الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

في تداعيات واحداث مجمع المحاكم

نشر بتاريخ: 16/03/2017 ( آخر تحديث: 16/03/2017 الساعة: 15:50 )

الكاتب: عدنان عطية رمضان

عشنا في فلسطين في الاسبوع الاخير لحظات توتر كبرى على خلفية الاحداث التي اطلق عليها احداث مجمع المحاكم في رام الله وعملية القمع المعيبة التي ارتكبتها اجهزة الامن بحق المحتجين على محاكمة الشهيد باسل الاعرج ورفاقه ، ورافقها محاججات عديدة وتحركات شاب بعضها مؤشرات ذات دلالة على مستوى عميق من الازمة وعلى تنامي لحالة الاستقطاب الداخلي الفلسطيني الذي يحمل في طياته امكانيات عديدة ومن ضمنها امكانية استغلاله في النيل من شعبنا وقضيته ومستقبله ، خصوصا ان الممارسات القمعية لاجهزة الامن هي نتاج لبنية مشوهة واهداف محل تساؤل ونتاج حالة الارباك العامة والتدهور الذي تعيشه قضيتنا ، هذه الاحداث قابلة للتكرار وباكثر من شكل وفي سياقات عديدة وقد يتم عمدا الدفع باتجاهها من اطراف عديدة ،مما يزيد اهمية ان تقوم الجهات الفلسطينية المختلفة بدراستها وتطوير سياسات ومناهج محددة وواضحة جدا في التعامل مع هكذا ممارسات قابلة للتحول إلى سياسات وفي استراتيجيات التعامل معها والرد عليها وخاصة ونحن نعيش لحظات على درجة عالية من الحساسية والخطورة ونعمل في سياقات محلية ووطنية واقليمية معقدة وخطيرة وهنا لا بد من الاضاءة على بعض القضايا التي يجب ان يتم اخذها بعين الاعتبار في النظر لهذه الاحداث .
ان الاحتلال الاسرائيلي لا زال جاثما على كامل ارض فلسطين التاريخية مع اختلافات في ظروف وشكل هذا الاحتلال من منطقة لاخرى فغزة محاصرة و سجن كبير والقدس معزولة ومستهدفة في وجودها وهويتها واهلها وكذلك بقية الضفة مقسمة ومجزاة والتسميات الف و وباء وج التي لا تلغي سيطرته وهيمنته باختلافات شكلية ونسبية وفلسطين المحتلة عام 1948 واهلنا هناك يتعرضون وبشكل متصاعد لابشع الممارسات العنصرية والتمييزية وحرب على وجودهم وهويتهم ورموزها ، ان الاختلاف الشكي في العلاقة مع المحتل بين هذه المواقع التي قسمها الاجتلال قسريا لا يغير من جوهر الامر الا وهو ان هذا الكيان يفرض هيمنته وسيطرته وتحكمه على الشعب الفلسطيني ممارسا شتى الممارسات التي تمكنه من الاستمرار في لعب دوره الاستعماري وتحقيق اهدافه المتناقضة وجوديا مع حقوق واهداف شعبنا .
من المهم ايضا ان ناخذ بعين الاعتبار ان الفلسطينيون يعيشون في منطقة مشتعلة ،وتشكل ارضا خصبة لصراعات عديدة واجندات مختلفة ، دولية واقليمية ووطنية هذه الصراعات تحدث قربنا و لم تخمد او تنتهي ولا زالت متقدة تعمل قتلا وتدميرا وجروحا عميقة في الانسان والبنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمنطقة ونحن الفلسطينيون ندفع ثمن مباشر وكبير ليس لان الفلسطينيون اللاجئون منتشرون في كامل المنطقة فحسب ولكن ايضا نتيجة التاثر العام والتداعيات المرتبطة والناتجة عن هذا التراجع العربي العام وما إلى ذلك من تغيير في اسس ومنطلقات الصراع وتشوه المفاهيم المرتبطة بمعسكر الاعداء والاصدقاء وما ترافق معها من هرولة نحو الكيان .
بالرغم من الغالبية الكبرى من الفلسطينيين قوى وافراد تنادي بالنأي بالنفس عن المشاركة الفعلية في صراعات المنطقة رغم ان هذه الصراعات والمعسكرات حاضرة وبقوة في الجدل والمواقف السياسية المختلفة وعلى عكس ذلك فان القوى الاقليمية كافة لازالت ترى في الموضوع الفلسطيني قضية على درجة من الاهمية ومركزية في تحديد االنتائج النهائية لهذه الصراعات وجميع هذه القوى الاقليمية وبلا استثناء طورت اليات عملية للتاثير في القضية لغايات واهداف تخدم توجهات وبرامج هذه القوى .
