نشر بتاريخ: 27/03/2017 ( آخر تحديث: 27/03/2017 الساعة: 13:24 )
الكاتب: د. حسن عبد الله
أولت الحضارة الإنسانية اهتماماً كبيراً بالمسرح، وكان الرومان رواداً حقيقيين على هذا الصعيد، وتشهد المدرجات المسرحية الأثرية الرومانية، لنهضة مسرحية تم التعبير عنها بما خلفته هذه الحضارة من مسارح بنيت بهندسة معمارية دقيقة ومتقنة، عكست ما حظي به المسرح من أولوية في ذلك العهد، كمكان لعرض الفنون بما حملته من أهداف تثقيفية وترفيهية معاً.
وشهد المسرح العالمي في عصرنا الحديث نقلات نوعية في النصوص والحوار وكفاءة الممثلين وتوظيف التكنولوجيا وابهار الاخراج، حيث تميز المسرح الإنجليزي والفرنسي، أما المسرح العربي فقد تراوح بين النهوض والهبوط، وفقاً لمعطيات ذاتية وموضوعية، لكنه حافظ على استمراريته كحال التجارب المغاربية والمصرية واللبنانية والسورية والأردنية، ونشير في هذا الصدد لتجارب مسرحية عربية مهمة كالمسرح الرحباني وتجربة دريد لحام، غير أن التجربة المسرحية المصرية كانت الأكثر زخماً على مدى قرن من الزمن، تخللها المسرح الجاد والكوميدي، ليطغى الكوميدي على الجاد في المرحلة المعاشة، لكن ليس كل الأعمال الكوميدية حملت رسائل ومضامين ذات قيمة، باستثناء تجربة الفنان محمد صبحي، وبعض مسرحيات عادل إمام ، مع وجود طاقات مسرحية جبارة في مصر، لو جرى استثمارها بالشكل الأمثل لأنتجت أعمالاً مسرحية تضاهي أكثر المسارح تقدماً في العالم.
لم يكن الهدف من هذه المقدمة السريعة استعراض المنجز مسرحياً عربياً وعالمياً، بل قصدنا أن نجعل منها توطئة لتسليط الضوْء على المسرح الفلسطيني الحديث، من حيث الدور والمواصفات واستشراف المستقبل، مؤكدين أن الفرق المسرحية عملت بعد العام 67 في ظروف مجافية تماماً، فقد لوحقت وحوصرت في مدن الضفة والقطاع وبما فيها القدس، لمنعها من التأسيس لحالة مسرحية شعبية تؤدي رسالتها الوطنية والإبداعية، وكم من عروض مسرحية منعت وأوقفت وقمعت.
وقد توقعنا بعد تغير الظروف نسبياً وفي ظل السلطة الوطنية الفلسطينية أن يشهد المسرح نهضة غير مسبوقة، بيد أن ما تحقق كان أقل من المطلوب، لأسباب تتعلق بالامكانيات والتنافس واقبال الجمهور، علما أن بعض الفرق قدمت عروضاً على المستويين العربي والعالمي وحصلت على جوائز.
وكانت مدينة القدس هي الحاضن الرئيس للحركة المسرحية بعد العام 67، من خلال تأسيس مجموعة من الفرق، وابرزها "الحكواتي"، "المسرح الشعبي"، "القصبة" الذي (انتقل إلى رام الله)، "المسرح الفلسطيني" وفرق أخرى كثيرة قدمت عروضاً متقطعة، ولم تستطع الاستمرار، إلى جانب المسرح المدرسي ومسارح المؤسسات المقدسية.
نجح "الحكواتي" في تقديم مجموعة كبيرة من العروض محلياً وعربياً ودولياً وأصبح في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي عنوان المسرح الفلسطيني، من خلال المسرحيين الذين تفانوا في العمل وقدموا كل ما يستطيعون من أجل تثبيت أركان مسرح وطني برسالة واضحة، ولم تكن المدن الفلسطينية الأخرى بمنأى عن تجارب مسرحية، ففي القطاع برز عدد من الفرق قدمت اعمالاً لافتة، لكنها عانت تقطعاً وموسمية في الإنتاج، وفي رام الله ظهرت مجموعة من الفرق "بلا لين"و "صندوق العجب" و"عشتار" وغيرها، وشهدت نابلس ولادة بعض الفرق، إضافة إلى فرق أخرى تأسست في المخيمات والجامعات الفلسطينية، إلا أنها كانت محكومة بظروف وسياقات مختلفة.
