نشر بتاريخ: 10/04/2017 ( آخر تحديث: 10/04/2017 الساعة: 13:58 )
الكاتب: د. هاني العقاد
لم تكن ازمة الرواتب التي افتعلتها حكومة الحمد الله دون غاية او قصد او حتى دراسة , ولم تأتي هذه الازمة بين عشية وضحاها بل كانت تسير عبر مسلسل ممنهج بدأ عندما تسلم الحمد الله رئاسة الوزراء فكان في طريق التخلص من عبء موظفي غزة فقلص رواتبهم باستقطاع علاوة المهنة للمدنيين وبعد شهور اقتطع علاوة القيادة للعسكرين , صمت الجميع وكانت هذه مؤشرات ان موظفي غزة ضعفاء خارج اطار اي تأثير شعبي او فصائلي او اي تأثير وطني وهذا جعل الحكومة تنفذ فيهم الاعدام البطيء , هنا جاء قرار اقتطاع 30 % من رواتبهم كأجراء اولي تحت زعم ابقاء الراتب الاساس ليس بسبب نقص وتدني الدعم الخارجي ولا حتى عدم رغبة الاتحاد الاوروبي بدفع فيشة رواتبهم بل لان هناك شيئا ما في الطريق يبدا بهذا الاجراء الكبير ويتطلب هذا الاجراء على ان تستمر فترة طويلة بغض النظر عن اي تداعيات او احتجاجات شعبية او فصائلية متوقعة .
اقتصاص نسبة من راتب الموظفين اجراء غير قانوني وتعرف الحكومة هذا , لان علاوات الموظف حق للموظف يحميه القانون الاساسي وقانون الخدمة المدنية الذي اقره التشريعي , ولعل تبرير الحكومة لهذا الاجراء على انه بسبب الانقسام وسلوك حكومة حماس وتمردها وسطوها على الضرائب إضافة إلى انخفاض الدعم الخارجي هو تبرير غير مقبول يوحي بان هذا الاجراء جاء لخدمة اجندة سياسية كبيرة . وهذا ما يفسر عدم قيام الرئيس ابو مازن بإلغاء هذا الاجراء والاستجابة لصوت الجماهير التي احتشدت في ساحة السرايا بعشرات الالاف وجددت التزامها بالشرعية , ما يؤكد هذا , البيان الضعيف الذي صدر عن اللجنة المركزية بعد اجتماعها لمناقشة موضوع الرواتب والخروج بحلول لهذه الازمة التي تعصف بغزة وحدها وتستهدف قوت وخبز ابناء الموظفين الذين التزموا بما املته عليهم حكومتهم عندما سيطرت حماس على مقاليد الحكم في غزة وابعدتهم عن اماكن عملهم بالقوة , الجديد والغير متوقع ان البيان حمل لهجة تتحدث عن تحميل الموظفين مسؤولية انهاء الانقسام الذي حدث في غزة وان بقاء الانقسام يعني عدم حصول هؤلاء الموظفين على رواتبهم في المستقبل , رفض البيان اجراءات حماس في غزة على خلفية تشكيل حماس لجنة لإدارة غزة الى حين استعادة الوحدة الوطنية ,كما اقرت اللجنة تشكيل لجنة سداسية من المركزية مكلفة بالتوجه الى غزة خلال الايام القادمة للتباحث مع حماس حول تشكل حكومة وحدة وطنية دون أي تصريح يخص اعادة الرواتب المقطوعة او اعادة العلاوات والترقيات التي سحبتها الحكومة واكد البيان ان هذا مرهون بتحقيق الوحدة الوطنية وتسليم غزة .
لم يكن بيان اللجنة المركزية على قدر المسؤولية بل ان الكثيرين شعروا وتحدثوا عن الاختباء المقصود عن قيادة الجماهير المأزومة والمتوجعة جراء اجراء الحكومة واستفرادها بموظفين قطاع غزة دون غيرهم في حركة تميز واضحة بين مواطن ومواطن وبين موظف واخر ما يوحي بان هناك مراحل متقدمة من التخلي عن المسؤوليات تجاه موظفيها في غزة , البيان صدم جمهور الفتحاويين بشكل كبير الى درجة ان المستنجدين باللجنة المركزية بعد الاقتطاع من رواتبهم شعروا ان اللجنة لم تفعل شيء بل اصطفت الى جانب الحكومة وتخلت عنهم وانهم رهائن كل من الحكومة والمركزية وشعروا ان لا نصير لهم بعد اليوم الا الله والقانون ان لجأوا اليه .الشيء الخطير تفاجئوا منه هو تحميلهم مسؤولية الانقسام ومسؤولية أنهائه واستعادة الوحدة الوطنية بالتالي العودة الى عملهم لكي تعاد اليهم رواتبهم , المساكين اصبحوا بين ليلة وضحاها مسؤولين عن اخطاء تنظيمين كبيرين وعجز ثلاث او اربع حكومات فلسطينية متتالية , امر في غاية الغرابة و تبرير اغرب من حكومة تعرف ما هو الانقسام وتعرف ما الذي يحدث بالضبط , امر اكثر غرابة من قيادة السلطة والرئيس الذين يعرفوا ما الاجندات التي تقف وراء الانقسام وفشل عشرات المحاولات للتوافق على برنامج وطني تقوده حكومة وحدة وطنية وفشل الطرفين في تطبيق التفاهمات والاتفاقيات التي وقعت بينهما لاستعادة الوحدة الوطنية .
اذا كانت قيادة فتح ومنظمة التحرير والحكومات الفلسطينية المتعاقبة وكل من المملكة العربية السعودية واليمن والاردن وقطر وثلاث انظمة مصرية وجهاز المخابرات المصرية كأكبر واذكي جهاز مخابرات عربي بالإضافة الى محاولات كل من تركيا وسويسرا وموسكو والمانيا وحتى دعوات الامم المتحدة قد فشلت كلها في اعادة الطرفان لدائرة العمل الوطني المشترك في حكومة واحدة وتمثيل سياسي واحد ,فهل باعتقادكم ان الموظفين المغلوبين على امرهم يمكن ان يفعلوا هذا بعد عشر سنوات..! ليس من المنطق ولا من المعقول تحميل الشعب او شريحة هامة منه كالموظفين مسؤولية الانقسام والبدء بإجراءات تجويعيه لهم لمواجهة حماس في غزة , وليس من المنطق الدفع بهذا الشعب الى الحائط والتخلي عنه لصالح مخطط سياسي كبير تقوده الولايات المتحدة ,وليس من المنطق خسارة كل مؤيدي حركة فتح بهذه السهولة وهذا الثمن وهذا يعني في نظري ان القيادة الان دخلت حقل الالغام المحظور ولن تحقق شيء مقابل كل هذا التخلي عن جماهيرها ,لأنها سوف تواجه دوليا على الاقل بانها لا تمثل كل الشعب الفلسطيني وما عليها الا البحث عن طرق واساليب اخري لاستعادة الوحدة الوطنية واستعادة عزة بالتوافق مع حماس والفصائل والحفاظ في نفس الوقت على رصيدها الجماهيري الداعم لها امام التحديات الجسام القادمة .