نشر بتاريخ: 24/03/2017 ( آخر تحديث: 24/03/2017 الساعة: 14:56 )
الكاتب: د. وليد القططي
جاء في التوراة "في ذلك اليوم عقد الله ميثاقاً مع إبرام (إبراهيم) قائلاً: سأُعطي نسلك هذه الأرض من وادي العريش إلى النهر الكبير (نهر الفرات)" من هذا النص التوراتي هيمن على العقل اليهودي الصهيوني حُلم إسرائيل الكبرى، الحُلم تلاشى تحت ضغط معطيات الواقع الموضوعي، ومحدودية القدرات الذاتية- مهما بدت كبيرة- للكيان الصهيوني، وحقائق الديموغرافيا التي تحد من أطماع الصهاينة. الحلم تلاشى بصورته الجغرافية، ولكنه لم ينتهِ بصورته السياسية التي ظهرت عن طريق ما يُسمى بالسلام الإقليمي الذي سيدخل (إسرائيل) في كل العواصم العربية من المحيط إلى الخليج وليست فقط من النيل إلى الفرات .
السلام الإقليمي فكرة عربية في الأساس، طرحها الملك السعودي فهد بن عبد العزيز عندما كان ولياً للعهد عام 1981 من خلال مبادرته للسلام بين العرب "الكيان الصهيوني"، والتي تبناها مؤتمر القمة العربية في فاس عام 1982، ليُعاد طرحها بعد ذلك بعشرين عاماً في القمة العربية ببيروت عام 2002 بعد التعديل تحت اسم (المبادرة العربية للسلام)، وهي تقوم على مرحلتين يتم في المرحلة الأولى إلى حل القضية الفلسطينية وانسحاب (إسرائيل) من الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967 بناء على قرار مجلس الأمن رقم (242)، وحل مشكلة اللاجئين على أساس قرار مجلس الأمم رقم (194)، والمبادرة ترتكز على مبدأ حل الدولتين.. ثم تأتي المرحلة الثانية بإنهاء (النزاع) كما ورد في مصطلح المبادرة بين الدول العربية و(إسرائيل)، وإقامة اتفاقية سلام معها، تم تطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان الصهيوني .
هذه المبادرة بتلك الصورة رفضتها (إسرائيل)، كما رفضت كل المبادرات والمشاريع التي تجعلها تفقد ما كسبته في حرب الأيام السنة عام 1967، واستمرت تكرّس واقع الاحتلال والاستيطان والتهويد تحت غطاء اتفاقية أوسلو التي سمحت لها باستمرار السيطرة الأمنية والعسكرية على كل فلسطين، وحوّلت احتلالها لها إلى احتلال رخيص ومريح ومفيد بعد التخلص من عبء السكان الفلسطينيين مع احتفاظها بالأرض. وبعد حدوث الانقسام الفلسطيني واندلاع ثورات ما يُعرف بالربيع العربي وانشغال العالم بقضايا أخرى... ضعف الموقف الفلسطيني ولم تُعد القضية الفلسطينية محور اهتمام العرب، وتراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية.. وجد نتنياهو أن الفرصة مواتية لطرح مفهومه للسلام الإقليمي الذي هو جوهر المبادرة العربية للسلام ولكن بطريقة معكوسة .
فكرة السلام الإقليمي عند نتنياهو نابعة من رؤيته الخاصة بوجود عدو مشترك بين العرب ودولته بعد احتدام الصراع الإقليمي في المنطقة، وليس على أساس حل القضية الفلسطينية، فلقد قال في سبتمبر 2015 حول ذلك"إن إيران لا تزال تشكل التحدي الأكبر لحكومته الجديدة، لسنا نحن المهددون فقط ولكن أيضاً الآخرين القاطنين جوارنا، لذلك قد ينشأ هذا الأمر مصالح مشتركة وفرصة لتطوير تحالفات ومن الممكن أيضاً أن يدفع عمليات السلام قُدماً.". فرؤية نتنياهو تقوم على تحقيق السلام والتطبيع مع الدول العربية أولاً، بل ويتعدى ذلك إلى إقامة تحالف عربي إسرائيلي ضد العدو المشترك كما أسماه صراحة في مواطن كثيرة ممثلاً في إيران والإرهاب. ويأتي بعد ذلك حل القضية الفلسطينية- وفق المقياس الإسرائيلي الليكودي الذي يرفض وجود دولة فلسطينية ما بين البحر والنهر، واحتفاظ الكيان بالسيطرة الإستراتيجية الأمنية والعسكرية والاقتصادية على كل أرض فلسطين التاريخية، وضم الكتل الاستيطانية إلى الدولة العبرية، وإعطاء تسهيلات اقتصادية كبيرة للفلسطينيين، وحصر سيطرة السلطة الفلسطينية في كانتونات معزولة عن بعضها، ولا مانع بعد كل ذلك أن يُطلق على الكيان الفلسطيني دولة إن كان مضمونها الفعلي حكم ذاتي موّسع أو دولة بلا سيادة حقيقية على إقليمها وبدون سلطة فعلية على أرضها .
وخلاصة الأمر إن مفهوم السلام الإقليمي الذي يتبناه قادة الكيان الصهيوني وعلى رأسهم نتنياهو يسمح لهم بتحقيق حُلم إسرائيل الكبرى بالمفهوم السياسي الجديد وبتمدد (إسرائيل) في كل المنطقة العربية ودخولها لكل العواصم العربية، كما أنه مدخلاً لتطبيق المبادرة العربية للسلام بالمفهوم الصهيوني وبالرؤية الإسرائيلية الليكودية، التي تطبق المبادرة العربية بطريقة معكوسة تؤخر حل القضية الفلسطينية للمرحلة الثانية تمهيداً لتصفيتها لتصبح المبادرة العربية للسلام بدون فلسطين في مرحلتها النهائية .