نشر بتاريخ: 04/04/2017 ( آخر تحديث: 04/04/2017 الساعة: 13:02 )
الكاتب: سفيان أبو زايدة
شهر ابريل هو شهر الاسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية بأمتياز حيث يعتبر السابع عشر من هذا الشهر هو يوم الاسير الفلسطيني الذي اقره المجلس الوطني الفلسطيني في العام ١٩٧٤ وذلك تأكيدا على مكانة الاسير الفلسطيني في مشروع التحرر الوطني و دعما لصموده داخل السجون الاسرائيلية .
في السنوات الاولى لتأسيس السلطة الفلسطينية و تأكيدا ايضا على اهمية الاسير الفلسطيني تم انشاء وزارة خاصة بالاسرى و المحررين و سحب الملف الذي كان لسنوات ضمن مؤسسة الاسرى و الشهداء وذلك لكي تستطيع السلطة الوطنية تقديم افضل الخدمات لهذا القطاع المهم جدا في الشعب الفلسطيني، ولقد كان لي الشرف ان اكون حد الاشخاص الذين كانوا علي رأس هذه الوزارة .
لكن شهر نيسان هذا العام ، يختلف كثيرا عن بقية الاعوام السابقة بالنسبة للاسرى و قضيتهم ومكانتهم و شروط حياتهم داخل السحون الاسرائيلية. هذا العام على ما يبدو سيكون عام الحسم في كل ما يتعلق بكيفية التعامل سياسيا و ماليا مع هذا القطاع الهام من قطاعات شعبنا. عام الحسم بالنسبة لظروفهم المعيشية القاسية داخل السجون الاسرائيلية في ظل التراجع الكبير في شروط حياتهم ، و الذي على اثر ذلك تم تحديد السابع عشر من هذا الشهر هو يوم بدأ الاضراب المفتوح عن الطعام و الذي سيخوضه آلاف الاسرى بقيادة الاسير القائد مروان البرغوثي.
لم يعد سرا ان هناك ضغوطا تمارس على السلطة الفلسطينية لوقف دفع رواتب للاسرى سواء كان الاسرى الذين ما زالوا في السجون الاسرائيلية او الاسرى المحررين . هناك ماكينة اعلام اسرائيلية يقف على رأسها وزراء و اعضاء كنيست من مختلف الاحزاب و قيادات للمستوطنين تطالب السلطة بالوقف الفوري لدفع رواتب لهؤلاء الاسرى على اعتبار ان هذا الامر هو بمثابة دعم و تشجيع للارهاب. ضغوط نجحت الى حدا كبير في تجنيد الموقف الامريكي و غيرت الكثير من مواقف دول و اعضاء برلمانات في دول الاتحاد الاوروبي.
اول ثمار هذه الضغوط كان من خلال رضوخ السلطة و الرئيس عباس للمطلب الاسرائيلي الامريكي بحل وزارة الاسرى و تحويلها الى هيئة تتبع الصندوق القومى الفلسطيني ، وكان حل وزارة الاسرى في العام ٢٠١٤ هو الشرط في التعامل مع حكومة ( النفاق الوطني) التي تم تشكيلها بعد اتفاق الشاطئ. في حينها كتبت مقالا عن هذا الامر بعنوان (مخاطر حل وزارة الاسرى) و قلت ان الضغوط لن تتوقف عند هذا الحد و رضوخ الرئيس عباس لهذا المطلب سيكون له تداعيات لاحقة .
بعد ثلاث سنوات من تفكيك وزارة الاسرى والتي خلالها استمر الهجوم المتواصل على الاسرى ، هدد وزير الجيش الاسرائيلي افيقدور ليبرمان الصندوق القومي الفلسطيني الذي من خلاله تٌصرف الرواتب للاسرى باتخاذ اجراءات وملاحقة وكذلك هدد اي مؤسسة حكومية او غير حكومية تتعاطى مع موضوع الاسرى.
لم يكن محض صدفه ان العنوان الرئيسي يوم امس لاكثر صحيفة توزيعا في اسرائيل وهي صحيفة يديعوت احرونوت العبرية كان حول الرواتب التي تدفعها السلطة للاسرى . في هذا السياق العديد من اعضاء الكنيست و من بينهم اثنين من رؤساء الشاباك السابقين، يعقوب بيري و آفي ديختر وقعوا على مسودة مشروع قانون يقضى بمصادرة اموال الضرائب التي تجبيها اسرائيل لصالح السلطة.
