الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الفلسطينيون والإسرائيليون :خيارات الصراع وخيارات البقاء والتعايش!

نشر بتاريخ: 28/02/2017 ( آخر تحديث: 28/02/2017 الساعة: 15:20 )

الكاتب: دكتور ناجى صادق شراب

ما زال التساؤل مطروحا منذ نشأة القضية الفلسطينية وحتى الآن منذ أكثر من ستين عاما، إلى اين تتجه العلاقة بين فلسطين وإسرائيل؟واى خيار سيحكم العلاقة بينهما، هل خيار الصراع الدائم، والعنف والقتل، ومزيد من الكراهية والحقد والثأر،أم البحث عن صيغ للتعايش والحياة المشتركة. كل خيار له محدداته ومعطياته.ففى ضؤ المعطيات السياسية الفلسطينية والإسرائيلية ، والتحولات الإقليمية والدولية فى موازين القوى ، وتبدل مفاهيم المصلحة المشتركة ـ لا يبدو ان العلاقة بين الطرفين تتجه للتسوية والسلام، بل إن التوجه نحو العنف والمواجهة العسكرية الطابع قد تكون هى المسيطرة ، فعلى مستوى العلاقة المباشرة الواقع السياسى لا يشجع على التوجه نحو الحل السياسى وحل الدولتين الذى قد أجهضته إسرائيل بالمزيد من البناء الإستيطانى والتهويد ومصادرة الأراضى الفلسطينية ، ورفض كل الحلول الدولية وآخرها قرار مجلس الأمن 2334،الذى حمل تحذيرا واضحا ان حل الدولتين فى مأزق خطير، وان الإستيطان يغلق باب الدولة الفلسطينية. فالحكومة الإسرائيلية بتركيبتها اليمينية برئاسة نتانياهو ليست ملتزمة بالعملية التفاوضية على أساس حل الدولتين. وإعلان نتانياهو بقبوله بحل الدولتين مجرد شعار مضلل وتغطية للمزيد من المستوطنات وصولا لمرحلة تصبح عندها الدولة الفلسطينية مستحيلة ، رؤيته ورؤية حكومته تقوم على أساس اللادولة ، القبول بدرجة ادنى من الدولة الفلسطينية . 
وليست على إستعداد لإتخاذ خطوات ملموسة يمكن ان تسمح بقيام الدولة الفلسطينية،ويذهب أعضاء بعض هذه الحكومة أمثال نفتالى وغيره إلى إقتراح بضم مناطق ج المفترض ان تنسحب منها إسرائيل، ويتفقون على عدم قيام دولة فلسطينية لتضم ما يقارب من 19 فى المائة من مساحة فلسطين، وخصوصا مناطق ب وج والتى تشكل القلب لإسرائيل ولفلسطين فى الوقت ذاته. ويرون انه لا يوجد ما يدفع إسرائيل لتقديم تنازلات فى هذا الشأن. والتصلب اكثر حول القدس وحل مشكلة اللاجئيين، وبهذه الرؤية يبتعدون عن خيار التعايش والبحث عن حلقات مشتركة . 
وفلسطينيا الوضع السائد ليس احسن فالسلطة الفلسطينية فى أضعف حالاتها، وتعانى من مشاكل إقتصادية ومالية ، والتحدى ألأكبر هو مرحلة ما بعد الرئيس وسيناريوهات الصراع على القيادة. والسيناريو الأكثر إحتمالا الذهاب نحو الصراع واإندلاع إنتفاضة جديدة مسلحة ، والسلطة الفلسطينية فى وضع لا يسمح لها بالذهاب بعيدا فى إمكانية تقديم تنازلات فى موضوع الإعتراف بيهودية إسرائيل، ولا ملف اللاجئيين والقدس. وهو ما يؤكد إستبعاد الطرفان الرئيسان لأى خيارات للتسوية والتعايش، حتى الذهاب للخيارات الدولية فهذا غير مضمون ، ويخضع لتقلبات السياسة فى كثير من الدول المؤثرة وبروز دور التيارات الشعبوية وإحتمالات تفكك الإتحاد ألأوروبى وخصوصا بعد فوز الرئيس ترامب الذى تجاهل حل الدولتين فى مؤتمره الصحفى مع نتانياهو . 
