نشر بتاريخ: 02/03/2017 ( آخر تحديث: 02/03/2017 الساعة: 10:31 )
الكاتب: نايف جراد
يبدو للوهلة الأولى، أن ما سمي ب " المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج"، الذي انعقد بتنظيم من "حماس" ودعم وتمويل قطري وتركي في العاصمة التركية إسطنبول يومي 25 و26 شباط الحالي، لم يكن أكثر من " دعوة للعودة إلى الأصول والمنطلقات والثوابت والوحدة، واستعادة روح الثورة ..."، ومن أجل" تفعيل دور فلسطينيي الخارج في معادلة النضال الوطني الفلسطيني، والتأكيد على الأصوات المنادية بحق العودة إلى كامل أرض فلسطين التاريخية المغتصبة"، كما جاء في بيانه الختامي.
لكن المتمعن بقرارات المؤتمر وبيانه الختامي، يستطيع أن يستنتج أن المؤتمر شكل محطة خطيرة في سعي حماس وحلفائها لتكريس الانقسام وخلق البدائل للمؤسسات الفلسطينية القائمة والانتقاص من دور منظمة التحرير الفلسطينية وصفتها التمثيلية الشرعية الوحيدة للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.
فالصيغة التي اعتمدها المؤتمر أكدت على " أن مهمة تطوير الدور الوطني لفلسطينيي الخارج ومشاركته في القرار السياسي الفلسطيني يجب أن يستند إلى إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي لكافة الفلسطينيين، وذلك عن طريق إجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة لانتخاب مجلس وطني جديد يفرز لجنة تنفيذية تكون قادرة عن وضع برنامج وطني جامع بعد إعلان التخلص من اتفاقية أوسلو وتصفية تركتها الضارة بحقوق الشعب الفلسطيني". وقد سارع أحد المدافعين عن المؤتمر والمتحمسين له السيد شاكر الجوهري ليكتب قائلا أن البيان الختامي أكد: “ على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي ممثلة الشعب الفلسطيني، مع شطب كلمة "الوحيد.ّ.. وأن "فلسطينيو"( والكتابة له!) الخارج، وقوى سياسية فلسطينية تريد المشاركة في المنظمة". وكتب أيضا:" مؤتمر اسطنبول كما فهمته من موقعي كمحلل سياسي محايد، هو تخيير منظمة التحرير بين فتح باب العضوية للكل الفلسطيني، أو التلويح بتشكيل منظمة موازية... ".وأكد الأمر السيد حسام الدجني من على صفحات موقع "حماس"، حيث كتب يقول: " أعتقد أن القطار انطلق، فلا وصاية لأحد على شعبنا، وحان الآن العودة إلى الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده كافة، فالعزف على سيمفونية الممثل الشرعي والوحيد لم يعد يقبلها أحد، فما لم تفتح المنظمة أبوابها للجميع ينبغي أن يفكر الفلسطينيون بطريقة أخرى، وخيارات مختلفة".
وهكذا فإن تشكيل البدائل هذه المرة، لم يعد يقتصر على المنظمات الشعبية والمهنية و روابط واتحادات اللاجئين، التي سعت حماس لإنشائها طوال الفترة الماضية، باعتبارها أذرعها الشعبية ومؤسساتها ونقاباتها، رافضة العمل الموحد، بل يتعداها صوب تشكيل مؤسسة ذات صفة تمثيلية وطنية جامعة، هي" المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج". وقد أشار زياد العالول المتحدث باسم المؤتمر إلى ذلك بقوله: " أن المشاركين في المؤتمر توافقت على تحويل المؤتمر لمؤسسة شرعية وانتخاب الهياكل التنظيمية الخاصة به". وقد جاءت قرارات المؤتمر لتؤكد ذلك: "يقرّر المؤتمر أنّه إطار شعبي جامع لتفعيل دور فلسطينيي الخارج في معادلة الصراع العربي الصهيوني، وفق رؤية وإستراتيجية واضحة، ويدعو إلى احترام الإرادة الشعبية، وعدم الانتقاص من دورها في مسار العمل الفلسطيني. كما يشدّد على أنّ أبوابه مفتوحة لأبناء الشعب الفلسطيني ومؤسساته ويوصي أن يكون مقره الرئيسي في بيروت – لبنان".