هذا يعني وفق حساباتهم يجب ان تصادر اسرائيل سنويا حوالي مليارد شيقل وهو الرقم الذي تدعي اسرائيل بانه يُدفع للاسرى سنويا.
في سياق الحمله المتواصله على رواتب الاسرى و التزام السلطة الفلسطينية تجاههم و تجاه ذويهم لم يكن مستغربا ان مبعوث الرئيس الامريكي جيسون جرينبلات الذي التقي الرئيس عباس قبل اسبوعين في رام الله قد ابلغه بشكل صريح وواضح ان عليه حل هيئة شؤون الاسرى و المحررين و التوقف عن دفع رواتب للاسرى على اعتبار ان هذا العمل يشجع الارهاب.
الاسبوع الماضي ايضا و في البرلمان الاوروبي تم مناقشة هذا الامر من قبل مجموعة من اعضاء البرلمان الاوروبي المؤيدين ليس فقط لاسرائيل بل ايضا المؤيدين للمستوطنين و الذي يقف علي رأس هذه المجموعة هو عضو الاتحاد الاوروبي التشيكي بيتر ماك، وذلك بعد ان استمعوا الى كلمة من احد الفتيات المستوطنات و التي اصيبت بحروق بالغة قبل عام ونصف نتيجة القاء طفل فلسطيني عمره اقل من ستة عشر عاما بزجاجة حارقة بالقرب من قرية عزون شرق مدينة قلقيلية في الضفة الغربية.
الطفلة الاسرائيلية و التي كانت تضع على وجهها واقي ضاغط لاخفاء التشوهات نتيجة الاصابة اجرت عملية حسابية سريعه لاعضاء البرلمان المتواجدين عن حجم الرواتب التي يتلقاها الاسرى في السجون و حجم المبالغ التي تلقاها الطفل الفلسطيني الذى القى الزجاجة الحارقة و المعتقل لدى اسرائيل في محاولة لتحريض اعضاء البرلمان للضغط علي حكوماتهم بوقف دعم موازنة السلطة الفلسطينية بحجة انها تذهب لدعم الارهاب.
لكن الحدث المهم في تقديري هو التداعيات التي ستنجم عن اضراب الاسرى في السابع عشر من هذا الشهر سيما ان الذي سيكون في مقدمة المضربين القائد مروان البرغوثي ومعه الالاف من اسرى حركة فتح و الفصائل الاخرى مما سيصعب المهم على اصحاب نظرية المؤامره بأن هناك اهداف اخرى تتخطى جدران السجون و ليس لها علاقة بشروط الاسرى الحياتية الكارثية.
ليس هناك وهم لدى المؤسسة الامنية الاسرائيلية و كذلك لدى السلطة الفلسطينية ان هذا الاضراب اذا ما تم فعلا سيؤدي الى خلق وضع امني لا ترغب به السلطة و لا ترغب به اسرائيل. لذلك ليس من المستغرب ان تكون هناك جهود على اعلى المستويات بمنع حدوث هذا الاضراب على اعتبار انه يأتي في التوقيت الغير مناسب من الناحيتين السياسة و الامنية.
كأسير سابق خاض اضرابات عن الطعام و في بعض الاحيان قاد اضرابات، اعرف ان اللجوء الي استخدام هذا السلاح ليس بالامر السهل ، و لكنه بمثابة الصرخة المدوية التي تكون قادرة على اختراق جدران التجاهل و الاعتداءات على الحقوق الاسرى وشروط حياتهم.
لكي يتم نزع هذا الفتيل سواء كان في داخل السجون او نزع فتيل التفجير خارج السجون لابد من الاستجابة لمطالب الاسرى الانسانية و التي جميعها مطالب تستطيع ادارة السجون التعايش معها و غالبيتها لا تحتاج سوى الى قرارات . كذلك يجب وقف التحريض ووقف الضغط على السلطة و على الرئيس عباس لان استمرار هذه الضغوط و الخضوع لها سيكون كفيل ايضا بتغيير كل قواعد اللعبة ، خاصة في الضفة الغربية و قد يحدد مصير السلطة وقدرتها على القيام بواجباتها.