وعربيا يلاحظ التراجع الواضح فى سلم وأولويات السياسات العربية، والتى لم تعد القضية الفلسطينية فى ظل التحولات العربية ، وإنشغال الدول العربية بتثبيت أنظمة الحكم فيها قضية أمن عربى ، بل نلاحظ التطور الدراماتيكى فى مفهوم العدو الذى يتهدد ألأمن القومى العربى ، والذى لم تعد معه إسرائيل لدى عدد من الدول العربية دولة عدو، بل يمكن التعاون والتنسيق معها لمواجهة تهديدات اخرى مصدرها إيران بسياساتها التوسعية ، وهذا التحول هو الذى تعول عليه إسرائيل فى قيام سلام وتطبيع علاقاتها مع الدول العربية ، ومن ناحية اخرى لم تعد الدول العربية تشكل عمقا إستراتيجيا ولا إقتصاديا للفلسطييين، بسبب الحروب التى تنغمس فيها كثير من الدول العربية فى اليمن وليبيا وسوريا. ودلالات هذا المتغير العربى انه يدفع فى إتجاه الإبتعاد عن خيار التسوية الشاملة ،رغم إدراكها أنه لا يمكن إقامة سلام مع إسرائيل بدون السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. 
والتحول الذى يشكل تحديا وتهديدا لإمكانية خيار التعايش والسلام وصول ترامب للرئاسة ألأمريكية ، وتأكيده على نقل السفارة ألأمريكية إلى القدس، وتأييده للإستيطان فى ألاراضى الفلسطينية ، ومهاجمته للقرار الأممى رقم 2334، ورغم إشارته لرغبته لتحقيق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلا إنه وإدارته ليس لديه تصورا شاملا لتحقيق السلام، ناهيك أن هذه الإدارة ستكون مشغولة بملفاتها الداخلية ، وبعض الملفات الإقليمية كالملف النووى الإيرانى والدور الروسى والصينى ، وهو ما يعنى تراجع الإهتمام بالقضية الفلسطينية وتسويتها تفاوضيا، ومما يدفع نحو من مزيد من التصادم والعنف بروز التيارات الشعبوية فى أكثر من أوروبا بما تعنيه من تحولات في ىالتوجهات السياسية للكثير من الدول الأوروبية ، وهى توجهات قد تدفع لمزيد من بروز وتمدد الإرهاب والتشدد فى العديد من الدول. 
ومما يقوى من خيار الصراع والعنف ومزيد من القتل كما رأينا فى عملية القدس الأخيرة ، التباعد بين الشعبين الفلسطينى واليهودى وتنامى قيم الرفض وعدم القبول، وبناء جدارات عالية من الحقد والكراهية والعزلة رغم ان هذا يتناقض والحتمية الجغرافية والبشرية ،وهى وحدانية الأرض التى يعيشان عليها والتداخل السكانى الذى لن تحول دون تدفقه اى عوازل امنية أو إسمنتية ، وهذا الوضع يفرض على جميع الأطراف المعنية بسلام وإستقرار المنطقة ان تبحث عن الحلول والمقترحات البديلة لهذا الخيار، والبحث فى كيفية تحقيق خيار التعاش المشترك، وهذا يتطلب مبادرات شجاعة أولا من طرفى الصراع تتعلق بالتحريض، وسياسات القوة ، وتوقف إسرائيل بإعتبارها دولة إحتلال ، فهى من يتحكم فى ألأرض والموارد وحركة السكان ، وهى من تعتقل وتحاصر الشعب الفلسطينى ، عليها ان تدرك ان هذه السياسات من شأنها أن تشجع على بروز مزيد من الرفض والتشدد، فلا يوجد شعب فى العالم يقبل ان يذل من قبل شعب آخر. فى هذا السياق لا بد من مبادرات لبناء الثقة المتبادلة ، والتعامل شعب لشعب، ومن منظور الحقوق الناقصة التى يعانى منها المواطن الفلسطينى ، ويحتاج إلى مبادرات دولية كبيرة تقوم على بناء البنية التحتية للسلام ، وخصوصا للفلسطيين، وهنا يمكن أن تساهم الدول العربية بدور فعال بترجمة المبادرة العربية لواقع ملموس. السلام الناجح والدائم يحتاج إلى ركائز وبنى سياسية ديموقراطية ، وحقوق مواطنه واحده، وقبول للآخر .وهو السلام الذى يشعر به المواطن فى فلسطين أولا ، وفى إسرائيل ثانيا، بدون هذه المواطنه الآمنة لا يمكن تحقيق السلام، ويبقى هذا السلام مسؤولية فلسطينية إسرائيلية اولا ،وعربية ودولية ثانيا.