نشر بتاريخ: 03/03/2017 ( آخر تحديث: 03/03/2017 الساعة: 10:45 )
الكاتب: زهير الشاعر
مع نهاية عام 2016 وما مر فيه من توترات هائلة في الساحة الفلسطينية فرضت بقوة تحديات كبيرة أمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مما اضطره لعقد المؤتمر العام السابع لحركة فتح لينقذ منظومته من السقوط والانهيار، وليقدم نفسه من جديد كرئيس قوي لا زال يمسك بزمام الأمور في الساحة الفلسطينية ، والحق يقال بأنه استطاع أن ينجز ذلك بجدارة ويفرز لجنة مركزية مطيعة وغير مشاكسة، ومع بداية عام 2017 استطاع أيضا أن يفرز نائباً له كرئيس لحركة فتح التي تعتبر الحركة الفلسطينية الأكبر والأكثر تأثيراً وهي صاحبة القرار الفعلي في هذه المرحلة في تحديد مصير الشعب الفلسطيني وهذا أثار حفيظة الكثيرين من أبناء الحركة الوطنية الفلسطينية فَتْح ، وفَتَحَ الباب مجدداً أمام صراعات من نوعٍ أخر، لا زال وجود الرئيس الفلسطيني محمود عباس على رأس السلطة الفلسطينية يمنع انطلاق شرارتها!.
لكن هذا لا يغفل بأنه مع بداية عام 2017 برزت عدة تطورات مهمة تخص الشأن الفلسطيني برمته سواء على الساحة الوطنية أم على الساحة الدولية والإقليمية ، حيث بدأ العام 2017 بالتصويت على قرار 2334 في مجلس الأمن والذي نص على إدانة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وأكد على عدم شرعيته ، كما انعقد بعد ذلك مؤتمر باريس الدولي للسلام والذي أوصى بضرورة حماية حل الدولتين الذي بات مهدداً، وفي يوم الجمعة 20 يناير 2017 تسلم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاليد الحكم للولايات المتحدة الأمريكية رسمياً والذي عبر بدوره بوضوح بأن إدارته تحمل أجندة سياسية مختلفة بالكامل عن أجندة إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وكان واضحاً بأنه لن يضع مشكلة الشرق الأوسط في سلم أولوياتها بالرغم من أنه أكد على وضع علاقة إدارته بإسرائيل بأنها في موقع متقدم من أولوياتها ولن تتغير ، على أن تحظى إسرائيل بكل الدعم من هذه الإدارة.
هذا ما أكد عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليلة الثلاثاء 28 فبراير 2017 في خطابه الأول أمام الكونجرس الأمريكي الذي شرح خلاله سياسات إدارته في المرحلة القادمة ، حيث أكد على أن اهتمامات إدارته ستكون في سياق التركيز على تحسين الوضع الداخلي الأمريكي من الناحية الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية وتلبية الاحتياجات الحياتية للمواطن الأمريكي، والارتقاء بمستوى معيشته وطموحاته وتأمين الحدود الأمريكية ومحاربة الإرهاب بقوة وبدون هوادة.
إلا أن السيناتور الديموقراطي بريني ساندرز قدم رؤية مهمة ومتقدمة أمام مؤتمر منظمة "جي ستريت" اليهودية الأمريكية المناهضة للاحتلال الإسرائيلي، ولكنها رؤية غير ملزمة للإدارة الامريكية، وذلك بخصوص عملية السلام المتعثرة في الشرق الأوسط، لُخٍصَت بأنه ليس هناك شك في أنه ينبغي أن يدرك الجميع أن الاحتلال الإسرائيلي يتعارض مع القيم الأميركية، حيث عبر بأنه يعتقد أيضاً بأن الاحتلال يتناقض مع القيم الإسرائيلية"، كما أشار إلى أن "هؤلاء الذين يدعمون إسرائيل يجب أن يقولوا الحقيقة بشأن السياسات (الاستيطانية) التي تضر بفرص التوصل إلى حل سلمي".
هنا لابد من الإشارة إلى أن ما قاله السيناتور ساندرز هو أمر لا يستهان به حيث أنه هناك ضرورة لمتابعته بشكل محترف وغير صدامي والبناء عليه لفتح أبواب حوار قد تساهم في إعادة الأهمية بالنسبة للقضية الفلسطينية في أجندة الإدارة الأمريكية وذلك لمواجهة مخاطر فكرة طرح قطع المساعدات الأمريكية عن الشعب الفلسطيني بطريقة دبلوماسية التي يسعى بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي لطرحها للتصويت حتى تنال الموافقة للالتزام والتنفيذ.
كما أنه عُقِدَ في القاهرة مؤتمر للشباب حضره محمد دحلان ولفيف من الشباب الفلسطيني من أنصاره من الداخل والشتات بلغ عددهم ما يقارب خمسمائة شخص، وقد أثار انعقاد هذا المؤتمر غضب واحتجاج السلطة الفلسطينية ، أدى إلى حملة أمنية شرسة في الضفة الفلسطينية شُنَت ضد العناصر الفتحاوية من أنصار دحلان الذين شاركوا في هذا المؤتمر الذي أُعْتُبٍرَ بأنه مناهضاً للرئيس الفلسطيني محمود عباس.
