نشر بتاريخ: 16/02/2017 ( آخر تحديث: 16/02/2017 الساعة: 19:53 )
الكاتب: زهير الشاعر
لا شك بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان لاعباً حاضراً بقوة في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكان يتحدث عن أفكاره وسياسات بلاده التي يريد من حلفائه الأمريكان أن يدعموه لتحقيقها، فذهب بعيداً وفصل طلباته تفصيلا وكان على ما يبدو مرتاحاً للغاية وهو يجيب بثقة على أسئلة الصحفيين لدرجة أنه فاجأ مضيفه في بعض الأحيان فيما ذهب إليه.
إجابات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كانت حذرة للغاية ومتزنة بالرغم من أنها فسرت على أنها مساندة لإسرائيل بالكامل، وبالإمكان القول بأنني قد إسِتَخْلَصتُ هذا من وجهة نظري عندما أجاب بدبلوماسية عالية على سؤال بخصوص المستوطنات قائلاً بأنه يود التوقف عن المستوطنات قليلا حتى يتم التوصل الى صفقة بينه وبين زميله نتنياهو، حيث أنهم أصدقاء ويستطيع ان يتوصل الى صفقة معه!، وفي تقديري أن في هذا الكلام إشارة إيجابية تحمل معها الكثير من المعاني والقراءات ، بأن الرئيس الأمريكي قارئ جيد للواقع القائم ولديه رؤية مستقبلية ويدرك التحديات والمحاذير التي تحيط بهذه القضية ولذلك أعطى إجابة دبلوماسية مرنة تدغدغ المشاعر، لها أبعادها ، وليس إجابة قاطعة تغلق الطريق أو تعطي الضوء الأخضر!.
كما أنه أجاب على سؤال وجه إليه وإلى ضيفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، بخصوص هل سيتخلى عن دعم حل الدولتين والموافقة على ضم أجزاء من الضفة الغربية وهل سيوفي بالتزامه بحل الدولتين؟، أجاب بأن إدارته تدرس حل الدولتين وحل الدولة الواحدة وستقبل بحل يرضى به الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ، كما أنه بات ينظر بأمر نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس ويتوخى الحذر قبل اتخاذ القرار بخصوص ذلك ، مما يعني أيضاً أن هناك إيجابية أخرى تتعلق بانفتاح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أراء ونصائح الأخرين من الزعماء وفي تقديري أن موقفه هذا تبلور بعد لقائه مع الملك عبدالله الثاني المعروف بمصداقيته وبفهمه العميق لواقع المنطقة وتحدياتها.
كما أنه أجاب في نفس السياق تعقيباً على إجابة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي طالب فيها الجانب الفلسطيني بأن عليه الاعتراف بيهودية الدولة والتواجد الأمني غرب نهر الأردن، كما أشار بأن ذلك يجب ان يكون بمشاركة شركائنا العرب، قائلاً لنتنياهو لم اعرف انك كنت ستشير الى ذلك ولكن نحن نسعى الى صفقة اكبر مع دول الجوار، وعلى الإسرائيليين ان يبدو بعض المرونة، مما يعني أيضاً أن هناك رؤية واضحة لدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تتعلق بمصالح بلاده أولاً ولن يفرض أحد عليه شيء يتناقض مع سياسات ومصالح بلاده وفي هذا إيجابية أخرى.
لا أريد أن أتطرق لتفاصيل إجابات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ولكني سأتوقف عند نقطة مهمة وهي ما حملته إجابته على سؤال حول موقفه من ضرورة وقف الاستيطان ، حيث قال إن قضية الاستيطان ليست جوهر النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين ويمكن حلها من خلال المفاوضات بالرغم من أنه أكد طوال فترة المؤتمر الصحفي على وجوب الاعتراف بفكرة يهودية الدولة، وفي تقديري أن هذا الأمر يفتح الباب واسعاً أمام التفسير إن كان بذلك يمارس الابتزاز السياسي مع إدراكه بأنه لا يمكنه أن يغلق الباب كاملاً أمام الجانب الفلسطيني لكي لا يخسر تحالفات جديدة باتت تلتقي المصلحة فيما بينهما بخصوص الملف الإيراني ، وهذا لن يتم بدون التعاطي من خلال بوابة الملف الفلسطيني ، أم أنه كان صادقاً بالفعل، وهناك شكوك بذلك!، حيث أراد أن يطمئن الجانب الفلسطيني والعالم العربي بأن المستوطنات لن تكون مشكلة عندما يتم التوصل إلى تحالف حقيقي في دولته والعالم العربي في مواجهة إيران وإلى إمكانية التوصل إلى حل شامل من خلال المفاوضات؟!.