اننا نعيش في فلسطين تداعيات ونتائج اتفاقيات اوسلو وما نتج عنها من بنى وهياكل وسياسات شكلت نكبة كبرى للفلسطينيين وقضيتهم ولعبت دورا اساسيا في تعميق الانقسامات الفلسطينية وفي تراجعات كبرى ومآزق عديدة ساهمت بشكل كبير في تشويه الوعي الوطني وخطاب التحرر وفي انتاج منظومة متكاملة تنتفع من استمرار الازمات والمآزق وتسويق سياسات لا تعبر عن طموحات وامال وحقوق الشعب الفلسطيني وكثيرا ما تجد هذه المنظومة وخصوصا السلطة والامن نفسها في مواجهة التحركات الشعبية والتنظيمية التي تستهدف الاحتلال .
لقد نجح الاحتلال الاسرائيلي في استثمار اتفاقيات اوسلو والمفاوضات العبثية وحالة الانقسام والتراجع العام فلسطينيا وعربيا على المزيد من الخطوات نحو تطبيع وجوده وتوجيه ضربات كبرى للهوية والحقوق الفلسطينية وفي اطار سعيه المستمر للتهجير القسري والطوعي لشعبنا الفلسطيني تحقيقا لمشروعه بيهودية الدولة في فلسطين التاريخية باكملها ولن يتواني عن العمل المستمر من اجل اقتتال داخلي فلسطيني كضربة قاضية ووصفة اخيرة للنيل من شعبنا واصدار شهادة وفاة لهويته وقضيته ،خصوصا بعد ان حصد ولا زال ثمار الانقسام الفلسطيني وفصل غزة عن رام الله الذي شكل لحظة فارقة وتجربة مريرة لا زلنا نعاني منها على مختلف الاصعدة ولم ننجح حتى الان في تجاوز الحد الادنى من تداعيات هذا الانقسام الذي يتعمق يوما بعد اخر .
الفلسطينيون كانوا ولا زالوا مختلفين في توجهاتهم وارائهم حول الكثير من اهم القضايا ولا زالت التوجهات المختلفة تستقطب حولها قطاعات واسعة من ابناء شعبنا على اختلاف مواقعهم الطبقية ومشاربهم الفكرية ولا زالت حركة فتح (حزب السلطة ) تشكل اكبر الحركات السياسية والاجتماعية الفلسطينية ولا زالت تقدم الشهداء والاسرى و تحظى بتاييد وثقل في مدن وقرى والمخيمات الفلسطينية باختلافات نسبية من موقع لاخر وكذلك فان التاييد للقوى السياسية الاخرى ومن ضمنها حركة حماس وبقية الاحزاب والقوى ممتد في بنية المجتمع الفلسطيني باكمله وهذه الاختلافات تنتشر في المجتمع عموديا رغم ان الفروقات والانقسامات الطبقية تزداد تبلورا ووضوحا خصوصا في ظل السياسات الليبرالية التي ابتداها سلام فياض ولا زالت تفعل فعلها عبر القرارات والتوجهات اللاحقة خدمة لمصالح فئات محتكرة محددة وواضحة وتتضح يوما بعد اخر تحالفات طغم المال والسياسة والامن في نموذج بوليسي اختبره وعانى منه الفلسطينيون وشعوب المنطقة باسرها ولا زالوا .
هذه القضايا والمتضمنة للاسئلة الاستراتيجية وانعدام الرؤية الجامعة او على الاقل الى خطط عمل محددة وغياب الاجابات حول اين نقف و إلى اين نسير وحول حاضر ومستقبل المشروع الوطني الفلسطين وصولا إلى قضايا الحياة اليومية شكلت ولا زالت تشكل مدخلا لجدل وتناقضات وبعض المنازعات السياسية وتطلق حراكات سياسية واجتماعية عديدة بقيت في اطار الخلافات السياسية و حافظت حتى الان على عدم الانجرار إلى افخاخ المنازعات الداخلية المنتشرة في كل مكان .
رغم التراجعات الخطيرة في الحالة العامة الا انها ورغم اثارها السبية الا ان المواجهة والاشتباك مع الاحتلال ظل حالة ثابتة في الحياة اليومية لقطاعات واسعة من ابناء شعبنا تعلى وتتصاعد حينا وتتراجع وتهدأ حينا اخر واخذ اشكالا عديدة جماعية وفردية منظمة وعفوية وباشكال متعددة ممتدة بين الاعمال العسكرية والمواجهات الشعبية والاضرابات وغيرها .
