نشر بتاريخ: 05/03/2017 ( آخر تحديث: 05/03/2017 الساعة: 15:15 )
الكاتب: د.مصطفى البرغوثي
ما من أمر يقلق الانسان الفلسطيني، وكل من يدعم نضال الشعب الفلسطيني ،مثل قضية الإنقسام الداخلي بين حركتي فتح وحماس وتتابع مظاهر الشرذمة والإنقسامات التي أصابت الحركة الوطنية الفلسطينية ومؤسساتها.
وما من أمر يحرج الإنسان الفلسطيني أمام الآخرين أكثر من مشاهدة قيادات من أبناء شعبه يتقاذفون التهم وينشغلون بالصراعات مع بعضهم على شاشات التلفزة ، والمحتلون يتفرجون عليهم ويتشفون بنا وبشعبنا .
لم يعد الإنقسام مجرد خلاف سياسي بل أصبح نزيفا متواصلا ينهك الجسد الفلسطيني وحياة الناس ويلحق الأذى والإحباط بالروح المعنوية، وبالقدرات الكفاحية ،في حين نعاني من أشرس هجمة إستيطانية وأوقح تطاولات من حكومة إسرائيل على حقوق شعبنا ومستقبله الوطني .
وصار الإنقسام مساهما في تحقيق حلم الحركة الصهيونية بفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية والقدس، لإضعاف العامل الديموغرافي الذي يمثل العقبة الرئيسية أمام مؤامرة ضم الضفة الغربية أو معظمها لإسرائيل.
كما أصبح الإنقسام ذريعة للتعدي على الحريات العامة ولشل الديمقراطية الداخلية وتعطيل المجلس التشريعي وإلغاء مبدأ فصل السلطات ، ولجعل التعددية السياسية تهمة بدل أن تكون مصدر إغناء وتقوية لفكر وعمل الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية لمشاريع الاحتلال، وفي مقدمتها الإستيطان الكولونيالي.
ولمن لا يعرف ، فإن الانقسام صار أيضا ذريعة كاذبة لكل متقاعس عن التضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ولكل مطبع مع الاحتلال ، كما غدا حجة نتنياهو الكاذبة لتهربه المتواصل من إستحقاقات القانون الدولي، بحجة أنه لا يوجد من يمثل كل الفلسطينيين.
والأخطر من ذلك أن الانقسام الأول تطور الى سلسلة من الأنقسامات والصراعات التي تعصف بالساحة الفلسطينية ، وكثير منها مصطنع بفعل أيد وأطراف خارجية تعمل بلؤم حاقد على إضعاف الجسم الفلسطيني.
وحتى لا يكون هذا المقال مجرد خطاب وعظي لا بد من الإشارة الى أن الاختلافات الداخلية و حتى التناقضات الداخلية أمر طبيعي بحكم تنوع و اختلاف المصالح.
ولذلك فإن الاختلاف في الاجتهاد أمر مشروع و المعارضة السياسية حق للناس ،لكن التنافس على كسب الرأي العام يجب أن يكون حضاريا.أما الأمر الأهم فهو عدم جواز تغليب الاختلافات و التناقضات الثانوية على التناقض الرئيسي مع الإحتلال كما يحدث في الساحة الفلسطينية.
لا تمثل فلسطين حالة فريدة. ففي تاريخ حركات التحرر والحركات الثورية العالمية ، نماذج لتفاقم الصراعات الداخلية في فترات التراجع. وخاصة عندما يشعر بعض المناضلين بالعجز عن مواجهة عدوهم فيحولوا حرابهم الى صدور بعضهم البعض ، لتحقيق إنتصارات هزيلة في إطار هزيمتهم المشتركة أمام عدوهم الخارجي .
لكن السبيل الأمثل لمواجهة حالة التراجع هو فهم مسبباتها . وفي حالتنا فان السبب واضح وجلي ويكمن في إختلال موازين القوى بيننا وبين الحركة الصهيونية وحكوماتها .
وأول وأسهل السبل لتغيير ميزان القوى لصالحنا يتمثل في إنهاء الإنقسام الداخلي الأساسي، وان تم ذلك، فستندحر الإنقسامات الداخلية الأخرى بسهولة.
وذلك يعني القبول بمبدأ الشراكة، وفكرة القيادة الوطنية الموحدة، وتبني القاسم المشترك ، والتنازل عن نهج تفرد أي طرف بالحقيقة أو بالسيطرة.
وإذا ظهر الفلسطينيون عاجزين عن مجرد تنظيم انتخابات بلدية موحدة في الضفة بما فيها القدس والقطاع فكيف سيستطيعوا تنظيم مواجهة موحدة للاستيطان والضم والتهويد وقانون اللصوصية الذي أقره الكنيست الأسرائيلي.
من واجب كل مناضل وقيادي ومثقف اليوم أن يسأل نفسه : كم من طاقته يستخدم يوميا لأهداف الكفاح الوطني، وكم منها يضيع على الصراعات والخلافات الداخلية مع الأحزاب المنافسة، أومع الاخوة المنافسين له في نفس حركته.
آن أوان تغيير هذا الحال المريع، ورفع شعلة الأمل أمام الشعب الفلسطيني الذي لم يبخل يوما عن تقديم التضحيات بما فيها حياة أبنائه وبناته،ومصالحه من أجل قضيته العادلة .
الناس تتعطش للأمل، وللإنجاز وللإنتصارات، ليس على بعضنا، بل على العدو الجاثم فوق صدورنا جميعا.