نشر بتاريخ: 06/04/2017 ( آخر تحديث: 06/04/2017 الساعة: 10:20 )
الكاتب: عقل أبو قرع
يصادف السابع من نيسان من كل عام، ما يعرف ب" يوم الصحة العالمي"، حيث يتم الاحتفال به كل عام بمناسبة الذكرى السنوية لتأسيس منظمة الصحة العالمية، ويتم التركيز في كل عام على موضوع صحي محدد، وفي هذا العام، اي عام 2017، اختارت منظمة الصحة العالمية الاحتفال تحت شعار" مرض الاكتئاب وأهمية الحديث عنه " ، حيث اصبح تصاعد انتشار الاكتئاب في العديد من البلدان، وفي مقدمتها الدول المتقدمه، من المؤشرات الصحية المقلقة، ولمرض الاكتئاب تداعيات ليس فقط على الصحه النفسيه والانجاز والعمل للمصاب ولكن على الكثير من المهام الجسديه العاديه ، وكذلك على تبعات العلاج الاقتصادية والاجتماعية، حيث تحتل مبيعات أدوية الاكتئاب في العالم المرتبه الاولى وخاصه في الدول المتقدمه مثل الولايات المتحده الامريكيه والدول الاوروبيه واليابان، وبدون شكك ان الوقاية من داء الاكتئاب تعتبر من الاولويات الصحية العالمية وعلى الصعيد الوطني.
وبدون شك ان مرض الاكتئاب هو من الامراض المزمنة، أو من الامراض غير السارية، اي التي لا تنتقل عن طريق العدوى، وحسب المعلومات الصحية العالمية، فأن هذا المرض له علاقه مباشره مع ازدياد نسب الانتحار أو على الاقل مع محاولات الانتحار على مستوى العالم، وان انتشار هذا المرض اصبح يتماشى مع انماط الحياة الحاليه العصريه، وما تفرزه من تسارع الاحداث وتصاعد الالتزامات والتوتر والقلق والخوف من المستقبل وضعف التعاضد أو التواصل الاجتماعي وانتشار الانعزال أو الوحده وغياب الدعم بكافة أنواعه لاشخاص يحتاجونه، وبالتالي لا غرابه أن نسبه كبيره من مرضى الاكتئاب هم من صغار السن أو من جيل الشباب وأن نسبه مهمه من مصابي الاكتئاب هم من النساء.
وبعيدا عن الحاله النفسيه لمرضى الاكتئاب، فأن من سمات مرضى الاكتئاب هو النقص في بعض المواد الكيميائيه المفترض تواجدها بنسبه معينه في الدماغ وبالتالي الدم والجسم وبالاخص في محيط الخلايا، وهذه المواد هي ضروريه للحفاظ على الوضع أوعلى التوازن النفسي العادي للناس، وبالتالي فأن معظم أدوية الاكتئاب الحاليه يقوم عملها على أساس الحفاظ على أو زيادة تركيز هذه المواد الكيميائيه في الدماغ والدم وبالتالي الحفاظ على أوضاع نفسيه وجسديه عاديه للناس، ومن أهم هذه المواد الكيميائيه هي المواد الناقلات العصبيه الضروريه للحفاظ على المزاج والاستقرار، مثل مواد " السيرتونين" وال " نيو أدرنالين" و" الدوبامين" وغيرهما.
وبالتالي فأنه معروف ان " الاكتئاب" هو مرض يصاب الناس به عندما لا توجد كميه كافيه من بعض هذه الناقلات العصبيه وبالاخص مادة " السيرتونين" خارج الخلايا في الدماغ لكي تكون جاهزه للعمل، بحيث تقل كميتها عند مرضى الاكتئاب من خلال سحبها الى داخل الخلايا وليس خارجها لكي تصبح متوفره للعمل، وحين يتم اعطاء المريض أدوية الاكتئاب المعروفه عالميا، فأنها تعمل على منع سحب الخلايا لهذه المواد وبالتالي توفرها بتراكيز ملائمه في الدماغ والدم والجسم.
وبعيدا عن تناول الادويه، والتي تعتبر من اكثر الادويه ارتفاعا بالثمن وبالتالي الاعباء الاقتصاديه، فأن توفير اسباب الوقايه لهذا المرض تعتبر الاساس لمقاومة مرض خطير ينتشر وبشكل كبير وخاصه عند اجيال مهمه مثل الشباب، ومنها العوده الى ما كان يعتبر ميزه لمجتمع مثل مجتمعنا الفلسطيني وهو " رأس المال الاجتماعي" حيث التعاضد والتعاون بالاعتماد على الثقه ومن أجل العمل للجميع، وكذلك الابتعاد عن متطلبات الحياه العصريه والتي يصاحبها التوتر والقلق والارتماء نحو الماديات والتسابق غير الموضوعي والتكاليف وانماط الغذاء العصريه، ولا عجب أن بعض الدراسات تربط ازدياد نسبة الاكتئاب مع السمنه أو مع الوزن الزائد.
ورغم أن مجتمعنا الفلسطيني لم يعاني بعد وبشكل مخيف من مرض الاكتئاب، اسوه بما يجري في مجتمعات اخرى، ألا انه لا يمكن انكار وجود هذا المرض أو امتدادته النفسيه المختلفه، ورغم "الوصمه" التي ما زالت ترافق الافصاح عن هذه الحاله في بلادنا، الا ان المعطيات تشير وبوضوح الى تصاعد هذه الظاهره ولو بأشكال ومستويات مختلفه، وان مجتمعنا الفلسطيني، واسوة بالمجتمعات العربيه الاخرى، اصبحنا نعاني من افة انتشار وتصاعد الامراض غير السارية وربما منها الاكتئاب، والتي لها علاقة بانماط الحياة الحديثه، من تغذية وحركة ونشاط بدني، ومن ضغوط الحياة وتوتر وقلق، وتفكك اجتماعي وثقافي وتربوي ومعروف ان مفهوم الصحه العامه هو مفهوم شامل يقوم بالاساس على مبدأ الوقاية من الامراض وليس علاجها، ويشمل ذلك مفاهيم مثل التغذية الصحية، السياسات الصحية، والسلامه النفسيه، وغيرهما، وهذا يهدف في المحصلة لتجنب انتشار امراض مزمنة لها علاقة بالسمنة، والحركه، والتلوث، وضغط العمل والحياه وما الى ذلك.
وفي بلادنا، ومع الاحتفال ب " يوم الصحه العالمي"، تحت شعار "أهمية الحديث عن الاكتئاب" فأن الاهم في هذا المجال هو توفير مقومات الوقاية ومنع الاصابة بمرض الاكتئاب من الاساس، وبالإضافة إلى التوعية الصحية للمواطن، هو إتباع الجهات الصحية الرسمية، ممثلة في وزارة الصحة الفلسطينية لسياسات صحية ملزمة ولتطبيق برامج تثقيف صحي نفسي، وخاصة إلى الجيل الشاب، الذي يمثل الشريحه الاكبر لاحتمال انتشار " الاكتئاب" ، ونحن نعرف أن مجتمعنا الفلسطيني هو مجتمع شاب يافع.