السبت: 28/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

على هامش السيرة ...

نشر بتاريخ: 04/03/2017 ( آخر تحديث: 04/03/2017 الساعة: 10:39 )

الكاتب: ريم تيسير غنام

على هامش السيرة حكاية نضال شعبٍ ناضلَ منذ عقودٍ من الزمن و انتفض على ظلمِ عدوٍ غاشمٍ أوقع به في فخ الخديعة ليُخرجه من بيوته مُدعياً خوفه عليه من بطش القتال...
مسكينٌ هذا الشعب!! صدق كذبَ من ارتدى زي الإنسانية لينال مآربه و يسرق أرضاً ليست له، و يقطن بيوتاً ملكاً لغيره، و يسلبُ مالاً لا حق له فيه...
إنها حكاية هجرة عام الثمانية و الأربعين..... يومَ تآمر العالم الغربي بتعاون بعض الرئاسات العربية على فلسطين ليُخرجوا أهلها من ديارهم لتُصبح حقَ بني صهيون الحتمي و كأن ذلك الشعب احتل أرضاً أرادوا هم تحريرها منه لأجل هذا العدو الصهيوني...
حكايةٌ رواها أجدادنا رحمهم الله أحياءً كانوا أو أمواتاً... و رواها لي والدي رحمه الله... كيف كان طفلاً كغيره ممن شتتهم الخديعة... روواْ جميعهم كيف هُجر كثيرون من فلسطين بدعوى كاذبة أن الحرب ثلاثة أيام فقط بتعاون ميليشات حقيرة مع من لا أخلاق و لا دين له... مقابل مبلغ زهيد لا قيمة له مقابل بيع وطنٍ؛ تآمرت أرواحهم الشريرة ليبع ذلك الشعب المغلوب على أمره أسلحةً فاسدةً تطلق عيار ناري لا تترك إلا صدى مفرقعات نارية كالتي يمتلكها الأطفال...
شُرد أغلبهم بلا ذنب... ذنبهم الوحيد أنهم يعيشون في بلد اعتبرها من سنَ وعد بلفور و من قرر العدوان الثلاثي حق بني صهيون... دون أدنى اعتبار لأرواح من هو صاحبها.. منهم من رحل إلى الأردن و غيرها من الدول العربية المجاورة التي احتضنهم فترةً وجيزةً حتى هجروها إلى بلاد الغرب.. و منهم من لا زال مُشرداً بلا هوية في مخيمات لبنان.. ومنهم من نزح إلى غزة ليكون من أهلها كغيره ممن يقطنوها... لتزداد الفرقة بين لاجئ و مواطن... بين ابن المدينة و المخيم و حتى ابن المخيم يفرق بين يافا و بر السبع أو غير ذلك.
سألتني طفلتي التي لم تتجاوز السابعة ذات مرة... لماذا هجرنا يافا و عشنا في غزة.... الأطفال يرفضون اللعب معي... يقولون أنني لستُ منهم... لست ابنة خانيونس مثلهم... حتى أنهم يقلدون كلماتي بتهكمٍ و سخرية... لا أريدُ الذهاب لتلك المدرسة.... أريد البقاء معكِ... ألست فلسطينية مثلهم؟ ألست طفلة من صلبهم و إن اختلف ملجأي؟ أكان ذنبي أنني لاجئة اضطر جدها كغيره ترك البلاد؟
عجزتُ عن الرد على كلماتها المُوجعة و أسألتها الدامية.... طفلة في براءة الإحساس واجهت سيلاً من الرفض من أمثالها... لا أدري لماذا غرس أهلهم أفكاراً سوداوية عن اللاجيء.. عن ابن فلسطين مثلهم.... علموا أرواحهم الكراهية و التمييز دون وعي منهم... صمتُ لساني شلَ حركته عن التفوه بأي كلمةٍ تُشفي غليل طفلتي المسكينة التي لم تُسعفها نظراتي بمُسكنْ مُؤقت لتساؤلاتها....
لكن! لمَ تستمر تلك الحرب الدامية من التمييزات العنصرية و اللا عنصرية في نفس الوقت... ما لبث أن اختلط حبل الدم الفلسطيني بنشوب الانتفاضة الأولى على ظلمٍ دام عقود.... و لم يكن يعلم أحدٌ أنه بداية لمسلسل من القهر و الموت... مسلسلُ تموت فيه ضحكة الطفل قبل أن يرى الحياة... و تُحرق فيه بسمةِ عروسٍ يومَ عُرسها.... ليخطفها عريسها خِلسةً في سيارة إسعافٍ أثناء منع التجوال التي كانت تسكت فيه حركات الأرض... و لا يُسمع فيه سوى صوت دباباتٍ مصفحة تستعجل الموت الحتمي لأُناس لا يمتلكون سوى حجرٍ أعزل....
و تتعاقب السنون...
و أهوالُ شعبٍ بأكمله تتراكم على جدران الوجع؛ تُكتب بحبر القهر و الدمع... و لا يُبالي بها أحد.. سلسلة متوالية من الاجتياحات و الحروب على قطاع غزة تُجرب فيها أسحلةٌ مُحرمةٌ دولياً و عالمياً... عشرات الآلاف من الشهداء و الجرحى و المشردين في قطاع غزة جراء تلك الحروب... إهانات و اعتقالات على حواجز القهر في الضفة الغربية... حصيلة من الآلام لا يشعر بها إلا من به الجرح... من يُدفن همه داخل كيانه ليرى كوابيس ليلية و نهارية دون احتمال دمعات الروح..
و يبقى هذا المسلسل من المرار إلى نهايةٍ مجهولة الملامح