تبع ذلك مؤتمر لفلسطينيي الشتات عُقٍدَ في مدينة إسطنبول التركية، حضره ما يقارب من ستة آلاف مشارك من جميع أنحاء العالم، وخرج بتوصيات متشددة زادت من حجم التحديات أمام منظومة الرئيس محمود عباس وأسست لكيان يوازي أو ينافس كبديل لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تعتبر الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
كما حصل تطور في العلاقة الأمنية ما بين القاهرة وقطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس بحكم الواقع والقوة، لربما ينتج عن ذلك تخفيف الضغط عن قطاع غزة على أمل أن يؤدي ذلك إلى تخفيف الضغوطات الأمنية في سيناء التي تفرض تحديات على القيادة المصرية.
في ظل هذه التطورات والأحداث جاء الرد المصري صادماً وقوياً عندما كُشٍفَ بشكل مفاجئ عن حجم التوتر بين السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس وجمهورية مصر العربية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي التي لا زالت تمثل الدولة العربية الأكثر أهمية بالنسبة للقضية الفلسطينية، وذلك بسبب تراكمات يبدو بأنها أزعجت الأخيرة بشكل كبير ، حيث تبين هذا بوضوح من خلال عدم السماح للواء جبريل الرجوب عضو وأمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح بدخول القاهرة للانتقال إلى شرم الشيخ لحضور مؤتمر عن الإرهاب نظمته جامعة الدول العربية ، ويبدو بأن هذا الأمر سيحمل تبعات كبيرة سواء سلبية أو إيجابية على العلاقة بين الطرفين، لا سيما وأن المنع طال شخصية قيادية في المنظومة الفلسطينية.
كما أنه تم الإفصاح عن بعض أجزاء من التقرير الإسرائيلي حول حرب عام 2014 وأهم ما جاء فيه هو معرفة الجانب الإسرائيلي بالضغوطات الحياتية الهائلة التي يتعرض لها سكان قطاع غزة نتيجة الحصار المفروض عليه ، ومع ذلك أخفقت الحرب بتحقيق أهدافها، وعمقت من أزمة السكان، ولم تضع حداً للمشكلات الأمنية، لذلك كان هناك توصيات بضرورة إيجاد حلول سياسية للتعاطي مع قطاع غزة، وهذا أمر في تقديري له تبعاته الإيجابية على المواطنين في قطاع غزة في المستقبل القريب.
كما أنه لا أحد هنا يستطيع أن يتجاهل أن هناك حالة غليان تشهدها المدن الفلسطينية في الضفة الغربية هذه الأيام، وبالتزامن مع ذلك في ظل فقدان الأمل وانسداد الأفق السياسي وانعدام الثقة بالمستقبل، وما صاحب ذلك من قمع ومصادرة للحريات وتكميم للأفواه، هذا خلق معاناة كبيرة على كل الأصعدة وأزمات متتالية تزيد ولا تنقص أصبحت تهدد المجتمع الفلسطيني بشكل عام .
أخيراً ، وقبل انعقاد القمة العربية في مارس التي ستحتضنها المملكة الأردنية الهاشمية، يبدو بأن المشهد الفلسطيني في عام 2017 منذ البداية يشير إلى أن التحديات أمام الرئيس محمود عباس في زيادة لا نقصان وأن خصومه يزدادون عدداً وشراسة في تحديه، وتتوافق رؤيتهم حول الخلاص من مرحلته التي يراها المراقبين بأنها باتت تمثل عبئاً على الجميع بأسلوبها القائم، مما خلق حالة من الترقب والمتابعة للحالة الفلسطينية من قٍبَل المجتمع الدولي، أضعفت من قيمة أي جهد يصب في صالح القضية الفلسطينية ، لا بل جعلته خاوي الهدف والمضمون، والأمر لا زال في حالة ترقب مستمر، حيث أنه على ما يبدو بأنه لم يتبقى في جعبة الرئيس الفلسطيني ما يقدمه لشعبه على الساحة الداخلية التي أهملها على مدى سنوات حكمه، ولم يعد له حظوظ في أن يجلب حلول أو أي تقدم على الساحة الدولية والإقليمية.
لذلك في تقديري أن الرئيس محمود عباس سيكون أمام قرارات قوية على المستوى الداخلي في عام 2017 تتعلق بتغيير حكومي قريب وغير مسبوق عقب انعقاد القمة العربية ، ولربما يحمل معه عودة جديدة لرئيس الوزراء الفلسطيني السابق د. سلام فياض في محاولة من الرئيس عباس لاستعادة المصداقية والإمساك بزمام الأمور من جديد ، حيث لم يعد هناك المزيد من الوقت لتحمل المراوغات والاعتماد على الآلة الأمنية المطلقة، لأن الظروف والتحديات والخصومات القائمة باتت شرسة وتفرض حالة من ضرورة ابتكار أساليب تتماهى مع محاذير المرحلة، وهذا يتطلب بأن يكون هناك اتخاذ قرارات تصحيحية جامعة باتت مُلٍحَة تمتص حدة الغضب وتقلل من شحنتها وتوجه تفاعل المواطنين مع قضايا التلاقي حول المصلحة الوطنية العامة بدلاً من الإصرار على السير في طريق التصادم، الخاسر الوحيد فيه سيكون الوطن!.