الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

سلام فياض : لقد أجبت بإقتدار

نشر بتاريخ: 19/02/2017 ( آخر تحديث: 19/02/2017 الساعة: 09:58 )

الكاتب: زهير الشاعر

قبل يومين وبالتحديد يوم الخميس السادس عشر من فبراير 2017 وبعد عرقلة قرار تعيينه كمبعوث للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثتها في ليبيا وذلك من قبل الإدارة الأمريكية ، نشر د. سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني السابق على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، كلمات أجاب فيها باقتدار بأنه لن يكون هنالك صفقة مقابل حصوله على هذا التعيين.
كما تحدث فياض في كلماته المختصرة تلك بثقة كبيرة وإدراك ووعي رجل دولة وكأنه كان يقرأ المشهد باقتدار ، بأنه " منذ أن أشهرت الإدارة الأمريكية "الكرت الأحمر" في وجه تعيينه كممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيساً للبعثة الأممية الخاصة بدعم ليبيا، برزت عدة تساؤلات بشأن مبررات هذا الرفض الأمريكي، وتلتها تكهنات باحتمال ترتيب صفقة لتجاوز ما سمي بالفيتو الأمريكي، خاصة وأن الأمم المتحدة لم تحسم أمرها بعد فيما تنوي اتخاذه من إجراء إزاء ذلك، لا لجهة المضي قدماً في تعيينه، ولا لجهة اختيار مرشح آخر من بين من تنافسوا على شغل الموقع المذكور. وقد تعاظمت هذه التكهنات في أعقاب ادعاءات إسرائيلية رسمية بلعب دور البطولة في تعطيل تعيينه من منطلق "انحياز الأمم المتحدة الدائم" للجانب الفلسطيني".
بدوره علق الأمين العام للأمم المتحدة على ذلك في عدة مناسبات لاحقة لذلك الموقف الأمريكي الذي فسر بأنه فيتو على تعيين د. فياض في هذا الموقع، وكان أخرها اليوم السبت 18 فبراير، مدافعاً عن موقفه وتأكيد على ثقته باختياره فياض ، حيث قال في كلمة ألقاها أمام مؤتمر السياسات الأمنية المنعقد في مدينة ميونخ الألمانية، ان المعارضة التي لقيها اقتراحه بتعيين رئيس الوزراء الفلسطيني السابق د. سلام فياض في منصب الموفد الخاص الى ليبيا كانت خطأ كبيراً ، وأن اختيار فياض كان نابعاً من نظرية ضرورة اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب والوقت المناسب، لا بل أن فياض بإمكانه المساعدة بالفعل في تهدئة الأوضاع في هذه الدولة التي تعاني نزاعاً أمنياً داخلياً.
فياض أيضاً كان صارماً في إجابته على التكهنات والتساؤلات حول هذا الموقف من تعيينه وذلك من خلال عدة رسائل أرسلها لجميع الأطراف المعنية بذلك والتي اهتمت بهذا الأمر ، حينما أوضح بأن ما يتعلق بشأن التكهنات باحتمال عقد صفقة لتجاوز الرفض الأمريكي، وهو أمر لا يجيزه المنطق في ضوء جوهر الاعتراض الذي عبر عنه البيان الأمريكي المذكور، والمتمثل في عدم الاعتراف بدولة فلسطين التي نعتز جميعاً بالانتماء إليها، حيث عبر عن رفضه التام لأي شكل من أشكال التسويات أو الصفقات، كما أنه قطع الطريق على من أرادوا ركب المركب حينما ألمح إليهم بكلماته تلك قائلاً ، بأنه لا لجهة ما يمكن أن "تمغمغ" الإشارة لانتمائي لفلسطين بمسماها في الأمم المتحدة، ولا لجهة الابتزاز المتمثل في منح إسرائيل جوائز ترضية "لتحليل" تعييني ، معبراً بأن هذا هو موقفه القطعي، والذي لا يمكن أن يتخلى عنه تحت أي ظرف كان.
وختم قوله مطمئناً الجميع من افراد شعبه والمراقبين لموقفه المشرف هذا من أبناء الأمة العربية وخاصة من أبناء الشعب الليبي الذين عبروا عن بالغ اهتمامهم بأمر تعيينه في هذا الموقع ، وذلك بالقول: اطمئنوا، لن تكون هنالك صفقة، إذ لا يمكن أن أكون جزءاً من هكذا صفقة.