هذه الحالة المستمرة من الاشتباك وخاصة في تصاعدها شكلت وتشكل تحدي جدي امام اصحاب مشروع بناء الدولة والمفاوضات كطريق وحيد ومنظومة الانتفاع من بقاء الامور كما هي وتضعهم في خانة المتهمين امام ابناء شعبنا وتحركاته للدفاع عن حقوقه وكينونته ورموزه وتدفع هذه المنظومة وخاصة الاجهزة الامنية لتكون حاجز الصد والمواجهة مع ابناء شعبنا تحت مبررات عديدة اهمها فرض القانون وكانها البساط السحري الذي يضعون عليه ويبررون به هذه الممارسات وبضاعة الوهم الذي يغطون به مواقفهم متناسين الحقيقة الساطعة وهي اننا جميعا تحت سلطة الاحتلال الصهيوني
ان سياسات بيع الوهم والايغال في الممارسات البوليسية والقمعية لسلطة ومنظومة اوسلو ستستمر وستزداد ليس لان اصحابها يريدون ذلك بل لكونها نتاج طبيعي لحالة التشوه التي ولدت من خلالها وللاهداف التي انشئت من اجلها وعلى هذا فان ما نراه اليوم ليس حوادث مجتزأة ومعزولة او اخطاء بل هي اقرب ما تكون إلى تحولات جوهرية تجد هذه البنية نفسها فيها يوما بعد اخر وتقودها إلى مزيد من الممارسات التي تضعها في مواجهة حالات الاشتباك المتصاعدة مع الاحتلال الصهيوني .
فما العمل ؟
ان المبدأ الاساسي الذي يجب ان لا يغيب عن البال هو ان الاختلافات الفلسطينية مهما تعاظمت هي خلافات سياسية تعالج سياسيا وباستخدام كافة الوسائل السلمية المتاحة مع الحرص الشديد على التاكيد المستمر ان بوصلة العمل الفلسطيني هي مواجهة الاحتلال وان المعركة المركزية والقضية المركزية يجب ان لا تحرف او تنحرف باي اتجاه اخر مهما تعقدت الظروف
من جهة اخرى فان الوقوف امام هذه السياسات التي تنتهجها منظومة اوسلو تبدا من ازالة الالتباسات التي لا زالت تتحصن خلفها الكثير من القوى السياسية الفلسطينية وخاصة قوى اليسار نحو فك ارتباط واضح مع هذه المنظومة وتعليق او تجميد العضوية في اللجنة التنفيذية ل م ت ف والحديث بلغة واضحة وحاسمة فيما يتعلق بقضايا انهاء الانقسام ووقف التنسيق الامني واعادة بناء المجلس الوطني واستراتيجيات العمل الكفاحي والسياسي الفلسطيني ،
امام هذه المعطيات التي تم ايرادها فان الخيار الوحيد امام المناضلين وقواهم المنظمة والفردية هو مزيد من الاشتباك والمواجهة مع الاحتلال ورموزه وخاصة على مستوى نشر وعي وثقافة الاشتباك وتطوير نماذج مصداقة واعادة الاعتبار لفكر المقاومة ومحاربة التشوه في الاسس التي تقوم عليها البرامج الكفاحية الفلسطينية المختلفة .
بالاضافة إلى الوقوف المستمر في مواجهة هذه السياسات الاوسلوية و القمعية دون الانجرار إلى اية ممارسات عنيفة موجهة إلى المنظومة الفلسطينية واجهزتها حتى وان تطاولت وامعنت هذه الاجهزة في ممارساتها ، فابناء هذه الاجهزة والحركات السياسية التي تساند السلطة ليسوا اقلية وهم في صلب بنيتنا الاجتماعية رغم محاولات البعض زيادة الهوة بين مكونات هذا الشعب ، فجميعنا يعي دور الاحتلال واذرعه واختراقاته لكافة البنى السياسية والتنظيمية الفلسطينية التي اقل ما يقال فيها انها حاضرة وقوية وتعمل بكل الوسائل والاشكال ومن مختلف المواقع على تصعيد حالة التازم والانقسام حتى تصل إلى الاقتتال .
ان التبريرات والتصريحات التي تصدر عن فلاسفة التبرير الامني وعن بعض الناطقين باسم الاجهزة وغيرها او من بعض الاعلاميين الماجورين او السياسيين المنتفعين والذين حسموا انفسهم ووضعوا انفسهم في الخانة المعادية لشعبنا لا يجب ان تشكل ارضية لانطلاق دعوات غاضبة او متهورة ومجنونة تستسهل الصدام مع هذه الاجهزة وابنائها وهي في الحقيقة تساهم في حرف البوصلة وفي تعميق الازمات الداخلية وتصب في مصلحة الاقتتال الداخلي ومزيد من التمزق والضعف لتفتح الابواب لتنفيذ مشاريع الاحتلال الهادفة لمزيد من التشريد ولانهاء القضية الفلسطينية فهناك فرق كبير بين الموقف الحاسم والواضح وبين الموقف المنفعل والغاضب .
تصعيد المواجهة مع الاحتلال وحده وتركيز كافة الجهود بهذا الاتجاه هو الكفيل بان يعيد حالة الاصطفاف الافقي الفلسطيني بين اوسع قطاعات من الشعب وان يضمن اوسع التفاف واصطفاف وان يعزل اولائك الذين اختاروا ان يكونوا في صف معادي لابناء شعبهم وفي خدمة اعدائهم .