معادلة جديدة-قديمة: التطبيع مع الاضطهاد الصهيوني المركب مقابل فتات الموائد!
قامت اسرائيل منذ تأسيسها بممارسة أشكال مركبة من الاضطهاد في حق الشعب الفلسطيني من تطهير عرقي ممنهج الى تفرقة عنصرية مُمأسسة الى احتلال عسكري مباشر. و في الفترة الأخيرة تفتق العقل الصهيوني القمعي عن أسلوب جديد يقوم على أساس السيطرة الكاملة على السعرات الحرارية التي يُسمح للمواطن الفلسطيني في غزة باستهلاكها, أي التجويع حتى حافة الموت. وهذا ما يميز أحد أوجه الحصار الاقتصادي الذي تفرضه على القطاع في إطار منظومة صارمة من العقاب الجماعي. وقد بدأ الحصار متعدد الأوجه منتصف عام 2007, وإن كان هناك من يؤرخ له منذ بداية 2006 عندما سُمح لثلث الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية و قطاع غزة بالتوجه الى صناديق الاقتراع و التصويت لمجلس تشريعي جديد. ولا شك أن هناك علاقة مباشرة بين نتائج هذه الانتخابات والحصار الذي قررت اسرائيل، بمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبعض الأنظمة الرجعية العربية، فرضه على قطاع غزة. من الواضح أن استهداف القطاع كان نتيجة تصويت الكثيرين من سكانه لصالح الطرف غير المرغوب به. ولكن من التبسيط الشديد حصر أسباب الحصار في انتخاب حركة حماس لإدارة عبء الشئون اليومية في الضفة وغزة. فنتائج تلك الانتخابات كانت تصويتاً واضحاً ضد خيارات النخبة الفلسطينية الحاكمة من سلطة فلسطينية ومنظمة تحرير، تلك الخيارات التي أعادت تعريف الشعب الفلسطيني برمته وصغرت الأهداف التحررية الى إقامة بانتوستان في إطار ما اتفق على تسميته بحل الدولتين. بمعنى أن نتائج انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 أوضحت أن الأغلبية من سكان الضفة الغربية وغزة صوتوا ضد اتفاقيات أوسلو وتوابعها،وليس بالضرورة تأييدا كاسحاً لحركة حماس التي عجزت عن فهم ذلك لأسباب تتعلق بانغلاقها الفكري والأيديولوجي.
ولا زال الحصار الخانق مستمراً للسنة العاشرة على التوالي، بل إنه يزداد سوءاً. و كان المقرر الخاص للأمم المتحدة, ريتشارد فولك, قد وصفه في بداياته بأنه"مقدمة لابادة جماعية."فهو نوع من العقاب الجماعي المخالف بشكل صارخ للبنود 33 و55و 56 من معاهدة جنيف الرابعة التي تفرض على القوة المحتلة، اسرائيل في هذه الحالة، أن توفر الطعام والأدوية لمن تحتلهم. وكانت المفوض العام السابقة للأونروا و الخبيرة القانونية في جرائم الحرب, كارين أبو زيد , قد عقبت على ذلك بأن "غزة على وشك أن تصبح أول منطقة في العالم يتم معاقبتها بالعوز الشديد بعلم و تواطؤ,و قد يقول البعض, تشجيع المجتمع الدولي."
فك الحصار المفروض على قطاع غزة بالكامل يعني فتح المعابر ال 6 التي تسيطر عليها إسرائيل، القوة المحتلة،والسماح بإدخال جميع أنواع البضائع ل 2 مليون مواطن يعانون ويلات الحصار للسنة العاشرة على التوالي، السماح لهم بحرية الحركة من وإلى القطاع،وهذا يتطلب فتح معبري بيت حانون ورفح 24/7, وتزويد غزة بالكهرباء والماء و باقي الخدمات الأساسية. وتبعاَ للقانون الدولي فإن هذا من واجبات القوة المحتلة.
ولكن هذا لا يعني على الإطلاق أن الحقوق الأساسية لسكان القطاع،وهم جزء أساسي من الشعب الفلسطيني، قد تحققت. وحتى لا يتم الخلط فإن هذه الحقوق التي كفلها القانون الدولي ويتحتم على إسرائيل الانصياع لها تشمل 1- انسحاب قوات الاحتلال الاسرائيلي من الضفة الغربية وقطاع غزة بالكامل 2- تطبيق قرار الأمم المتحدة 194 الذي ينص صراحة على حق العودة اللاجئين الفلسطينيين (بما فيهم 80% من سكان القطاع المحاصر) 3- إنهاء نظام الأبارتهيدالممأسس الممارس ضد 1.4 مليون فلسطيني من سكان إسرائيل.
أي أداة نضالية تسعى لإنهاء الحصار يجب أن تربط بينه كأسلوب اضطهاد صهيوني وحقيقة أن قطاع غزة مكتظ بأكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين الذين كفلت لهم الشرعية الدولية حق العودة،وأن هذا هو في التحليل النهائي سبب معاناة القطاع على أيدي الاحتلال الاسرائيلي، وأن هذا الشكل القمعي هو جزء من منظومة الاضطهاد الصهيوني متعددة الأشكال المرتبطة بعضها ببعض. وبالتالي فإن كون سكان غزة لم يولدوا لأمهات يهوديات "يؤهلهم" لمعاملة عنصرية تتخطى ما عاناه سكان جنوب أفريقيا السود إبان التفرقة العنصرية وسكان أمريكا من أصل أفريقي. وعليه فإن الأدوات النضالية المتبناة للتخلص من الحصار القروسطي الصهيوني لا يمكن فصلها عن السياقات النضالية الأخرى وبالذات تلك التي تنتهج الكفاح الشعبي الشامل غير الإقصائي.
أن اي مجهود يهدف لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة يجب أن ينطلق من سياق النضالات الفلسطينية المتعددة والمتراكمة منذ عام 48, والأخذ بعين الاعتبار ان القطاع قد تحول من بانتوستان ومعسكر لاجئين كبير الى أكبر سجن مفتوح على سطح الكرة الأرضية نظراً لاحتوائه على أكبر عدد من اللاجئين. إن المقاومة الشعبية المتجذرة في التاريخ الفلسطيني،والمفتوحة على نضالات الشعوب الأخرى، تعد رافداًهاماً، بل أساسياً، في دعم وسائل كسر الحصار، براً أو بحراً،وأن أهم أسلوب نضالي مدني في المرحلة الحالية يكمن في الدعوة والعمل على مقاطعة اسرائيل على نمط ما حصل ضد نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا. وهذا بالضبط ما تقوم تركيا وقطر على تقويضه!إن الشوط الكبير الذي قطعته المقاومة الشعبية الفلسطينية، وفي مقدمتها حملة المقاطعة التي تحقق انجازات ملموسة في عزل دولة اسرائيل بسبب ممارساتها من احتلال واستيطان وتطهير عرقيوتفرقة عنصرية، لا يمكن التفريط به بأي شكل من الأشكال. أصبح من الضروري الربط بين أشكال النضال المتعددة والتعامل مع الأشكال المختلفة للحصار بعيداً عن الصدقات التي حولت القضية الفلسطينية برمتها الى قضية إحسانوما نجحت حركة المقاطعة بي دي أس في تحقيقه، بشهادة القيادات الصهيونية، هو أنها أعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية برمتها.