وما دام الحديث يجري عن إرادة شعبية يجب احترامها وإطار جامع، أبوابه مفتوحة لكل أبناء ومؤسسات الشعب الفلسطيني، وله هيئة عمومية وأمانة عامة وأمانة سر، فهذا يعني بوضوح أن للمؤسسة صفة تمثيلية. أي أن على منظمة التحرير الفلسطينية، إذا أرادت أن تكون ممثلة للجميع فعليها أن تشرك القائمين على هذه المؤسسة باعتبارهم يمثلون" فلسطينيي الخارج" وإلا فإن هذه المؤسسة ستكون موازية للمنظمة بمجلسها الوطني، ورئاستها. وبالطبع على المنظمة أن تشرك في إعادة بنائها حماس أيضا( والجهاد الإسلامي)، وبذلك تضمن حماس قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.أي أن المطلب الوطني العام لاعادة بناء المجلس الوطني على أسس ديمقراطية تضمن مشاركة الجميع فيه بمن فيهم حماس والجهاد بات مشروطا، ووضعت العصي في دواليبه مسبقا.أما انتخاب أعضاء المجلس الوطني في الداخل والخارج فيبدو أنه للاستهلاك فقط. ومن يهمه أمر الانتخابات فعلا، كان أولى به أن يسمح بإجراء انتخابات المجالس المحلية في غزة، لتكون حركا شعبيا ضاغطا باتجاه تنظيم انتخابات المجلس الوطني وغيرها من انتخابات للرئاسة والتشريعي.
وإذا حسنت النوايا،وكان الطلب فعلا إجراء انتخابات شفافة ونزيها لعضوية المجلس الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج، فإن هذه المؤسسة بما تشمله من اتحادات وروابط للاجئين و تجمعات مهنية للمهندسين والمعلمين والكتاب والأدباء والمرأة والشبيبة وغيرها من الشرائح والفئات الاجتماعية، ستكون بمثابة تهيئة القاعدة الشعبية لحماس في الخارج وتعزيزها لتكون المؤسسة الجديدة ذراعا قوية وغطاء لها. ولعل تشكيل الهيئات يوضح ذلك: حيث عين الدكتور سلمان أبو ستة، المؤرخ والباحث الذي يعتد به، رئيس " هيئة أرض فلسطين" على رأس " الهيئة العمومية"، وكبل بنواب من حماس ( ماجد الزير، رئيس مؤتمر فلسطينيي أوروبا ومركز العودة في لندن، ورئيسة سيدات من أجل القدس الدكتورة نائلة الوعري، ورئيس حركة الشباب من أجل القدس سيف أبو كيشة وأمين السر محمد الأنصاري".أما الأمانة العامة فجاء على رأسها منير شفيق ( الذي تحول من الشيوعية السوفييتية إلى الوطنية والقومية ومن ثم إلى الماوية والخمينية وبات اليوم أحد كبار منظري الحركة الإسلامية ومن علماء المسلمين) وعين نائبا له المهندس هشام أبو محفوظ ( رئيس ما يسمى بالتجمع الدولي للمؤسسات والروابط المهنية الفلسطينية).
والغريب في الأمر، أن حماس قد رضيت بقرارات تتحدث عن العودة والتمسك بالثوابت كما جاءت في الميثاق القومي للمنظمة عام 1964 والميثاق الوطني عام 1968. ويبدو لي أن هذه الصيغة جاءت لترضي الاتجاه القومي الذي مثله البعض كالدكتور أنيس فوزي القاسم، والذي ترأس المؤتمر الشعبي.
