الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الذكرى إلــ 15 لصفقة الكنيسة

نشر بتاريخ: 03/04/2017 ( آخر تحديث: 03/04/2017 الساعة: 10:25 )

الكاتب: حسام الدجني

عندما تتناول قضية ما من منظور بحثي فإنك قد تكتشف قضايا وأحداثًا لم يكشف عنها الإعلام، وهذا ما حصل معي برفقة زميلتي د. نادية أبو زاهر عندما قدمنا بحثاً بعنوان: "السياسة الإسرائيلية تجاه إبعاد الفلسطينيين: مبعدو كنيسة المهد أنموذجاً"، فقد لامست واقعاً تفاوضيّاً مريراً، لا يأخذ بالاعتبار قيمة الإنسان الفلسطيني، ولا تضحياته، وهذا ما حصل بالضبط مع مجموعة من مناضلي مدينة بيت لحم، الذين احتجزتهم دبابات الاحتلال خلال عملية السور الواقي عام 2002م داخل كنيسة المهد، دون مراعاة لحرمتها، فمُنعت الكنيسة لأول مرة بالتاريخ من أن تقرع أجراسها، بل قتلت قوات الاحتلال قارع أجراسها.
بدأت الحكاية مع اشتداد الحصار الصهيوني على مقر الرئيس الراحل ياسر عرفات بمدينة رام الله، وزيادة وتيرة الاعتداءات الصهيونية في العديد من محافظات الضفة الغربية المحتلة خلال عملية السور الواقي، وكانت بيت لحم وكنيسة المهد في قلب الأحداث، إذ لجأ أكثر من مائتي مواطن من مدينة بيت لحم إلى كنيسة المهد للاحتماء بها، مهد المسيح (عليه السلام).
بدأت الاتصالات الدولية تنهال على الرئيس المحاصر بمقر المقاطعة ياسر عرفات، وكانت الفاتيكان أكثر الدول ضغطًا على السلطة الفلسطينية؛ لخصوصيتها الدينية، حتى أوفد عرفات وفداً رفيعاً للتفاوض مع الاحتلال برئاسة عضو المجلس التشريعي صلاح التعمري، وخاض التعمري ومن معه مفاوضات معقدة وشاقة مع الاحتلال، ولكن السلطة كعادتها فتحت قناة سرية بالقدس المحتلة للتفاوض مع الاحتلال بشأن كنيسة المهد، وكان يمثل السلطة في مفاوضات القدس المحتلة محمد رشيد الذي يعرف بــ"خالد سلام"، وقد اعترف رشيد بمسئوليته الكاملة عن صفقة مبعدي كنيسة المهد في برنامج الذاكرة السياسية الذي بثته قناة "العربية".
ولكن المبعد مازن حسين _وهو أحد كوادر حركة فتح_ أكد لي وجود قائد الأمن الوقائي محمد دحلان ضمن قناة التفاوض السرية بالقدس (لم نستطع تأكيد أو نفي المعلومة)، وتوصلت القناة التفاوضية بالقدس إلى اتفاق شفوي مع الاحتلال برعاية أمريكية وأوروبية، يقضي بإبعاد 39 شابّاً من الضفة الغربية إلى قطاع غزة وخارج فلسطين، وحسب ما علمه المبعدون إن مدة الإبعاد ستكون عامًا أو عامين، هذا الاتفاق لم تعلم به القناة التفاوضية الرسمية برئاسة التعمري، وقد علم صلاح التعمري بنتائج ما توصلت إليه القناة السرية من الوفد الصهيوني المفاوض، وهذا دفع صلاح التعمري والوفد المرافق له إلى تقديم استقالتهم لعرفات.
الغريب أيضاً أن كبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات أكد لي شخصيّاً أنه حتى اللحظة لا يعلم شيئاً عن الاتفاق ولا عن موقّعيه، ولكنه في الوقت نفسه وعد بأن يضع ملف مبعدي كنيسة المهد على جدول أولويات السلطة الفلسطينية في المرحلة المقبلة، وهو ما لم يحصل حتى يومنا هذا.
ولكن الاستنتاج الذي يحتاج لمزيد من الدراسات والتحقيقات الصحفية هو ارتباط الصفقة بحصار مقر المقاطعة، ومستقبل من كان بجوار الرئيس ياسر عرفات، وأبرزهم المتهمون بقتل الوزير رحبعام زئيفي، فهل للصفقة دور في تسليم خلية قتل الوزير المتطرف رحبعام زئيفي، ومنهم الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات؟ هذا السؤال يبقى مثار بحث وتحرٍّ حتى إثبات أو نفي ذلك.
ونعود إلى القضية السياسية الإنسانية، وهي قضية مبعدي كنيسة المهد، الذين مضى أكثر من 15 سنة على إبعادهم، ومازالوا يتجرعون مرارة الإبعاد، والعالم لا يلتفت إليهم، والسلطة الفلسطينية أهملت ملفهم، وكنيسة المهد تقرع أجراسها وكأنها تطوي عاماً بعد عام، وكأن القدر ينتظر عودة هؤلاء بتابوت الموت، تضامناً مع زميلهم الشهيد عبد الله داود الذي عاد من الجزائر محمولاً بتابوته على الأكتاف.