الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

ثلاث أسباب كافية للفشل

نشر بتاريخ: 09/04/2017 ( آخر تحديث: 09/04/2017 الساعة: 14:00 )

الكاتب: عوني المشني

احد المستشارين المخضرمين في السياسة الأميركية يعتقد ان فشل التسوية بين الفلسطينيين امر حتمي لثلاث أسباب : عدم وجود قيادات قوية لدى الجانبين ، وثاني هذه الأسباب ان مسئولي الطرفين لا يعيا حجم وابعاد الصراع اكثر من الوسيط الامريكي ، اما ثالث هذه الأسباب عدم التدخل الامريكي الفاعل والقوي . الى هنا ينتهي ارون ديفيد ميلر نائب رئيس مركز وودر ويلسون للابحاث في واشنطن من استخلاصاته ، وان كنا نتفق معه في الاستنتاج الأساس الا وهو استبعاد إمكانية نجاح اي تسوية بين الفلسطينيين والاسرائيليين على المدى المنظور الا اننا نختلف معه في الأسباب ، نعم تكاد تكون الأسباب التي ساقها ميلر سطحية الى حد السذاجة او انها جاءت هكذا لان السيد ميلر لا يريد ان يبوح بالاسباب الحقيقية لهذا الفشل الحتمي .
وعندما نختلف مع رجل بمثل هذه الخبرة فإننا ندرك خبرته من معايشته لكل محاولات الحلول في العقود الاخيرة تعطيه افضلية في التحليل ولكن إطلالته على الصراع من موقع المتحيز يقلل من شان تحليلاته .
أسباب عدم إمكانية حل الصراع او لنقل فشل حل الصراع تكمن في ثلاث : أولها ان ميزان القوى يعطي اسرائيل اكثر بكثير من الحد الأدنى الممكن القبول به فلسطينيا . إمكانية التنازل الفلسطيني مرتبطة بجملة عوامل أهمها الرأي العام وحدود الممكن بينما ميزان القوى مختل الى درجة ان اسرائيل تعتقد انه يعطيها اكثر ، هذه المعادلة تمنع التقدم الى حلول مكنه .
ثاني هذه الأسباب تداخل الأيدلوجي والسياسي ، في بداية الامر تم توظيف الأيدلوجيات لتمرير مواقف سياسية مع الوقت اصبح الموقف السياسي أسير الأيدلوجيات ، الاستيطان موقف سياسي وظفت الأيدلوجيات الدينية لتمريره في عهد حزب العمل في بداية السبعينات مع مرور الوقت أصبحت ايدولوجيا الاستيطان تتحكم في الدولة ذاتها وأصبح الموقف السياسي الاسرائيلي أسير هذا الموقف ، الموقف من المسجد الأقصى يتطور بهذا الاتجاه أيضا .
السبب الثالث ليس للإدارات الامريكية مصلحة حقيقية في استخدام نفوذها للضغط من اجل تحقيق السلام هنا نتقاطع الى حد كبير مع ميلر ، الادارة الامريكية تتدخل الى حد ما وبدون ضغوط ، لماذا؟؟ لانه لا يوجد ما يجعلها مضطرة للضغط الجدي ، الموقف العربي ضعيف ، الموقف الفلسطيني أيضا ضعيف فلماذا تضغط امريكيا !!!!
ثلاثة أسباب كهذه كافية للإبقاء على الصراع ولكن وهنا تكمن الأهمية : من المستفيد من عدم حل الصراع ؟؟؟؟
اسرائيل على المدى المنظور هي الطرف المستفيد ، تعزز من سيطرتها على الارض عبر التهويد والاستيطان ، ولهذا فان ادارة الصراع بالنسبة لها أفضل من حله ، هنا يصبح عدم حل الصراع ليش مشكلة للاسرائيلي وإنما حلا للمشكلة ، استمرار الصراع دونما حل هو الحل الاسرائيلي المفضل .
الفلسطينيين يخسرون من حل الصراع في ظل هذه الموازين ، يعتقدون ان المستقبل سيغير في معادلة القوى لهذا فان الحل السريع بخسرهم أيضا ، ويخسرهم عدم وجود حل ، كوّن الاستيطان يقضم أراضيهم تدريجيا وعدم وجود حل يوفر فرصة لذلك . المفاضلة إذن ليس بين الجيد والسئ بل بين الأقل خسارة والأكثر خسارة ، بات الفلسطينيين الان مقنعين بأغلبيتهم الساحقة بان وجود حل او عدم وجوده سيان اذ لا مفاضلة بين حل سيئ وعدم وجود حل ، كلاهما لا يشكل طموح فلسطيني .
بهذا يكون الاستنتاج واضحا الحل معطل والى حد كبير كون الحل غير مقنع لاي طرف .
هذا يعني ..........
هذا يعني ان تغييرا ما في موازين القوى ، تغييرا جوهريا في مصالح امريكيا ، تغييرا ملحوظا في تأثير الأيدلوجيات ، تغييرات كهذه هي ما سيفرض حلا .
حتى ذلك الحين لا حل سياسي .
أيضا هذا ليس نهاية المطاف .
فاستمرار الصراع يؤسس لحل من نوع جديد ، استمرار التهويد والاستيطان يلغي حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧ ، من ناحية ثانية تتعمق تاثيرات الديمغرافيا ، هذا يدخلنا لدولة الابارتهايد ، ها نحن على ابوابها ، هنا وهنا بالتحديد تختلف " حسبة " ميزان القوى ، لن يعد طائرات ومدافع ودبابات ، سيُصبِح قوة تأثير اجتماعي سياسي ، سيُصبِح لصوت الجمهور قوة الطائرات ، سيُصبِح للديمغرافيا قوة الدبابات ، سيُصبِح للتحالفات الاجتماعية قوة البوارج ، الحل في ظل الابارتهايد مفتاحه السري هو المساواه ، المساواة ليس بسن العرب واليهود بل بين العرب واليهود والعلمانيين والمتدينين والشرقيين . معادلة جديدة ، وشروط حل من نوع مختلف ، سيُصبِح هنا الحل بيد منهم غير معنيين بالحل الان ، هم سيصبحون القوة الفعالة .
من يراهن على ترامب فهو يراهن على سراب ، ترامب لن يكون بمقدوره تغيير معادلات حتى لو كانت رغبة الخليج كذلك ، فالحلف في وجه ايران لا يبرر تنازل احد طرفي الصراع عن مواقفه وقناعاته ورؤيته .