ولعل العودة للميثاق القومي، الذي تجاوزته منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها المسلحة عام 1968، والعودة للحديث عن التمثيل وتحرير كامل التراب الفلسطيني والدولة من النهر إلى البحر، إن هي وإن كانت نقية في خارجها وتدغدغ العواطف، إلا أنها حيث تأتي مع الحديث عن ارادة شعبية ومؤسسة شرعية تمثيلية، تمثل عودة وانتكاسة إلى مرحلة ما قبل عام 1967، وإلى مرحلة التنازع على التمثيل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وكأن من هم وراء المؤتمر وداعميهم، يخططون لمرحلة جديدة بعد فشل عملية التسوية والمأزق الحاد الذي وصل إليه حل الدولتين، متساوقين مع الطروحات الجديدة لقادة الكيان الصهيوني والبيت الأبيض، الذين عبروا مؤخرا عن رفضهم قيام دولة فلسطينية مستقلة. ويبدو أن الحديث عن دولة غزة، الذي برز بشكل واضح في الآونة الأخيرة، ليس ببعيد عن كل ما يجري ويخطط له.
الموقف المطلوب
لا يكفي القول من قبل منظمة التحرير الفلسطينية وعلى لسان أحد المسؤولين في دائرة شؤون اللاجئين، أنه لن تتعامل المنظمة مع المؤتمر الشعبي، وأن ردها هو بعقد المجلس الوطني قريبا.إن خطورة ما يجري يستدعي استنفارا وطنيا من كل الغيورين على مستقبل المشروع الوطني ومنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وكيانه الوطني الجامع وائتلافه الجبهوي العريض ومرجعيته الوطنية العليا، وبخاصة من قبل مؤسساته الرئيسية ممثلة بالمجلس الوطني واللجنة التنفيذية ودوائرها التابعة لها كدائرة شؤون اللاجئين ودائرة المغتربين ودائرة المنظمات الشعبية، إلى جانب المؤسسات والاتحادات الشعبية والمهنية وروابط وجمعيات واتحادات ومؤتمرات وشبكات اللاجئين الفلسطينيين في الخارج. وهو ما يتطلب عقد اجتماع سريع للمعنيين للتخطيط واتخاذ قرارات وتخصيص ميزانيات للتحرك على صعيد الشتات بحيث لا يترك فراغ يمكن أن يملأه آخرون، والحياة تكره الفراغ.
ويمكن أن يشمل التحرك المحاور التالية:
1. استئناف أعمال اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني والإسراع في اتخاذ كافة التدابير اللازمة لعقده بحضور وطني شامل.
2. عقد اجتماع لكافة الاتحادات الشعبية ووضع خطة للتحرك والتنظيم في الخارج. والعمل على إعادة بنائها ديمقراطيا وانتخاب هيئات جديدة شابة وفاعلة لها تتجاوز ترهلها وشيخوختها.
3. تنسيق العمل بين دائرة شؤون اللاجئين والمغتربين للاهتمام بفلسطينيي الشتات على أساس التمسك بحق العودة والدفاع عن حقوق اللاجئين وتأمين الحماية الدولية لهم، و لتعزيز العمل وتوحيد الأطر العاملة في مختلف القارات والبلدان وعلى المستوى العام.
4. تفعيل سفارات دولة فلسطين وممثليات منظمة التحرير الفلسطينية وتعزيز صلاتها بالجاليات ودعمها للمؤسسات العاملة، بالتنسيق مع الدوائر المذكورة والاتحادات الشعبية. و إيصال رسائل واضحة للمؤسسات الرسمية في كل بلد بعدم التعامل مع "المؤتمر الشعبي.." كمؤسسة تمثيلية شرعية.
5. القيام بحملة واسعة من قبل الإعلام الفلسطيني الرسمي، سواء لجهة الاهتمام بتجمعات الشعب الفلسطيني في الخارج أو فيما يتعلق بخطاب حق العودة وحقوق اللاجئين وتعزيز صلات المغتربين بالوطن واستثمار طاقاتهم وكفاءاتهم.