نشر بتاريخ: 13/03/2017 ( آخر تحديث: 13/03/2017 الساعة: 11:18 )
الكاتب: عيسى قراقع
هم نفس قضاة المحكمة العسكرية الاسرائيلية ، وخلال يومين متزامنين 21-22/2/2017 ، اصدرا حكمين فيهما مفارقة ودلائل ومؤشرات عن طبيعة هذه المحاكم والسياسات الاسرائيلة العنصرية والانتقامية من الشعب الفلسطيني : الحكم الاول صدربحق الجندي الاسرائيلي (اليئور ازاريا) قاتل الشهيد عبد الفتاح الشريف يوم 24/3/2016 في الخليل، والذي قام بإعدامه من مسافة صفر بإطلاق الرصاص على رأسه وهو ملقى جريحا ، حيث صدر حكم بحقه بالسجن 18 شهرا ، والحكم الثاني بحق الاسير نائل البرغوثي الذي اعيد اعتقاله يوم 18/6/2014 بعد قضاء 33 عاما في سجون الاحتلال، بإعادة حكم المؤبد له.
مما بين الحكمين جرت مسرحية ومهزلة تمارسها حكومة الاحتلال الاسرائيلي، فالجندي قاتل الشريف عمدا وعن سبق اصرار والذي ارتكب جريمة حرب وجريمة ضد الانسانية يصدر بحقه حكما مخففا وتحت اضواء البهجة اليمينية الاسرائيلية وحملة التضامن العنصرية التي باركت القتل ودعت الى العفو والافراج عنه.
ما بين الحكمين يعاد حكم المؤبد الجائر بحق الاسير نائل البرغوثي الذي لم يقتل احدا، ولم تتلطخ ايديه بالدماء كالجندي ازاريا، ولم توجه له تهمة محددة، وذلك في سياق حملة الملاحقة للاسرى المحررين وإخضاعهم لتشريعات عسكرية غير قانونية تعيد الاحكام السابقة لهم.
ما بين الاسير نائل البرغوثي والجندي القاتل ازاريا كشفت الفاشية الاسرائيلية عن انيابها ، فهناك في ساحة المحكمة العسكرية الاسرائيلية كانت تل ابيب غاضبة خلال محاكمة الجندي القاتل، نتنياهو حزين جدا ويعتبر يوم محاكمته يوم صعب ، و يطالب بالعفو عنه، واليمين المتطرف يهدد بقتل رئيس الاركان الاسرائيلي واعلان تمرد عسكري، وتهديد القضاة ، واندلاع مظاهرات امام وزارة الدفاع ومنشورات تدعم وتؤيد الجندي القاتل ، اعدام الفلسطينيين لأنهم يستحقون الموت، واصبحت قضية الجندي ازاريا اكثر الموضوعات التي تم تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي في اسرائيل.
ما بين الاسير نائل البرغوثي والجندي القاتل ازاريا تظهر الاستعدادات الوحشية لدى حكومة الاحتلال من خلال الالغاء الذهني للفلسطينيين الى حد اعتبارهم من غير البشر، فالجندي القاتل يرى الدم الذي يسفكه ويستمتع به، لا يرى الضحايا بشرا، وتتحول المحاكم العسكرية الاسرائيلية الى غطاء يشرع هذه الوحشية، فالقاتل يذهب الى البراءة ، والضحية تذهب للموت او لغياهب السجون.
دولة اسرائيل وقفت على رأسها وقامت قيامتها تؤيد جرائم الحرب ، ولا تريد ان يحاكم القتلة، وإن حوكموا فإن الاحكام تثير السخرية ، احكام تأديبية لا ترقى الى مستوى هذه الجريمة التي شاهدها العالم صوتا وصورة، دولة تمييز عنصري، تشجع القتل، وتعتبر القتلة ابطالا قوميين، يحصلون على النياشين، تحويل القتلة الى ضحايا يلقون كل هذا التعاطف ، قتل اي فلسطيني هو امر مبارك ، ويدعو للفخر، دعم القتلة هو جزء من الاخلاق الاسرائيلية ، وجزء من مقولة طهارة سلاحهم الذي لازال يقطر دما ، فاستطلاعات الرأي في اسرائيل اشارت الى ان 79% من الجمهور الاسرائيلي يؤيد ما فعله الجندي قاتل الشريف.
الاسير نائل البرغوثي الذي انهى حكمه ب 30 شهرا بعد إعادة اعتقاله، لم يفرج عنه ، اخضعوه لحكم جديد ، حكموه مرتين دون اية مسوغات قانونية ، وزجوه بعيدا في المؤبد، لم يلق اي جمهور في المحكمة يقف الى جانبه، كان مبتسما وهادئا، يداه لم تطلق النار على احد، لم يعدم جريحا في الشارع، لا حملة اعلامية ولا سياسية ولا مظاهرات تطالب بإطلاق سراحه، هو البريء الذي يسقط ضحية الفساد الاخلاقي والقضائي وغياب العدالة الذي يسود اسرائيل، ضحية وقع بين ايدي عصابة تحكم دولة بالجيش والامن والقضاة والكراهية، وقد عسكرت الحياة وحولت كل فلسطيني الى متهم ومشبوه.
ما بين الاسير نائل البرغوثي والجندي ازاريا دم الوردة وصراخ الوقت ، المؤبدات بحق اسرى ناضلوا ضد الاحتلال ومن اجل الكرامة والحرية ، ودماء تسيل في شوارع فلسطين على ايدي جنود ايديهم رشيقة وسريعة على الزناد ويلاقون الدعم من المستوى السياسي والبرلماني والقضائي.
ما بين الاسير نائل البرغوثي والجندي القاتل ازاريا، دم الوردة يفيض في ارجاء الكون، لا احد يتقدم ليوقف الموت المستباح ، ولا احد يتقدم لينتشل القتيل من الشارع أو من الثلاجة الباردة او من مقابر الارقام السرية، وهناك لا أحد يتقدم ليوقف الموت الآخر، الموت الداخلي للروح وللجسد لالآف الاسرى المحتجزين في سجون الاحتلال، هناك يصرخ الوقت، تتقلص الذكريات، تتلاشى العلاقة بالزمن ، يتحول الاسير الى رقم ، لا حياة له ولا غد، حياة طولها يوم واحد فقط هو اليوم الذي يحياه .
ما بين الاسير نائل البرغوثي والجندي ازاريا يتجلى الاحتلال بكل عنجهيته وقمعه وانحداره المتسارع نحو نظام العنصرية والابرتهايد، دم الوردة في كل بيت وزنزانة وعلى كل رصيف وشارع، والوقت كله من دم، والوقت كله هذا السكوت الدولي وصراخ المعذبين الاحياء والمقتولين في هذا الصمت.
لازال نائل يتطلع الى اشجاره في حديقته الجميلة، الاشجار كبرت في ظل غياب صاحبها، تمتد اغصانها اليه داخل السجن، خضراء خضراء هي الحياة كلون الحرية ترقص وتغني بين عينيه.
ما بين الاسير نائل البرغوثي والجندي القاتل ازاريا يغني الشاعر محمود درويش:
مرةً أخرى
ينام القتلة
تحت جلدي
وتصير المشنقة
علماً
او سنبلة
في سماء الغابة المحترقة