فياض بذلك وجه لكمات قوية في وجه الذين كانوا يريدون الإساءة إليه أو توريطه ليصبح في مرمى القذف والتشهير ، وارتفع عالياً بروافع محبيه ومن يحترمه ويقدر رؤيته الوطنية ، ليستعيد بذلك ثقة شعبية كاد المتربصون به أن يسقطوها عنه ويحرموه من رؤيتها.
لذلك لابد هنا من الإشارة إلى عدة نقاط من المفيد أن يدركها المجتمع الدولي ولربما أنها فاتت على الإدارة الأمريكية التي لا زالت في بداياتها السياسية وبالتالي لا بأس في تفهم موقفها المتسرع هذا ، وقد بادر سفير أمريكي سابق عمل في كل من إسرائيل ومصر وهو دانيال كير تزر ، لتدارك موقفها هذا غير الموفق، داعياً إياها بضرورة إعادة النظر في موقفها لا بل طالبها بالاعتذار لرئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض وسحب معارضة أمريكا لتعيينه مندوبًا للأمم المتحدة في ليبيا، واصفًا إياه بأنه شخصية مثقفة ونزيهة:
أولاً سلام فياض هو شخصية فلسطينية عربية مرنة ، وتربطه علاقات دولية واسعة مع جميع الأطراف بما فيها الليبية ، كما يحظى بثقة واسعة واحترام كبير لدى هذه الأوساط، وهذا يؤهله للتعاطي مع هذه المشكلة بهدوء حتى يصل إلى حلول منطقية مقبولة لدى الجميع وفاعلة تخدم المنطقة وتوقف الصراع ونزيف الدم هناك.
ثانياً اهتمام الأطراف الليبية بتعيين د. سلام فياض واستعداد غالبيتها للتعاطي معه والاستماع إليه سيكون عاملاً حيوياً سيساعد في نجاح مهمته وتسريع وضع حد للنزاع الأمني هناك.
ثالثاً: كون أن د. سلام فياض هو رجل دولة وهو عربي معروف برؤيته المعتدلة ، ويتمتع بخلق كبير وتواضع هائل هذا عوضاً عن إلمامه الفكري والمجتمعي بطبيعة المنطقة الصحراوية والبدوية، وما يترتب على ذلك من عادات وتقاليد لأهلها، وبالتالي سيكون بالفعل هو الرجل المناسب في المكان المناسب وفي الوقت المناسب لحل هذه الأزمة التي طال انتظار حلها وزاد عدد ضحاياها.
رابعاً: خوض د. سلام فياض لهذه التجربة والنجاح فيها سيؤهله بدون شك لمرحلة لاحقة تتعلق بالشأن الفلسطيني خاصةً أن الداخل الفلسطيني بات يغلي وتواجهه تحديات كبيرة ومخاطر صراع دموي في ظل الخصومات المتزايدة، والعمل المتسارع من قبل كل طرف على تخزين السلاح استعدادا للمرحلة اللاحقة للرئيس الفلسطيني محمود عباس في سياق صراع متوقع على السلطة والنفوذ، مما سيجعله يمثل صمام الأمان لعدم الدخول في هذه الطريق الوعرة التي لا تصب في صالح أي طرف من الأطراف الدولية أو الإقليمية أو المحلية ، كما أنه في تقديري سيكون قادراً على نزع السلاح غير الشرعي في الساحة الفلسطينية حكمة وبدون صدام وهذا سيمثل عاملاً إيجابيا وسيمنح فرصة أكبر لإرساء السلام وترسيخ القانون وضمان الأمن والأمان.
مما سبق ومع إدراكي بأن الإدارة الأمريكية لا زالت في طور بلورة الوعي السياسي اتجاه التعاطي مع التحديات التي تواجه العالم ، فإنني أرى بأنه لا زال هناك أمل كبير ليحظى د. سلام فياض بهذه المكانة لينطلق بمهمته الأممية ويكون عاملاً مساعداً في إرساء عملية سلام مأمولة وباتت ملحة بين الأطراف المتصارعة في ليبيا .
كما أنني بِتُ على يقين بأن الجانب الفلسطيني أيضاً أصبح بحاجة ملحة أكثر لإمكانيات سلام فياض ليعود للمشهد الفلسطيني من جديد بصلاحيات واسعة للمشاركة في صناعة القرار وإعادة اللحمة الوطنية وإرساء مصالحات فعلية وشاملة للبدء في عملية البناء المنشودة للدولة الموعودة.