الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

شعب يخرّج المبدعين والمتفوقين في الميادين والتخصصات كافة

نشر بتاريخ: 20/03/2017 ( آخر تحديث: 20/03/2017 الساعة: 10:22 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

من الطبيعي ان يتوقف الكاتب أو المحلل عند مجموع الأخبار والتقارير التي تنشرها وسائل الإعلام على اختلاف تسمياتها، بخصوص تفوق هذا المبدع أو ذاك، أو حصول فلسطيني أو فلسطينية على جائزة على مستوى عربي أو عالمي في مجال معين.
ظاهرة حضارية وإنسانية لافتة، تدلل على وجود شعب حي متفاعل منتج تحت الشمس على هذا الكوكب، ومجمل الانجازات الإبداعية التي يحققها شعبنا، لا يمكن فصلها عن اصرار واعٍ يستند إلى تشبث بالحقوق وتحليق على جناحي الحلم، فالإبداع رسالة وتعبير عن هوية وانتماء وهو انعكاس لإنسانية شفافة وتفاعل مع حضارتنا الوطنية المتناغمة تماماً مع ما يتحقق من انجازات كونية، فنحن رغم الحصار ومخططات الطمس والتذويب اثبتنا أننا الأقدر انفتاحاً وتوافقاً مع ما تبدعه الإنسانية من أدب وثقافة وعلم وتكنولوجيا. فما معنى أن تخرج من بيننا معلمة لتتبوأ المركز الأول عالمياً، وأن يخرج من غزة مخترع شاب يؤكد نبوغه وتفوقه، جنباً إلى جنب مع نحققه على مستوى الرواية والقصة القصيرة والشعر والمسرح والسينما والطب والبحث العلمي.
الإبداع لا يقتصر في تجربتنا المعاصرة على ما ينجزه أبناء شعبنا في مدنهم وقراهم ومخيماتهم، بل وفي المعتقلات أيضاً، حيث حوّل المعتقلون، معتقلاتهم إلى مدارس حقيقية، تخرّج أفواج المتعلمين والمثقفين والكتاب المبدعين، وتخرج الأكاديميين الذين تمكنوا من الحصول على درجات علمية عليا، رغم اشتداد القيد على معاصمهم.
واستغرب هنا، تلك الأصوات، التي ينقصها الوعي التي تستكثر الاحتفاء بمبدعينا، معتبرة على سبيل المثال لا الحصر أن هناك مبالغة في تضخيم ما انجزه الفنان المبدع يعقوب شاهين في "أرب أيدول" ومن قبله الفنان القدير محمد عساف، وأنا اتساءل:- هل هذه إنجازات صغيرة، أم أنها قدمت البرهان تلو الآخر، على أن شعبنا الذي يصمد على أرضه، له علاقة وثيقة بالأدب والموسيقى والطرب!!
إن كل مبدع هو سفير لشعبه وقضيته وتاريخه وحضارته وإنسانيته، لذلك يستحق ان نحتفي به كثيراً، وان نقيم له احتفالات الاستقبال والابتهاج والتقدير، لأنه عبّر عنا وشرفنا وعرّف بنا وبثقافتنا وحِسّنا، فالمعلمة الفائزة هي كل معلماتنا ونسائنا، والمخترع الفائز هو صوت ولون ونبض إنساننا المتطلع للتقدم والإنجاز والتحرر من القيود، وصوت يعقوب شاهين هو صوت فرحنا وحزننا وصوت تطلعنا وحلمنا، وبعد كل هذا أليس من حقنا أن نحتفي ونحتفل، أليس من حقه علينا أن نفاخر به ونرفع رؤوسنا عالياً؟!
إن تنبه بعض الوزارات كالثقافة والتربية والتعليم العالي إلى الوصول بمبدعينا إلى المدارس، لينمّوا في طلبتنا الثقافة والإبداع، في تأكيد أن الثقافة هي مفتاحنا للبقاء والاستمرار والانتقال والتطور من مرحلة إنسانية إلى مرحلة أرقى وأكثر نوعية.
وفي هذا السياق، فإنني أحيي جمعية الرازي ورئيسها جميل الدويك ورئيس مجلس إدارتها حاتم عبد القادر على الجهد المستمر والمتواصل مع طلبة المدارس من خلال "مسابقة سوق عكاظ"، هذه المسابقة التي انطلقت قبل ثلاثة عقود ووسعت من اهتماماتها ومجالاتها، لتصبح رافداً ثقافياً إبداعياً لطلبة المدارس، الذين هم الروافع المستقبلية للمجتمع المستقبلي الذي نطمح أن يكون رائداً بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
وإذا كنت في هذا المقال، قد أشرت إلى نقاط إيجابية تشكل إضاءات على ما تحقق ويتحقق في الثقافة والإبداع والبحث والاختراع، فإنني لا أرى أن ذلك هو كل ما لدينا، فما نختزنه من طاقات وقدرات هو أكثر من ذلك، لو تم استثمار هذا المخزون وتمكينه من إطلاق إبداعاته وإيجاد الحاضنة المناسبة، صحيح أن بعض المؤسسات الرسمية والأهلية والخاصة بدأت تعمل وأخذت تلتقط الخيوط الصالحة والمناسبة لنسج إبداعات وإنجازات، لكننا نجد في المقابل مؤسسات لا تعمل أو أنها قد حيدت نفسها وسلمت للبيروقراطية والمناكفات الداخلية وإهدار الميزانيات دون أن تقدم شيئاً مفيداً للوطن، حيث إن هذه المؤسسات لو اطلقت العنان لطاقاتها المهدورة وتكاملت مع الأخرى العاملة، لتجسد أمامنا مشهد أكثر انتاجاً وتكاملية وإبداعاً.