نشر بتاريخ: 09/03/2017 ( آخر تحديث: 09/03/2017 الساعة: 10:36 )
الكاتب: د. وليد القططي
أثار قرار (اللجنة الإدارية العليا) في غزة إلغاء إجازة يوم المرأة العالمي الرسمية المخالف لقرار حكومة الوفاق في رام الله جدلاً واسعاً اتخذ طابعاً متشعباً، جزء من هذا الجدل مرتبط بالمناكفات السياسة التي أفرزتها حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية التي لم تدع طريقاً إلى الخلاف إلاّ سلكته ودرباً إلى الشقاق إلا دخلته. وجزء آخر من الجدل مرتبط بهيمنة ثقافة التحريم المحمولة على أكتاف تيار ديني متشدد يرى في نفسه الإسلام نفسه وليس اجتهاد داخله الذي لم يترك باباً للتضييق على الناس إلاّ طرقه ولا مدخلاً للمشقة إلاّ ولج منه.
وبعيداً عن هذين الاتجاهين في الجدل – السياسي والديني – لنتناول الموضوع من حيث مضمونه والمعنى الذي يحمله يوم المرأة العالمي، ومن حيث جدوى اتخاذه إجازة رسمية؟ ولنتساءل سوياً لماذا لا تأخذ المرأة اجازة من عمل البيت أسوة بالعمل خارج البيت؟
فمن حيث المضمون أي المعنى الذي يكون في اليوم نفسه إذا كان يوم المرأة العالمي يوماً للتذكير بإنجازات المرأة ومظلوميتها فلدينا الكثير لنتحدث عنه حول انجازات المرأة الفلسطينية التي أبدعت في مختلف المجالات العلمية والمهنية والنضالية. أما مظلوميتها ومعاناتها فقد تقاسمت مع الرجل المعاناة من الاحتلال فسقطت شهيدة أو أسيرة أو جريحة، وكانت أم وأخت وبنت الشهيد والأسير والجريح والمُبعد. وعلى المستوى الداخلي فقد وقع عليها الكثير من الظلم الاجتماعي فمنهن من صادر أبوها حقها في التعليم أو اختيار الزوج أو أكل أخوها حقها في الميراث، أو انتقص صاحب العمل من أجرها ... ومن مظاهر الظلم الأخرى على المرأة أن صورتها النمطية في وسائل الإعلام تقديمها تابعة للرجل وليست كذات مستقلة بنفسها فلم تُرَ إلاّ زوجة للرجل وأم لأبنائه وطاهية لطعامه وراعية لبيته – رغم أهمية هذه الأدوار – أو كما يتصوّرها الرجل في مخيلته مصدراً للفتنة ومنبعاً للشر ومحلاً للمتعة، وقليلاً ما تُقدم كذات مستقلة وشخصية متميزة ونموذج للنجاح . فإذا اتخذنا هذا اليوم للتذكير بانجازات المرأة الفلسطينية والمطالبة برفع المظالم عنها وتمكينها في المجتمع فهذا أمر جيد ومفيد لا يحتاج إلى يوم إجازة يتوقف فيه مسار الحياة العامة في المجتمع الفلسطيني.
وهذا يقودنا إلى جدوى اعتبار يوم المرأة العالمي إجازة رسمية، بينما معظم دول العالم لا سيما الأكثر تقدماً منها لا تتخذه إجازة رسمية وبعضها الآخر يتخذه إجازة رسمية للنساء فقط دون الرجال؟ فهل سيتحسن وضع المرأة عندما نتخذ يوم المرأة العالمي إجازة رسمية؟ وما علاقة الإجازة بتقدير المرأة ومكانتها وكرامتها؟ وهل الإجازة ستؤدي إلى زيادة تمكينها في المجتمع؟ وسيعطيها الرجل حقوقها المسلوبة في الميراث والأجر واختيار الزوج على سبيل المثال؟ وهل الإجازة ستدفع بها إلى مزيدٍ من المشاركة والفعالية السياسية والنضالية والاقتصادية والاجتماعية في بناء المجتمع؟ ثم لماذا لا يكون يوم الأم أو الطفل أو غيرهما إجازة أيضاً؟ كل تلك وغيرها من الأسئلة بحاجة إلى إجابة.
وإذا كنا لا بد فاعلين في اتخاذ يوم المرأة العالمي إجازة رسمية فلماذا لا نُعطي المرأة غير العاملة المتفرّغة للبيت (ربة البيت) إجازة من عمل البيت أسوة بالمرأة العاملة خاصة في يوم المرأة العالمي؟ فمن المعروف أن المرأة ربة البيت تقضي ساعات طويلة في عمل البيت من طبخ للطعام وغسل للملابس وتنظيف البيت ومتابعة دراسة الأبناء ... وغيرها من الأعمال، وهذا بالتأكيد يُرهق المرأة لا سيما إذا كانت تعتني بأسرة كبيرة العدد دون أن يساعدها أحد من البيت كزوجها وأبنائها في عمل البيت. وهذا الإرهاق المتواصل يؤثر سلبياً على صحتها الجسدية والنفسية بسبب ضغط العمل في البيت الذي ربما يزيد من ضغط العمل خارج البيت للمرأة العاملة، وإذا كان ضغط العمل خارج البيت يؤدي إلى الإرهاق والتعب الذي لا يزول إلا بالإجازات الأسبوعية والسنوية، فإن هذا ينطبق على عمل البيت الذي يؤدي للتعب والإرهاق الذي يحتاج إلى إجازات متكررة ودورية تأخذها ربة البيت من عمل البيت يقوم الزوج والأبناء بالعمل بدلاً منها في البيت لتستريح فيه من التعب وتتخلص من الإجهاد وتستعيد شحن الطاقة وتجديد الحيوية وتنقية المزاج ونفض غبار الملل والضجر ... فتتحسن صحتها الجسدية والنفسية فينعكس ذلك إيجابياً على كل الأسرة الخلية الأولى للمجتمع .
وخلاصة الكلام أن نهتم بالمضمون أكثر من الشكل، فنركز عملنا على تعزيز مكانة المرأة ودعم سبل تمكينها في المجتمع، والتأكيد على دورها النضالي والاجتماعي والاقتصادي وزيادة تفعيله، وإعطائها حقوقها الشرعية والقانونية كاملة دون نقصان، والتعامل معها كذات مستقلة تتساوى في الكرامة الإنسانية مع الرجل، ولا يهم بعد ذلك إن اتخذنا يوم المرأة العالمي إجازة أم لم نتخذه إجازة.