هنا لابد من العودة إلى الموقف الفلسطيني الذي على ما يبدو بأنه كان غير آبهاً بالظهور بأنه كان مهتماً بهذه التصريحات أو قلقاً مما جاء فيها، وهذا يفتح الباب أمام تفسيرين لا ثالث لهما وهو إما أن الجانب الفلسطيني تلقى التعليمات بأن كان ملتزماً بها ولا حول ولا قو ة له سوى الصمت والقبول والتنفيذ، وإما أنه يدرك بالفعل بأن المعادلة الدولية لا تتعلق فقط بقرار الجانب الأمريكي وبأن هناك عوامل دولية أخرى لها تأثيراتها وبأنه يراهن على الموقف الأوروبي والصيني والروسي والعربي وهم شركاء في إيجاد حل لهذا الصراع لا يمكن إفال دورهم بأي حال من الأحوال.
وهذا يطرح تساؤل ، هل لدى الجانب الفلسطيني آلية دراسة هذه التصريحات بكل جدية من كل جوانبها الإيجابية والسلبية من خلال خبراء ومثقفين ومفكرين يعملوا على رفع توصيات علمية للتلاقي مع الأبعاد الإيجابية والبناء عليها ومحاولة عدم التصادم مع الأبعاد السلبية والعمل على إيجاد حلول تتحاوز تأثيراتها؟!، أترك هذا الأمر للجانب الفلسطيني الذي في تقديري أن ثقافته العامة لا زالت تفتقر إلى الإيمان بضرورة إفساح المجال أمام المشاركة الفكرية العامة ووضع الدراسات المناسبة للتعاطي مع الخصم على أسس علمية ومنهجية وليس على أسس ردود فعل عشوائية أو تكرارٍ لتصريحات عدوانية أو لمواقف باتت فارغة الجوهر والمضمون.
كما لفت نظري أيضاً أن اللجنة المركزية لحركة فتح جددت مطالبتها من الأمم المتحدة ودول العالم للضغط من أجل تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2334 بشكل كامل، كما أهابت بكل الدول والقوى السياسية والشعبية في كل مكان للتعبير عن إدانتها ورفضها لما تقوم به حكومة الاحتلال الإسرائيلي من عمليات توسع استيطاني تتنافى مع هذا القرار ، وهنا لابد من القول بأنه يبدو بأن القيادة الفلسطينية ستبقى أسيرة البيانات والتحشيد الخارجي وفي نفس الوقت متناسية ضرورة إصلاح البيت الداخلي وإنهاء الانقسام من جهة والعمل في إطار سياسة عامة تعتمد على مبدأ التسامح والتلاقي والتعالي على الجراح حتى تستطيع أن تحصل بالفعل على احترام المجتمع الدولي الذي تهيب به وتناشده لأن يساندها، هذا عوضاً عن أن هناك مفارقة بين المطالبة بقرارات وطنية في الوقت التي يسقط فيه بعض الأطراف القيادية الفلسطينية قرارات تتعلق بحقوق وطنية تخص الفرد والمجتمع وتحافظ على كرامتهم ، فهل فاقد الشيء يعطيه؟!.
أخيراً وبالرغم من التخوفات المشروعة من أن الحاضر يحمل معه مخاوف مستقبلية من تشكيل كيانات أو دول دينية في المنطقة قد تؤدي إلى صراعات بين الأديان والحضارات، إلا أنني لا زلت مؤمناً بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو رئيس يتمتع بمصداقية حقيقية ولديه رؤية صادقة ويمتلك القدرة على اتخاذ القرار بما يتناسب مع مصالح بلاده كدولة عظمى مسؤولة عن أمن العالم وراعية لمصالحه، وتحقيق ما لم يستطع غيره تحقيقه من قبل خاصةً أنه لا زال في بداية مرحلته الرئاسية الأولى وبدون شك سيكون لديه طموح بأن يبني سياسات تضمن له الترشح لمرحلة رئاسية ثانية وبالتأكيد هو يدرك بأن هناك متطلبات ومحاذير وشركاء لا يمكن تجاهل تأثيرهم وقدراتهم حتى يستطيع الاستمرار في العمل على تحقيق رؤيته والنجاح في ذلك.