وفي مناطق الـ48 كان هناك نهوض للمسرح، نظراً لتوافر كفاءات فنية، غير أن الفرق افتقرت للانتظام والاستمرارية، لتستفيد التجربة المسرحية المقدسية من بعض الطاقات المميزة لمسرحيي الداخل ونستشهد هنا كمثال بالفنان الكبير محمد البكري، ما ذكرناه يقودنا إلى طرح السؤال التالي: هل نجح الفلسطينيون في التأسيس لحركة مسرحية ذات قسمات واضحة في الوطن؟
الجواب نعم ولا.
نعم – نظراً لاستمرارية بعض الفرق المسرحية واصرارها على البقاء وتقديم أعمال مسرحية ناجحة.
ولا- بسبب عدم البناء على التجربة وتحويلها إلى حالة إبداعية شعبية، بمعنى أن يرتبط المواطن بالمسرح، ويجعل منه أحد مفرداته الحياتية، قد لا يتحمل المسرحيون كل المسؤولية، لأن الأحداث المتسارعة التي شهدتها وتشهدها ساحتنا الفلسطينية، جعلت أولويات أخرى تنتصب أمام المواطن كالبقاء والصمود ولقمة العيش في ظل الحواجز وتقطيع الأوصال ، إلا أن ذلك لم يلغ حقيقة، أن مسرحنا قدم أعمالاً نوعية، الاأنها لم تشكل حالة مسرحية ذات سمات وقسمات يمكن الاشارة إليها وتوصيفها في إطار مميزات عامة كحال التجارب الشعرية والروائية والقصة القصيرة والتشكيلية، أو الفلكلورية المعبر عنها بأساليب حداثية كما فعلت"فرقة الفنون الشعبية وغيرها من الفرق التي عملت في هذا الميدان.
وأجد مقالتي مناسبة للدعوة الى عمل مؤسساتي رسمي وأهلي وأكاديمي، بهدف البناء على ما أنجز، جنباً الى جنب مع التصدي للمعوقات وردم الثغرات في التجربة المسرحية، على طريق ترسيخ حالة مسرحية ناهضة من خلال الخطوط العريضة المقترحة الاتية :
أولاً: التأريخ للتجربة بشكل بحثي منهجي، وليس بطريقة انطباعية أو انتقائية، لتجاوز المحاولات الارتجالية التي كتبت عن التجربة في فترات سابقة، لكي تتم قراءه سياقنا المسرحي، قراءه متفحصة نقدية،
ثانياً: أن تخصص للفرق المسرحية الفاعلة ميزانيات، و توفير كل مقومات النجاح و الاستمرار، و هنا نضع القضية على طاولة وزارة الثقافة، وللاستفادة أيضاً من وجود وزير شاب متفتح وطموح و متحمس للعمل و الانجاز.
ثالثاً: تنشيط عملية الكتابة المسرحية، و تحفيز الكتاب و الادباء القادرين على الانتاج في هذا المجال
رابعاً: أن تقوم وزارة الثقافة أو اتحاد الكتاب بعقد ورشة عمل بمشاركة طاقات مسرحية مخضرمة، للاستماع الى ارادتهم و مقترحاتهم، لعلنا نستخلص من ذلك افكار تمهد لصياغة خطة استنهاضية متكاملة.
خامساً: تخصيص جائزة خاصة بالابداع المسرحي، للفرقة الانشط و الاكثر حضورا او لشخصية مسرحية متميزة.
سادساً: ان تتبنى وزارة التربية و التعليم العالي توجه تشكيل فرق مسرحية في كل مدرسة، لغرس روح المسرح في طلابنا و طالباتنا، و ليكونوا رافداً مستقبلياً للحركة المسرحية.
سابعاً: الاستفادة من وجود جامعات و كليات و معاهد منتشرة في أرجاء الوطن، و العمل على تكوين فرق مسرحية في مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية كافة .
ثامناً: بناء جسم نقابي مسرحي، اما باعادة صياغة القديم على أسس جديدة تواكب المستجدات في عالم المسرح وأقصد رابطة المسرحيين أو بتأسيس اتحاد أو نقابة متخصصة ، يكون الابداع في الاطار المقترح سيد الموقف، و ليس أي اعتبارات أخرى تمثيلية تقاسمية على أساس محاصصات فصائلية أو ما شابه، لآن تجربتنا مع المحاصصات في الاتحادات و النقابات كافة تحتاج الى اعادة نظر جدية.
الأفكار التي اوردتها في هذه المقالة تعبر عن رأي كاتب يطمح لآن يرى مسرجاً فلسطينياً عصرياً مواكباً للتطورات و التقنيات في هذا الميدان، عسى أن تشكل مادةَ أولية للنقاش و الاغناء.