الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

ترامب.. نتنياهو..الفلسطينيون..والخيارات المتعددة

نشر بتاريخ: 18/02/2017 ( آخر تحديث: 18/02/2017 الساعة: 20:07 )

الكاتب: عوني المشني

في المسوغات التي قدمت لتبرير تبني الفلسطينيين الحل المرحلي " النقاط العشرة " في دورة اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني ١٩٧٤ كان موضوع ميزان القوى هو المسوغ الأساس ، فميزان القوى لا يمكننا في ذلك الوقت من التحرير الكامل ، هذا طبعا اضافة لمبررات كثيرة وعميقة قدمها اصحاب هذا التوجه ، وربما ان القائد السياسي البارع الراحل صلاح خلف / ابو اياد في خطابه الشهير في جامعة بيروت العربية هو اكثر وأعمق من قدم تلك المسوغات ، لنصل بعد ثلاث وأربعون على هذا الطرح الى وضع اصبح فيه ميزان القوى لا يمكننا من إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع !!! وعندما نقول لا يمكننا فإننا ناخذ بالاعتبار ثلاث وعشرون عاما بعد اوسلو وتسعة عشر عاما قبلها لم تمكننا كل هاتين الفترتين من الوصول الى الدولة المنشودة ، هذا يجعلنا نقف لنسأل : ما الحل ؟؟ ميزان القوى لا يمكننا من تطبيق الحل المرحلي الذي تم تبنيه عام ١٩٧٤ ، الى أين سيقودنا ذلك ؟؟؟
هناك اكثر من خيار ويجب على السياسي ان لا يحشر نفسه او يسمح للآخرين ان يحشروه في مسارات اجبارية ، تعدد الخيارات ليست منوطة بالظروف الموضوعية فحسب بل بالمفردة القيادية على الإبداع والتخطيط أيضا ، لان المقدرة على التقاط اللحظة التاريخية هي ابداع قيادي أيضا .
الاول : ان ننزل بمستوى طرحنا للوضع الذي يمكننا ميزان القوى من تحقيقه !!!!
الثاني : ان نعمل على تغيير ميزان القوى لوضع يسمح لنا من تحقيقه
الثالث : ما دام ميزان القوى لا يسمح بالحل المرحلي ولا بالحل الاستراتيجي الأساس لنتخلى إذن عن الطرح المرحلي الذي تم تبنيه لتحقيقه ونعود الاستراتيجي كونه يمثل خيارا اكثر عدالة لنا خاصة ان كلا الخيارين غير قابلان الان للتحقيق
وبذلك ينتفي السبب الذي جعلنا نتبنى الحل المرحلي
الرابع : ان لا نعتبر مما حصل ويحصل ونستمر في ذات الطريق التي سرنا عليها ونواصل وبنفس الأدوات السعي بهدف تحقيق الحل المرحلي
نقاش الخيارات الاربعة مهم جدا وصولا لتحديد التوجه المبدئي اولا قبل الدخول في تفاصيل الاستراتيجية
ان ننزل بطرحنا لمستوى يمكننا ميزان القوى تحقيقه يعني في مثل حالتنا ان ننزل دون الحد الأدنى المقبول وطنيا وان نتنازل عن ثوابت وطنية وان نعطي الفرصة للاعتراف بالرواية الإسرائيلية كاملة وبكل ما تعنيه ، هذا يعني استسلام دون شروط ، ان ما هو اقل من دولة فلسطينية في الضفة والقطاع هو تسليم بالموقف الاسرائيلي واستسلام له ولا يمكن ان يشكل أساس لسلام مقبول فلسطينيا وله صفة الدوام .
اما ان نعمل على تغيير ميزان القوى هذا ضروري ولكن بالنظر الى عنصري الزمن والإمكانية وعلاقتهما فان تغيير ميزان القوى يحتاج الى وقت اكبر بكثير من الوقت الذي يحتاجه العدو لتحقيق أهدافه الاستراتيجية وهنا يكون السباق خاسرا ، تغيير ميزان القوى يحتاج اولا لحالة عربية مختلفة ويحتاج الى اعادة بناء فصائل العمل الوطني الفلسطيني على أسس مختلفة ، ويحتاج الى تنامي دور أوروبا وروسيا سياسيا لمواجهة التفرد الامريكي ، هذا يحتاج الى مزيد من الوقت اكثر بكثير مما تحتاجه اسرائيل لتكريس الضم الضفة وتهويد الارض وبالتالي فان سباق الإمكانية والزمن سباق خاسر الان على اقل تغيير ، طبعا ربما يأتي تطورا غير متوقع يقلب ميزان القوى رأسا على عقب ، هذا ممكن ولكن لا تحسب التوقعات الغير متوقعة في الاعتبار عند بناء استراتيجية لان الغير متوقع هو استثناء خارج عن القاعدة
