نشر بتاريخ: 20/03/2017 ( آخر تحديث: 20/03/2017 الساعة: 15:25 )
الكاتب: المستشار نـايف الهشلمون الأيوبي
مؤتمر للتنمية الإقتصادية عقد في رام الله الأسبوع الماضي بمشاركة واسعة من الهيئات المحلية الفلسطينية، وبحضور رئيس الوزراء رامي الحمد الله ووزير الحكم المحلي حسين الأعرج وآخرين، وبمشاركة متواضعة من وفود أجنبية. يعتبر المؤتمر خطوة ايجابية للتفكير والعمل من اجل تنمية اقتصادية فلسطينية، تحتاج إلى الاستمرار وفق استراتيجية وطنية إلى دراسات ومؤتمرات وورش عمل مماثلة، وعلى جميع الأصعدة والاتجاهات.
تقرير للبنك الدولي مؤخراً يظهر بطء النمو الاقتصادي الفلسطيني لفترة طويلة أدَّى إلى استمرار ارتفاع معدلات البطالة مع ركود متوسط دخل المواطن، وأن الاقتصاد الفلسطيني لن يتمكَّن من إطلاق كامل طاقاته وإمكاناته مع غياب تسوية سلمية، بيد أن اتخاذ خطوات جادة من قبل الحكومة الفلسطينية قد يحول دون زيادة التدهور. ولقد كان لتناقص مساعدات دعم الميزانية ظهور فجوة تمويلية متوقعة بنحو 600 مليون دولار في عام 2016. وهذا ناقوس واضح إلى الجهات المانحة بضرورة الوفاء بارتباطاتها ووعودها.
الوضع الراهن الممتلئ بالصعاب يدعو حكومة الحمد الله إلى سياسة فعّالة واصلاح جاد، واتخاذ خطوات مسؤولة جريئة وفق ارادة الشعب، بوعي وايمان بحتمية التغيير، لمعالجة الأزمة الحالية ووضع الاقتصاد والمالية العامة على طريق الاصلاحات المستدامة، وضرورة تحسين جودة الخدمات دون التأثير على أشد المواطنين ضعفاً، فالناس لم تعد تحتمل فرض ضرائب جديدة، حيث تعمل الحكومة على فرض ضرائب محلية على المواطنين لدعم الهيئات المحلية، مما يزيد الثقل على كاهل المواطن الدي يعيش الأمرّين. الحكومة مطالبة بخلق فرص العمل والتوظيف، وتوفير الدعم للهيئات المحلية ، ومختلف القطاعات وخاصة الزراعة والصحة والتعليم، وتحسين ممارسة أنشطة الأعمال والقدرة على المنافسة.
لا شك بأن القيود التي تفرضها سلطات الإحتلال الإسرائيلية والإتفاقات الموقعة معه لا تزال هي المُعوِّق الرئيس لقدرة الاقتصاد الفلسطيني على المنافسة، بل والنهوض، وتسببت تراجع معدل الاستثمارات الخاصة إلى أدنى المعدلات في العالم، ولا سيما القيود على المنطقة (ج)، التي قد يؤدي تيسير الوصول إليها والعمل فيها إلى زيادة إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني 35 %، وقد يُفضِي إلى زيادة مماثلة في فرص العمل والتوظيف، ويساهم في تحقيق التنمية، التي تتطلب توفير البيئة المناسبة قبل توفير فرص العمل.
من جانب أخر، أسئلة تتطلب أن نجيب عليها، وهي: هل مفروض علينا سياسات دولية عليا؟ هل تدور مباحثات وتفاهمات اقليمية لنسخة في منطقتنا تشبه اتحاد بنلوكس الاقتصادي (التعاون بين بلجيكا وهولندا ولكسمبورغ)؟. كيف ننهض، ومن أين نبدأ؟ وكيف نراجع بعمق وبسياسة واضحة مشروعنا الفلسطيني في ظل ما سمي الربيع العربي؟ لحماية ما تبقى من الأرض والإنسان، واسترداد الحقوق، ولبناء المستقبل المنشود، واحداث التغيير المطلوب، آخذين بعين الإعتبار والتفكير جدياً واقعنا المعاش وتعمّق الإنقسام المقيت. لقد أصبحنا على طرفي نقيض، وعلينا عدم تناسي مصير ملايين المهجرين الفلسطينيين في المنافي، وما يجري حولنا اقليمياً وعالمياً، ومدركين بأن شعارات الحرية والنهضة والإصلاح التي بدأت مطلع القرن العشرين، نراها اليوم تطالب بالحكم الرشيد والديمقراطية.
الظروف الحرجة السائدة، والمراجعات الممكنة وحماية الاعتدال، ومواجهة التحديات التي نمر بها، يدفعنا إلى اعادة تعريف المشروع الوطني، وعدم التفرد بالسلطة وبالقرارات المصيرية، وأن نكون شركاء حقيقيين في التفكير المستقبلي، وفي المراجعة الحقيقة والنقد الذاتي، وفتح الأفق الجديدة لإجابة ما أمكن على كل التساؤلات، وتعزيز الصمود وبلوغ الآمال، والعمل الوطني الموحد لتحقيق الأهداف، فنحن في أمس الحاجة الى توحيد طاقاتنا الوطنية ، ودرء الخلافات الداخلية المستفحلة، والتوحد في مواجهة المحتل الغاشم، ووصولاً إلى الخلاص والحرية والهوية.
المواطن الفلسطيني ستم كتيراً، وقد يؤخذ على الثورة والتنظيمات بأنها "كرّست النزعة الفردية، وحصنت القائد، واحاطته بقدسية وهالة الهية، فاصبح نقد القائد فيها جريمة مهما شطح ونطح". الواقع المعاش يتطلب وجود مؤسسة قيادية تحكمها القوانين والضوابط، والشعب مطالب بالمشاركة وبالرقابة والنقد، والمحاسبة، بعيداً عن انتهاك الحرمات، واستخدام العنف الخارج عن القانون سواء من المواطن أو السلطة، ولا يجوز التسليم لقادة الشلل، ودعم دكاكينهم (الثورية أو المقاومة)، التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من انحدار.
ان ما قد يجري من حراك شعبي يدعو المسؤول والمواطن إلى ضرورة سماع الصوت والحوار والتعاون، لا إلى سد الطريق أو العنف الداخلي والتخريب. نعم، ربما أي عمل جديد قد يشوبه أخطاء وتجاوزات، غير أن المسؤولية الأساس تقع على عاتق مؤسسة الحكومة، التي يتوجب عليها اطلاق الحريات ورعاية المواطن وحمايته، والعمل المشترك وفق القانون مع الشعب بمختلف مشاربه وتوجهاته، وتنمية ثقافة المواطنة والتكاملية بين الناس ومؤسساتهم، غير متناسين الإحتلال وأعماله الإستعمارية الإرهابية.