اما الاستمرار على ذات النهج وبذات الأدوات فهو خيار يمثل اعادة التجربة وبذات الأدوات وبنفس الظروف وتوقع نتائج مختلفة ، انه السذاجة بعينها هذا اذا افترضنا حسن النية ، كمادات هذا الموقف يمثل تجاهلا اما ساذجا او مقصودا للمتغيرات وربما سيعمق الأزمة التي نعيش اكثر من ان يحلها ، انه خيار سيؤدي في النهاية الى وضع نفتقد فيه القدرة على الاختيار ، وهذا الخيار هو تتويج لللمنهج الذي اعتمد في اوسلو لإنقاذ القيادة وتحقيق مصالحها بعض النظر عن التراجع الخطير على وضع القضيةالفلسطينية .
لا نستطيع تغيير موازين القوى ولا ان ننزل للمستوى الذي تسمح به موازين القوى ، ولا يمكن الاستمرار بهذا الوضع
إذن نحن امام الطرق المغلقة والابواب الموصدة
كيف سنخرج ؟؟؟
عندما تصل النخب السياسية القائدة الى وضع ليس لديها اجوبة على التساؤلات التي تواجه الجمهور تكون تلك النخب قد استنفذت طاقتها الإبداعية وتحولت الى دمى تلهث خلف الحدث ولا تصنعه ، هذا الوضع نحن نعيشه بكل التفاصيل ، نخب سياسية وثقافية لا تمتلك اجابات حقيقية وتتخبط امام الآتي وتحليلها للمستقبل اقرب ما يكون ضربا بالرمل !!!!
ان الميكانيكية المفرطة في الارتجال هي التي وضعتنا امام هذا الوضع ، فسياسة التسليم بامريكيا وسيطا وحيدا جعلتنا نفتقد الخيارات اما المتغيرات التي حصلت في امريكيا ، وطريقة المفاوضات هي الخيار الوحيد جعلتنا نفتقد الخطوة التالية امام توقف المفاوضات ، ان قيادة ساذجة فقط وقصيرة النظر فقط هي التي تضعنا امام الخيار الواحد دائما ، لان هناك ودائما بدائل للخيار الواحد يجب ان تبقى قائمة ولا نغلق الباب أمامها .
مرة اخرى نجد ان هناك من يعتقد ان الاستمرار بالمراهنة على خيار واحد هو الحل فالذين ما زالو يراهنون تبني ترامب لخيار حل الدولتين هم ذاتهم من وضعو مصيرهم ومصير شعبنا فقط بيد الادارة الامريكية ، والبحث بين الحروف فيما قاله ترامب لا يشكل مخرجا من الأزمة ، فالازمة الحقيقية ليس فيما قاله او لم يقله ترامب إنما الأزمة تكمن في سياسات نخب قيادية سلمت مصيرنا للإدارة الامريكية .
لقاء ترامب نتنياهو هو لقاء في مصعد البناية ، احدهم خارج والثاني داخل ، نتنياهو خارج بفعل ملاحقة الشبهات له وتقديم لائحة اتهام ضده في مستقبل قريب جدا وترامب داخل بدون خبرة وتجربة ، التقيا قي مصعد ، سيتحدثا في كل شيئ دون ان ينجزا اي شيئ ، فقدان الخبرة والتخوف من الاستقالة الإجبارية وانعدام الوقت الكافي لن ينجزا سياسات استراتيجية ، كلا الأطراف يحتاج لوثت إضافي لم يتوفر بفعل تسارع الأحداث ، ترامب يحتاج الى الوقت ليشكل خبرة ، نتنياهو يحتاج للوقت لتمر أزمة الشبهات ، الفلسطينيين يحتاجون بوقت لتصل قيادتهم الى قناعة بفشل سياسة الخيار الوحيد الذي تم حشرهم فيه بفعل سذاجة قادتهم ، ولذلك نحن امام ظرف غير مهيأ لحل ، ومن يعتقد ان عام ٢٠١٧ هو عام إنهاء الاحتلال قد يكون اعتقاده صحيحا في حالة واحدة وهي إنهاء الاحتلال بفعل اقدام اسرائيل على ضم الضفة الغربية واعتبارها منطقة ليست محتلة . امام هذا الوضع فان تطوير الأدوات لتحقيق طموح شعبنا هو الخطوة الاولى والاهم للخروج من المأزق ، نعم ان تطوير الأدوات والإبقاء على الخيارات المفتوحة خروجا من منطق الاختيارات الإجبارية يشكل سياسة خلاقة وابداعية ولا يبقينا رهينة في يد الادارة الامريكية والمتغيرات التي تحصل عليها . لكن العقبة الحقيقية امام هذه الاستراتيجية هي مصالح النخب التي تتضرر بفعل سياسة الخيارات والأدوات المتعددة ، ولذلك تحشرنا في سياسة الخيار الوحيد واداة العمل الوحيدة ، هذا الخيار الذي يتآكل بفعل هشاشة الاداة الوحيدة لتكمل اسرائيل برنامجها بقضم الضفة الغربية وبدون متاعب تذكر
ان بناء استراتيجية مختلفة وفاعلة يحتاج الى تحرر من مفهوم الخيار الواحد والأداة الواحدة ، ربما هذا التحرر والانتقال الى سياسة الخيارات والأدوات المتعددة يحتاج الى قيادة متحررة من التزامات اخذتها على نفسها سرا وعلانية.